القول في
تأويل قوله تعالى : ( فما يكذبك بعد بالدين ( 7 )
أليس الله بأحكم الحاكمين ( 8 ) ) .
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : (
فما يكذبك بعد ) فقال بعضهم معناه : فمن يكذبك يا
محمد بعد هذه الحجج التي احتججنا بها ، بالدين ، يعني : بطاعة الله ، وما بعثك به من الحق ، وأن الله يبعث من في القبور ؟ قالوا : " ما " في معنى " من " ؛ لأنه عني به ابن آدم ، ومن بعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : فما يكذبك أيها الإنسان بعد هذه الحجج بالدين .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن بشار ، قال : ثنا
عبد الرحمن ، قال : ثنا
سفيان ، عن
منصور ، قال : قلت
لمجاهد : (
فما يكذبك بعد بالدين ) عني به النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : معاذ الله ! عني به الإنسان .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عمن سمع
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهدا يقول : (
فما يكذبك بعد بالدين ) قلت : يعني به : النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : معاذ الله ! إنما يعني به الإنسان .
[ ص: 515 ]
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
سفيان ، عن
منصور ، عن
مجاهد (
فما يكذبك بعد بالدين ) أعنى به النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : معاذ الله ! إنما عني به الإنسان .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال :
ثنا ابن ثور ، عن
معمر ، عن
الكلبي (
فما يكذبك بعد بالدين ) ؟ إنما يعني الإنسان ، يقول : خلقتك في أحسن تقويم ، فما يكذبك أيها الإنسان بعد بالدين .
وقال آخرون : إنما عني بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل له : استيقن مع ما جاءك من الله من البيان ، أن الله أحكم الحاكمين .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
فما يكذبك بعد بالدين ) أي : استيقن بعد ما جاءك من الله البيان (
أليس الله بأحكم الحاكمين ) .
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال : معنى " ما " معنى " من " ووجه تأويل الكلام إلى :
فمن يكذبك يا محمد بعد الذي جاءك من هذا البيان من الله بالدين ؟ يعني : بطاعة الله ، ومجازاته العباد على أعمالهم . وقد تأول ذلك بعض أهل العربية بمعنى : فما الذي يكذبك بأن الناس يدانون بأعمالهم ؟ وكأنه قال : فمن يقدر على تكذيبك بالثواب والعقاب بعد ما تبين له خلقنا الإنسان على ما وصفنا .
واختلفوا في معنى قوله : ( بالدين ) فقال بعضهم : بالحساب .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
عبد الرحمن بن الأسود الطفاوي ، قال : ثنا
محمد بن ربيعة ، عن
النضر بن عربي ، عن
عكرمة ، في قوله : (
فما يكذبك بعد بالدين ) قال : الحساب .
وقال آخرون : معناه : بحكم الله .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس : (
فما يكذبك بعد بالدين ) يقول : ما يكذبك بحكم الله .
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : الدين في هذا الموضع : الجزاء والحساب ، وذلك أن أحد معاني الدين في كلام العرب : الجزاء والحساب ; ومنه قولهم :
[ ص: 516 ] كما تدين تدان . ولا أعرف من معاني الدين " الحكم " في كلامهم ، إلا أن يكون مرادا بذلك : فما يكذبك بعد بأمر الله الذي حكم به عليك أن تطيعه فيه ؟ فيكون ذلك .
وقوله : (
أليس الله بأحكم الحاكمين ) يقول تعالى ذكره : أليس الله يا
محمد بأحكم من حكم في أحكامه ، وفصل قضاءه بين عباده ؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ ذلك فيما بلغنا قال : بلى .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
أليس الله بأحكم الحاكمين ) ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها قال : " بلى ، وأنا على ذلك من الشاهدين " .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن أبيه ، عن
أبي إسحاق ، عن
سعيد بن جبير ، قال : كان
ابن عباس إذا قرأ : (
أليس الله بأحكم الحاكمين ) قال : سبحانك اللهم ، وبلى .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال :
ثنا ابن ثور ، عن
معمر ، قال : كان
قتادة إذا تلا (
أليس الله بأحكم الحاكمين ) قال : بلى ، وأنا على ذلك من الشاهدين ، أحسبه كان يرفع ذلك ; وإذا قرأ : (
أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ) ؟ قال : بلى ، وإذا تلا (
فبأي حديث بعده يؤمنون ) قال : آمنت بالله ، وبما أنزل .
آخر تفسير سورة والتين