[ ص: 570 ] [ ص: 571 ] [ ص: 572 ] [ ص: 573 ] بسم الله الرحمن الرحيم
القول في
تأويل قوله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه : ( القارعة ( 1 )
ما القارعة ( 2 )
وما أدراك ما القارعة ( 3 )
يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ( 4 )
وتكون الجبال كالعهن المنفوش ( 5 )
فأما من ثقلت موازينه ( 6 )
فهو في عيشة راضية ( 7 )
وأما من خفت موازينه ( 8 )
فأمه هاوية ( 9 )
وما أدراك ما هيه ( 10 )
نار حامية ( 11 ) ) .
يقول تعالى ذكره : (
القارعة ) : الساعة التي يقرع قلوب الناس هولها ، وعظيم ما ينزل بهم من البلاء عندها ، وذلك صبيحة لا ليل بعدها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي ، قال :
ثنا أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، في قوله : (
القارعة ) من
أسماء يوم القيامة ، عظمه الله وحذره عباده .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، في قوله (
القارعة ما القارعة ) قال : هي الساعة .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
القارعة ما القارعة ) قال : هي الساعة .
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، قال : سمعت أن القارعة والواقعة والحاقة : القيامة .
وقوله : (
ما القارعة ) يقول تعالى ذكره معظما شأن القيامة والساعة التي يقرع
[ ص: 574 ] العباد هولها ؛ أي شيء القارعة ، يعني بذلك : أي شيء الساعة التي يقرع الخلق هولها ؛ أي : ما أعظمها وأفظعها وأهولها .
وقوله : (
وما أدراك ما القارعة ) يقول تعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : وما أشعرك يا
محمد أي شيء القارعة .
وقوله : (
يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ) يقول تعالى ذكره : القارعة يوم يكون الناس كالفراش ، وهو الذي يتساقط في النار والسراج ، ليس ببعوض ولا ذباب ، ويعني بالمبثوث : المفرق .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ) هذا الفراش الذي رأيتم يتهافت في النار .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ) قال : هذا شبه شبهه الله ، وكان بعض أهل العربية يقول : معنى ذلك : كغوغاء الجراد ، يركب بعضه بعضا ، كذلك الناس يومئذ ، يجول بعضهم في بعض .
وقوله : (
وتكون الجبال كالعهن المنفوش ) يقول تعالى ذكره : ويوم تكون الجبال كالصوف المنفوش ; والعهن : هو الألوان من الصوف .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن
قتادة ، في قوله : (
وتكون الجبال كالعهن المنفوش ) قال : الصوف المنفوش .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، قال : هو الصوف . وذكر أن الجبال تسير على الأرض وهي في صورة الجبال كالهباء .
وقوله : (
فأما من ثقلت موازينه ) يقول : فأما من ثقلت موازين حسناته ، يعني بالموازين : الوزن ، والعرب تقول : لك عندي درهم بميزان درهمك ، ووزن درهمك ، ويقولون : داري بميزان دارك ووزن دارك ، يراد : حذاء دارك . قال الشاعر :
[ ص: 575 ] قد كنت قبل لقائكم ذا مرة عندي لكل مخاصم ميزانه
يعني بقوله : لكل مخاصم ميزانه : كلامه ، وما ينقض عليه حجته . وكان
مجاهد يقول : ليس ميزان ، إنما هو مثل ضرب .
حدثنا بذلك
أبو كريب ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
سفيان ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
فهو في عيشة راضية ) يقول : في عيشة قد رضيها في الجنة .
كما حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
فهو في عيشة راضية ) يعني : في الجنة .
وقوله : (
وأما من خفت موازينه فأمه هاوية ) يقول : وأما من خف وزن حسناته ، فمأواه ومسكنه الهاوية التي يهوي فيها على رأسه في جهنم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
وأما من خفت موازينه فأمه هاوية ) وهي النار هي مأواهم .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة (
فأمه هاوية ) قال : مصيره إلى النار ، هي الهاوية . قال
قتادة : هي كلمة عربية ، كان الرجل إذا وقع في أمر شديد ، قال : هوت أمه .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
الأشعث بن عبد الله الأعمى ، قال : إذا مات المؤمن ذهب بروحه إلى أرواح المؤمنين ، فيقولون : روحوا أخاكم ، فإنه كان في غم الدنيا ; قال : ويسألونه ما فعل فلان ؟ فيقول : مات ، أو ما جاءكم ؟ فيقولون : ذهبوا به إلى أمه الهاوية .
حدثني
إسماعيل بن سيف العجلي ، قال : ثنا
علي بن مسهر ، قال : ثنا
إسماعيل ، عن
أبي صالح ، في قوله (
فأمه هاوية ) قال : يهوون في النار على رءوسهم .
[ ص: 576 ]
حدثنا
ابن سيف ، قال : ثنا
محمد بن سوار ، عن
سعيد ، عن
قتادة (
فأمه هاوية ) قال : يهوي في النار على رأسه .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
فأمه هاوية ) قال : الهاوية : النار ، هي أمه ومأواه التي يرجع إليها ، ويأوي إليها ، وقرأ : (
ومأواهم النار ) .
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس (
فأمه هاوية ) وهو مثلها ، وإنما جعل النار أمه ، لأنها صارت مأواه ، كما تؤوي المرأة ابنها ، فجعلها إذ لم يكن له مأوى غيرها بمنزلة أم له .
وقوله : (
وما أدراك ما هيه ) يقول جل ثناؤه لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : وما أشعرك يا
محمد ما الهاوية ، ثم بين ما هي ، فقال : (
نار حامية ) ، يعني بالحامية : التي قد حميت من الوقود عليها .
آخر تفسير سورة القارعة .