[ ص: 463 ] [ ص: 464 ] [ ص: 465 ] بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى جل جلاله وتقدست أسماؤه : (
والليل إذا يغشى ( 1 )
والنهار إذا تجلى ( 2 )
وما خلق الذكر والأنثى ( 3 )
إن سعيكم لشتى ( 4 )
فأما من أعطى واتقى ( 5 )
وصدق بالحسنى ( 6 )
فسنيسره لليسرى ( 7 )
وأما من بخل واستغنى ( 8 )
وكذب بالحسنى ( 9 )
فسنيسره للعسرى ( 10 ) ) .
يقول تعالى ذكره مقسما بالليل إذا غشى النهار بظلمته ، فأذهب ضوءه ، وجاءت ظلمته : (
والليل إذا يغشى ) النهار (
والنهار إذا تجلى ) وهذا أيضا قسم ، أقسم بالنهار إذا هو أضاء فأنار ، وظهر للأبصار . ما كانت ظلمة الليل قد حالت بينها وبين رؤيته وإتيانه إياها عيانا ، وكان
قتادة يذهب فيما أقسم الله به من الأشياء أنه إنما أقسم به لعظم شأنه عنده .
كما حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله (
والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى ) قال : آيتان عظيمتان يكورهما الله على الخلائق .
وقوله : (
وما خلق الذكر والأنثى ) يحتمل الوجهين اللذين وصفت في قوله : (
والسماء وما بناها ) وفي (
والأرض وما طحاها ) وهو أن يجعل " ما " بمعنى " من " فيكون ذلك قسما من الله جل ثناؤه بخالق الذكر والأنثى ، وهو ذلك الخالق ، وأن تجعل " ما " مع ما بعدها بمعنى المصدر ، ويكون قسما بخلقه الذكر والأنثى .
وقد ذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=4وأبي الدرداء : أنهما كانا يقرآن ذلك ( والذكر والأنثى ) ويأثره
أبو الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 466 ]
ذكر الخبر بذلك :
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى ، قال : ثنا
محمد بن جعفر ، قال : ثنا
شعبة ، عن
أبي إسحاق قال : في قراءة
عبد الله (
والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى ) .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا
هشام بن عبد الملك قال : ثنا
شعبة ، قال : أخبرني
المغيرة ، قال : سمعت
إبراهيم يقول : أتى
علقمة الشام ، فقعد إلى
nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء ، فقال : ممن أنت ؟ فقلت : من
أهل الكوفة ، فقال : كيف كان
عبد الله يقرأ هذه الآية (
والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى ) فقلت : ( والذكر والأنثى ) قال : فما زال هؤلاء حتى كادوا يستضلونني ، وقد سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثنا
محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا
حاتم بن وردان ، قال : ثنا
أبو حمزة ، عن
إبراهيم ، عن
علقمة قال : أتينا
الشام ، فدخلت على
nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء ، فسألني فقال : كيف سمعت
ابن مسعود يقرأ هذه الآية : (
والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى ) قال : قلت : ( والذكر والأنثى ) قال : كفاك ، سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها .
حدثني
يعقوب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ; وحدثني
إسحاق بن شاهين الواسطي ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15800خالد بن عبد الله عن
داود ، عن
عامر ، nindex.php?page=hadith&LINKID=811857عن علقمة ، قال : قدمت الشام ، فلقيت أبا الدرداء ، فقال : من أين أنت ؟ فقلت من أهل العراق ؟ قال : من أيها ؟ قلت : من أهل الكوفة ، قال : هل تقرأه قراءة ابن أم عبد ؟ قلت : نعم ، قال : اقرأ ( والليل إذا يغشى ) قال : فقرأت : ( والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى ) قال : فضحك ، ثم قال : هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثني
عبد الأعلى ، قال : ثني
داود ، عن
عامر ، عن
علقمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
حدثني
أبو السائب ، قال : ثنا أبو
معاوية ، عن
الأعمش ، عن
إبراهيم ، nindex.php?page=hadith&LINKID=811171عن علقمة ، قال : قدمت الشام ، فأتى أبو الدرداء ، فقال : فيكم أحد يقرأ علي قراءة عبد الله ؟ قال : فأشاروا إلي ، قال : قلت : أنا ، قال : فكيف سمعت عبد الله يقرأ هذه الآية : ( والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى ) قال : [ ص: 467 ] وأنا هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فهؤلاء يريدوني على أن أقرأ ( وما خلق الذكر والأنثى ) فلا أنا أتابعهم .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال :
ثنا ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
وما خلق الذكر والأنثى ) قال : في بعض الحروف ( والذكر والأنثى ) .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، مثله .
حدثني
أحمد بن يوسف ، قال : ثنا
القاسم ، قال : ثنا
حجاج ، عن
هارون ، عن
إسماعيل ، عن
الحسن أنه كان يقرأها (
وما خلق الذكر والأنثى ) يقول : والذي خلق الذكر والأنثى ; قال
هارون : قال
أبو عمرو :
وأهل مكة يقولون للرعد : سبحان ما سبحت له .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
جرير ، عن
مغيرة ، عن
مقسم الضبي ، عن
إبراهيم بن يزيد بن أبي عمران ، nindex.php?page=hadith&LINKID=811172عن علقمة بن قيس أبي شبل : أنه أتى الشام ، فدخل المسجد فصلى فيه ، ثم قام إلى حلقة فجلس فيها ; قال : فجاء رجل إلي ، فعرفت فيه تحوش القوم وهيبتهم له ، فجلس إلى جنبي ، فقلت : الحمد لله إني لأرجو أن يكون الله قد استجاب دعوتي ، فإذا ذلك الرجل أبو الدرداء ، قال : وما ذاك ؟ فقال علقمة : دعوت الله أن يرزقني جليسا صالحا ، فأرجو أن يكون أنت ، قال : من أين أنت ؟ قلت : من الكوفة ، أو من أهل العراق من الكوفة . قال أبو الدرداء : ألم يكن فيكم صاحب النعلين والوساد والمطهرة ، يعني ابن مسعود ، أو لم يكن فيكم من أجير على لسان النبي صلى الله عليه وسلم من الشيطان الرجيم ، يعني nindex.php?page=showalam&ids=56عمار بن ياسر ، أو لم يكن فيكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره ، أو أحد غيره ، يعني حذيفة بن اليمان ، ثم قال : أيكم يحفظ كما كان عبد الله يقرأ ؟ قال : فقلت : أنا ، قال : اقرأ : ( والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى ) قال علقمة : فقرأت : ( الذكر والأنثى ) ، فقال أبو الدرداء : والذي لا إله إلا هو ، كذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوه إلى في ، فما زال هؤلاء حتى كادوا يردونني عنها .
وقوله : (
إن سعيكم لشتى ) يقول : إن عملكم لمختلف أيها الناس ؛ لأن منكم الكافر بربه ، والعاصي له في أمره ونهيه ، والمؤمن به ، والمطيع له في أمره ونهيه .
كما حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
إن سعيكم لشتى )
[ ص: 468 ] يقول : لمختلف .
وقوله : (
إن سعيكم لشتى ) جواب القسم ، والكلام : والليل إذا يغشى إن سعيكم لشتى ، وكذا قال أهل العلم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قال : وقع القسم هاهنا (
إن سعيكم لشتى ) .
وقوله : (
فأما من أعطى واتقى ) يقول تعالى ذكره : فأما من أعطى واتقى منكم أيها الناس في سبيل الله ، ومن أمره الله بإعطائه من ماله ، وما وهب له من فضله ، واتقى الله واجتنب محارمه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
حميد بن مسعدة ، قال : ثنا
بشر بن المفضل ، قال : ثنا
داود ، عن
عامر ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس ، في قوله : (
فأما من أعطى واتقى ) قال : أعطى ما عنده واتقى ، قال : اتقى ربه .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا
عبد الرحمن بن مهدي ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15800خالد بن عبد الله ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس (
فأما من أعطى ) من الفضل ( واتقى ) : اتقى ربه .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
فأما من أعطى ) حق الله ( واتقى ) محارم الله التي نهى عنها .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : 30 (
فأما من أعطى واتقى ) يقول : من ذكر الله ، واتقى الله .
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله تعالى : (
وصدق بالحسنى ) فقال بعضهم : معنى ذلك : وصدق بالخلف من الله على إعطائه ما أعطى من ماله فيما أعطى فيه مما أمره الله بإعطائه فيه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
حميد بن مسعدة ، قال : ثنا
بشر بن المفضل ، قال : ثنا
دواد ، عن
عكرمة ، [ ص: 469 ] عن
ابن عباس ، في قوله : (
وصدق بالحسنى ) قال : وصدق بالخلف من الله .
حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى ، قال : ثني
عبد الأعلى ، قال : ثنا
داود ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس : (
وصدق بالحسنى ) يقول : وصدق بالخلف من الله .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا
عبد الرحمن بن مهدي ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15800خالد بن عبد الله ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس (
وصدق بالحسنى ) بالخلف .
حدثني
يعقوب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
داود ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس ، مثله .
حدثنا
إسماعيل بن موسى السدي ، قال : أخبرنا
بشر بن الحكم الأحمسي ، عن
سعيد بن الصلت ، عن
إسماعيل بن أبي خالد ، عن
أبي صالح ، عن
ابن عباس (
وصدق بالحسنى ) قال : أيقن بالخلف .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
عبد الرحمن ، قال : ثنا
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16836قيس بن مسلم ، عن
عكرمة (
فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى ) قال : بالخلف .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16836قيس بن مسلم ، عن
عكرمة (
وصدق بالحسنى ) قال : بأن الله سيخلف له .
قال ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
أبي هاشم المكي ، عن
مجاهد (
وصدق بالحسنى ) قال بالخلف .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
أبي بكر الهذلي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب ، عن
ابن عباس : (
وصدق بالحسنى ) قال : بالخلف .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
نضر بن عربي ، عن
عكرمة ، قال : بالخلف .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وصدق بأن الله واحد لا شريك له .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمر بن علي المقدمي ، قال : ثنا
أشعث السجستاني ، قال : ثنا
مسعر ; وحدثنا
أبو كريب قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
مسعر ، عن أبي حصين ، عن
أبي عبد الرحمن (
وصدق بالحسنى ) قال : بلا إله إلا الله .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
عبد الرحمن ، قال : ثنا
سفيان ، عن
أبي حصين ، عن
أبي عبد الرحمن مثله .
[ ص: 470 ]
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
أبي حصين ، عن
أبي عبد الرحمن ، مثله .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
وصدق بالحسنى ) : بلا إله إلا الله .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس (
وصدق بالحسنى ) : يقول : صدق بلا إله إلا الله .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وصدق بالجنة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
وصدق بالحسنى ) قال : بالجنة .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثني
محمد بن محبب ، قال : ثنا
سفيان ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، مثله .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، مثله .
وقال آخرون : بل معناه : وصدق بموعود الله .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وصدق بالحسنى ) قال : بموعود الله على نفسه ، فعمل بذلك الموعود الذي وعده الله .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال :
ثنا ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، في قوله (
وصدق بالحسنى ) قال : صدق المؤمن بموعود الله الحسن .
وأشبه هذه الأقوال بما دل عليه ظاهر التنزيل ، وأولاها بالصواب عندي : قول من قال : عني به التصديق بالخلف من الله على نفقته .
وإنما قلت : ذلك أولى الأقوال بالصواب في ذلك ؛ لأن الله ذكر قبله منفقا أنفق طالبا بنفقته الخلف منها ، فكان أولى المعاني به أن يكون الذي عقيبه الخبر عن تصديقه بوعد الله إياه بالخلف ؛ إذ كانت نفقته على الوجه الذي يرضاه ، مع أن الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو الذي قلنا في ذلك ورد .
[ ص: 471 ]
ذكر الخبر الوارد بذلك :
حدثني
الحسن بن سلمة بن أبي كبشة ، قال : ثنا
عبد الملك بن عمرو ، قال : ثنا
عباد بن راشد ، عن
قتادة قال : ثني
خليد العصري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811858 " ما من يوم غربت فيه شمسه إلا وبجنبها ملكان يناديان ، يسمعه خلق الله كلهم إلا الثقلين : اللهم أعط منفقا خلفا ، وأعط ممسكا تلفا " فأنزل الله في ذلك القرآن (
فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى ) . . . إلى قوله ( للعسرى ) .
وذكر أن هذه الآية نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
ذكر الخبر بذلك :
حدثني
هارون بن إدريس الأصم ، قال : ثنا
عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، قال : ثنا
محمد بن إسحاق ، عن
محمد بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16281عامر بن عبد الله بن الزبير ، قال : كان
أبو بكر الصديق يعتق على الإسلام
بمكة ، فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن ، فقال له أبوه : أي بني ، أراك تعتق أناسا ضعفاء ، فلو أنك أعتقت رجالا جلدا يقومون معك ، ويمنعونك ، ويدفعون عنك ، فقال : أي أبت ، إنما أريد " أظنه قال " : ما عند الله ، قال : فحدثني بعض أهل بيتي ، أن هذه الآية أنزلت فيه : (
فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى ) .
وقوله : (
فسنيسره لليسرى ) يقول : فسنهيئه للخلة اليسرى ، وهي العمل بما يرضاه الله منه في الدنيا ؛ ليوجب له به في الآخرة الجنة .
وقوله : (
وأما من بخل واستغنى ) يقول تعالى ذكره : وأما من بخل بالنفقة في سبيل الله ، ومنع ما وهب الله له من فضله ، من صرفه في الوجوه التي أمر الله بصرفه فيها ، واستغنى عن ربه ، فلم يرغب إليه بالعمل له بطاعته بالزيادة فيما خوله من ذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
حميد بن مسعدة ، قال : ثنا
بشر بن المفضل ، قال : ثنا
داود ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس ، في قوله : (
وأما من بخل واستغنى ) قال : بخل بما عنده ، واستغنى في نفسه .
[ ص: 472 ]
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا
عبد الرحمن ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15800خالد بن عبد الله ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند ، عن
عكرمة عن
ابن عباس (
وأما من بخل واستغنى ) وأما من بخل بالفضل ، واستغنى عن ربه .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس (
وأما من بخل واستغنى ) يقول : من أغناه الله ، فبخل بالزكاة .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله (
وأما من بخل واستغنى ) : وأما من بخل بحق الله عليه ، واستغنى في نفسه عن ربه .
وأما قوله : (
وكذب بالحسنى ) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله نحو اختلافهم في قوله : (
وصدق بالحسنى ) وأما نحن فنقول : معناه : وكذب بالخلف .
كما حدثنا
حميد بن مسعدة ، قال : ثنا
بشر بن المفضل ، قال : ثنا
داود ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس : (
وكذب بالحسنى ) : وكذب بالخلف .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا
عبد الرحمن ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15800خالد بن عبد الله ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس (
وكذب بالحسنى ) بالخلف من الله .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وكذب بالحسنى ) وكذب بموعود الله الذي وعد ، قال الله : (
فسنيسره للعسرى ) .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال :
ثنا ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
وكذب بالحسنى ) وكذب الكافر بموعود الله الحسن .
وقال آخرون : معناه : وكذب بتوحيد الله .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس (
وكذب بالحسنى ) : وكذب بلا إله إلا الله .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
وكذب بالحسنى ) بلا إله إلا الله .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وكذب بالجنة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد [ ص: 473 ] (
وكذب بالحسنى ) قال : بالجنة .
وقوله : (
فسنيسره للعسرى ) يقول تعالى ذكره : فسنهيئه في الدنيا للخلة العسرى ، وهو من قولهم : قد يسرت غنم فلان : إذا ولدت وتهيأت للولادة ، وكما قال الشاعر :
هما سيدانا يزعمان وإنما يسوداننا أن يسرت غنماهما
وقيل : (
فسنيسره للعسرى ) ولا تيسر في العسرى للذي تقدم في أول الكلام من قوله : (
فسنيسره لليسرى ) واذا جمع بين كلامين ؛ أحدهما : ذكر الخير ، والآخر : ذكر الشر ، جاز ذلك بالتيسير فيهما جميعا ; والعسرى التي أخبر الله جل ثناؤه أنه ييسره لها : العمل بما يكرهه ولا يرضاه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ذكر الخبر بذلك :
حدثني
واصل بن عبد الأعلى وأبو كريب ، قالا : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
الأعمش ، عن
سعد بن عبيدة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12067أبي عبد الرحمن السلمي ، nindex.php?page=hadith&LINKID=811173عن علي ، قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فنكت الأرض ، ثم رفع رأسه فقال : " ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار " قلنا : يا رسول الله أفلا نتكل ؟ قال : " لا ، اعملوا فكل ميسر " ثم قرأ : ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ) .
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
عبد الرحمن ، قال : ثنا
زائدة بن قدامة ، عن
منصور ، عن
سعد بن عبيدة عن
nindex.php?page=showalam&ids=12067أبي عبد الرحمن السلمي ، nindex.php?page=hadith&LINKID=811174عن علي ، قال : كنا في جنازة في البقيع ، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس وجلسنا معه ، ومعه عود ينكت في الأرض ، فرفع رأسه إلى السماء فقال : " ما منكم من نفس منفوسة إلا قد كتب مدخلها " فقال القوم : يا رسول الله ألا نتكل على كتابنا ، فمن كان من أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة ، ومن كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء ، فقال : " بل اعملوا فكل ميسر ; فأما من كان من أهل السعادة فإنه ييسر لعمل السعادة ، وأما من كان من أهل الشقاء فإنه ييسر للشقاء " ثم قرأ ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ) .
[ ص: 474 ] حدثنا
أبو السائب ، قال : ثنا
أبو معاوية ، عن
الأعمش ، عن
سعد بن عبيدة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12067أبي عبد الرحمن السلمي ، عن
علي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا
محمد بن جعفر ، قال : ثنا
شعبة ، عن
منصور nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش : أنهما سمعا
سعد بن عبيدة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12067أبي عبد الرحمن السلمي ، nindex.php?page=hadith&LINKID=811175عن علي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان في جنازة ، فأخذ عودا ، فجعل ينكت في الأرض ، فقال : " ما من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار أو من الجنة " فقالوا : يا رسول الله أفلا نتكل ؟ قال : " اعملوا فكل ميسر ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ) " .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
منصور nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش ، عن
سعد بن عبيدة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12067أبي عبد الرحمن السلمي ، nindex.php?page=hadith&LINKID=811859عن علي رضي الله عنه قال : كنا جلوسا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فتناول شيئا من الأرض بيده ، فقال : " ما منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة والنار " قالوا : يا نبي الله ، أفلا نتكل ؟ قال : " لا اعملوا فكل ميسر لما خلق له " ثم قرأ : ( فأما من أعطى واتقى ) . . . الآيتين .
قال : ثنا
مهران ، عن
أبي سنان ، عن
عبد الملك بن سمرة بن أبي زائدة ، عن
النزال بن سبرة ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :
" ما منكم من نفس منفوسة إلا قد كتب الله عليها ما هي لاقيته " وأعرابي عند النبي صلى الله عليه وسلم مرتاد ، فقال الأعرابي : فما جاء بي أضرب من وادي كذا وكذا ، إن كان قد فرغ من الأمر .
فنكت النبي صلى الله عليه وسلم في الأرض ، حتى ظن القوم أنه ود أنه لم يكن تكلم بشيء منه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " كل ميسر لما خلق له ، فمن يرد الله به خيرا يسره لسبيل الخير ، ومن يرد به شرا يسره لسبيل الشر " فلقيت عمرو بن مرة ، فعرضت عليه هذا الحديث ، فقال : قال النبي صلى الله عليه وسلم ، وزاد فيه : ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ) .
حدثني
يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا
هشيم ، قال : ثنا
حصين ، عن
سعد بن عبيدة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12067أبي عبد الرحمن السلمي ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811861لما نزلت هذه الآية : ( إنا كل شيء خلقناه بقدر ) [ ص: 475 ] قال رجل : يا رسول الله ، ففيم العمل ؟ أفي شيء نستأنفه ، أو في شيء قد فرغ منه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اعملوا فكل ميسر : سنيسره لليسرى ، وسنيسره للعسرى " .
حدثني
عمرو بن عبد الملك الطائي ، قال : ثنا
محمد بن عبيدة ، قال : ثنا
الجراح ، عن
إبراهيم بن عبد الحميد ، عن
الحجاج بن أرطاة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11813أبي إسحاق الهمداني ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13726سليمان الأعمش ، رفع الحديث إلى
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811862كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم جالسا وبيده عود ينكت به في الأرض ، فرفع رأسه فقال : " ما منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة أو النار " قلنا : يا رسول الله أفلا نتوكل ؟ قال لهم : " اعملوا فكل ميسر لما خلق له " ثم قال : " أما سمعتم الله في كتابه يقول : ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ) " .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا
عبد الرحمن بن مهدي ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15800خالد بن عبد الله ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس (
فسنيسره للعسرى ) : للشر من الله .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : أخبرني
عمرو بن الحارث ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير ، nindex.php?page=hadith&LINKID=811176عن جابر بن عبد الله أنه قال : يا رسول الله ، أنعمل لأمر قد فرغ منه ، أو لأمر نأتنفه ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " كل عامل ميسر لعمله " .
حدثني
يونس ، قال : ثنا
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16259طلق بن حبيب ، عن
بشير بن كعب ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811863سأل غلامان شابان النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالا : يا رسول الله ، أنعمل فيما جفت به الأقلام ، وجرت به المقادير ، أو في شيء يستأنف ؟ فقال : " بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير " قالا : ففيم العمل إذن ؟ قال : " اعملوا ، فكل عامل ميسر لعمله الذي خلق له " قالا : فالآن نجد ونعمل .