القول في
تأويل قوله تعالى : ( ألم يعلم بأن الله يرى ( 14 )
كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ( 15 )
ناصية كاذبة خاطئة ( 16 )
فليدع ناديه ( 17 )
سندع الزبانية ( 18 )
كلا لا تطعه واسجد واقترب ( 19 ) ) .
يقول تعالى ذكره : ألم يعلم
أبو جهل إذ ينهى
محمدا عن عبادة ربه ، والصلاة له ، بأن الله يراه فيخاف سطوته وعقابه . وقيل : أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ،
[ ص: 525 ] أرأيت إن كان على الهدى ، فكررت أرأيت مرات ثلاثا على البدل . والمعنى : أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ، وهو مكذب متول عن ربه ، ألم يعلم بأن الله يراه .
وقوله : (
كلا لئن لم ينته ) يقول : ليس كما قال : إنه يطأ عنق
محمد ، يقول : لا يقدر على ذلك ، ولا يصل إليه .
وقوله : (
لئن لم ينته ) يقول : لئن لم ينته
أبو جهل عن
محمد (
لنسفعن بالناصية ) يقول : لنأخذن بمقدم رأسه ، فلنضمنه ولنذلنه ; يقال منه : سفعت بيده : إذا أخذت بيده . وقيل : إنما قيل ( لنسفعن بالناصية ) والمعنى : لنسودن وجهه ، فاكتفى بذكر الناصية من الوجه كله ؛ إذ كانت الناصية في مقدم الوجه . وقيل : معنى ذلك : لنأخذن بناصيته إلى النار ، كما قال : (
فيؤخذ بالنواصي والأقدام ) .
وقوله : (
ناصية كاذبة خاطئة ) فخفض ناصية ردا على الناصية الأولى بالتكرير ، ووصف الناصية بالكذب والخطيئة ، والمعنى لصاحبها .
وقوله : (
فليدع ناديه ) يقول تعالى ذكره : فليدع
أبو جهل أهل مجلسه وأنصاره من عشيرته وقومه ، والنادي : هو المجلس .
وإنما قيل ذلك فيما بلغنا ؛ لأن
أبا جهل لما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند المقام ، انتهره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأغلظ له ، فقال
أبو جهل : علام يتوعدني
محمد وأنا أكثر أهل الوادي ناديا ؟ فقال الله جل ثناؤه : (
لئن لم ينته لنسفعن بالناصية ) ، فليدع حينئذ ناديه ، فإنه إن دعا ناديه ، دعونا الزبانية .
وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الأخبار ، وقال أهل التأويل .
ذكر الآثار المروية في ذلك :
حدثنا
ابن وكيع ، قال : ثنا
أبو خالد الأحمر ; وحدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
الحكم بن جميع ، قال : ثنا
علي بن مسهر ، جميعا عن
nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند المقام ، فمر به
أبو جهل بن هشام ، فقال : يا
محمد ، ألم أنهك عن هذا ؟ وتوعده ، فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهره ، فقال : يا
محمد بأي شيء تهددني ؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي ناديا ، فأنزل الله : (
فليدع ناديه سندع الزبانية ) قال
ابن عباس : لو دعا ناديه ، أخذته زبانية العذاب من ساعته .
[ ص: 526 ]
حدثني
إسحاق بن شاهين ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15800خالد بن عبد الله ، عن
داود ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ، فجاءه
أبو جهل فنهاه أن يصلي ، فأنزل الله : (
أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ) . . . إلى قوله : (
كاذبة خاطئة ) فقال : لقد علم أني أكثر هذا الوادي ناديا ، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم ، فتكلم بشيء ، قال
داود : ولم أحفظه ، فأنزل الله : (
فليدع ناديه سندع الزبانية ) فقال
ابن عباس : فوالله لو فعل لأخذته الملائكة من مكانه .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن أبيه ، قال : ثنا
نعيم بن أبي هند ، عن
أبي حازم ، nindex.php?page=hadith&LINKID=811183عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال : قال أبو جهل : هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ قال : فقيل نعم ، قال : فقال : واللات والعزى لئن رأيته يصلي كذلك ، لأطأن على رقبته ، لأعفرن وجهه في التراب ، قال : فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته ، قال : فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ، ويتقي بيديه ; قال : فقيل له : ما لك ؟ قال : فقال : إن بيني وبينه خندقا من نار ، وهولا وأجنحة ; قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا " قال : وأنزل الله ، لا أدري في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أم لا (
كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى إن إلى ربك الرجعى أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى أرأيت إن كذب وتولى ) يعني
أبا جهل (
ألم يعلم بأن الله يرى كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه ) يدعو قومه (
سندع الزبانية ) الملائكة (
كلا لا تطعه واسجد واقترب ) .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح ، قال : أخبرنا
يونس بن أبي إسحاق ، عن
الوليد بن العيزار ، عن
ابن عباس ، قال : قال
أبو جهل : لئن عاد
محمد يصلي عند المقام لأقتلنه ، فأنزل الله : (
اقرأ باسم ربك ) حتى بلغ هذه الآية : (
لنسفعن بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه سندع الزبانية ) ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ، فقيل له : ما يمنعك ؟ قال : " قد اسود ما بيني وبينه من الكتائب " . . . قال
ابن عباس : والله لو تحرك لأخذته الملائكة والناس ينظرون إليه .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
زكريا بن عدي ، قال : ثنا
عبيد الله بن عمرو ، عن
عبد الكريم ، عن
عكرمة ، nindex.php?page=hadith&LINKID=811184عن ابن عباس ، قال : قال أبو جهل : لئن رأيت [ ص: 527 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة ، لآتينه حتى أطأ على عنقه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو فعل لأخذته الملائكة عيانا " .
وبالذي قلنا في معنى النادي قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن مسعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس في قوله : (
فليدع ناديه ) يقول : فليدع ناصره .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
سندع الزبانية ) قال : الملائكة .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
أبي سنان ، عن
عبد الله بن أبي الهذيل : الزبانية أرجلهم في الأرض ، ورءوسهم في السماء .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر nindex.php?page=hadith&LINKID=811185عن قتادة ، في قوله : ( سندع الزبانية ) قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لو فعل أبو جهل لأخذته الزبانية الملائكة عيانا " .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
سندع الزبانية ) قال : الملائكة .
حدثت عن
الحسين ، قال : سمعت
أبا معاذ يقول : ثنا
عبيد ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : الزبانية ، قال : الملائكة .
وقوله : ( كلا ) يقول تعالى ذكره : ليس الأمر كما يقول
أبو جهل ، إذ ينهى
محمدا عن عبادة ربه ، والصلاة له ( لا تطعه ) يقول جل ثناؤه لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : لا تطع
أبا جهل فيما أمرك به من ترك الصلاة لربك ( واسجد ) لربك ( واقترب ) منه ، بالتحبب إليه بطاعته ؛ فإن
أبا جهل لن يقدر على ضرك ، ونحن نمنعك منه .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، nindex.php?page=hadith&LINKID=812687عن قتادة ( كلا لا تطعه واسجد واقترب ) ذكر لنا أنها نزلت في أبي جهل ، قال : لئن رأيت محمدا يصلي لأطأن عنقه ، فأنزل الله : ( كلا لا تطعه واسجد واقترب ) قال نبي الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه الذي قال أبو جهل ، قال : " لو فعل لاختطفته الزبانية " .
آخر تفسير سورة اقرأ باسم ربك ، والحمد لله وحده .