القول في تأويل قوله تعالى : (
فأكثروا فيها الفساد ( 12 )
فصب عليهم ربك سوط عذاب ( 13 )
إن ربك لبالمرصاد ( 14 )
فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن ( 15 ) ) .
يقول تعالى ذكره : فأكثروا في البلاد المعاصي ، وركوب ما حرم الله عليهم (
فصب عليهم ربك سوط عذاب ) يقول تعالى ذكره : فأنزل بهم يا
محمد ربك عذابه ، وأحل بهم نقمته ، بما أفسدوا في البلاد ، وطغوا على الله فيها . وقيل : فصب
[ ص: 411 ] عليهم ربك سوط عذاب . وإنما كانت نقما تنزل بهم ، إما ريحا تدمرهم ، وإما رجفا يدمدم عليهم ، وإما غرقا يهلكهم من غير ضرب بسوط ولا عصا ; لأنه كان من أليم عذاب القوم الذين خوطبوا بهذا القرآن ، الجلد بالسياط ، فكثر استعمال القوم الخبر عن شدة العذاب الذي يعذب به الرجل منهم أن يقولوا : ضرب فلان حتى بالسياط ، إلى أن صار ذلك مثلا ، فاستعملوه في كل معذب بنوع من العذاب شديد ، وقالوا : صب عليه سوط عذاب .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قوله : (
سوط عذاب ) قال : ما عذبوا به .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد في قوله : (
فصب عليهم ربك سوط عذاب ) قال : العذاب الذي عذبهم به سماه : سوط عذاب .
وقوله : (
إن ربك لبالمرصاد ) يقول تعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : إن ربك يا
محمد لهؤلاء الذين قصصت عليك قصصهم ، ولضربائهم من أهل الكفر ، لبالمرصاد يرصدهم بأعمالهم في الدنيا وفي الآخرة ، على قناطر جهنم ، ليكردسهم فيها إذا وردوها يوم القيامة .
واختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معنى قوله : ( لبالمرصاد ) بحيث يرى ويسمع .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، قوله : (
إن ربك لبالمرصاد ) يقول : يرى ويسمع .
وقال آخرون : يعني بذلك أنه بمرصد لأهل الظلم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
المبارك بن مجاهد ، عن
جويبر ، عن
الضحاك في هذه الآية ، قال : إذا كان يوم القيامة ، يأمر الرب بكرسيه ، فيوضع على
[ ص: 412 ] النار ، فيستوي عليه ، ثم يقول : وعزتي وجلالي ، لا يتجاوزني اليوم ذو مظلمة ، فذلك قوله : ( لبالمرصاد ) .
قال : ثنا
الحكم بن بشير ، قال : ثنا
عمرو بن قيس ، قال : بلغني أن على جهنم ثلاث قناطر : قنطرة عليها الأمانة ، إذا مروا بها تقول : يا رب هذا أمين ، يا رب هذا خائن ، وقنطرة عليها الرحم ، إذا مروا بها تقول : يا رب هذا واصل ، يا رب هذا قاطع; وقنطرة عليها الرب (
إن ربك لبالمرصاد ) .
قال : حدثنا
مهران ، عن
سفيان (
إن ربك لبالمرصاد ) يعني :
جهنم عليها ثلاث قناطر : قنطرة فيها الرحمة ، وقنطرة فيها الأمانة ، وقنطرة فيها الرب تبارك وتعالى .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال :
ثنا ابن ثور ، عن
معمر ، عن
الحسن (
إن ربك لبالمرصاد ) قال : مرصاد عمل بني
آدم .
وقوله : (
فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه ) يقول تعالى ذكره : فأما الإنسان إذا ما امتحنه ربه بالنعم والغنى ( فأكرمه ) بالمال ، وأفضل عليه ، ( ونعمه ) بما أوسع عليه من فضله (
فيقول ربي أكرمن ) فيفرح بذلك ويسر به ويقول : ربي أكرمني بهذه الكرامة .
كما حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن ) وحق له .