القول في
تأويل قوله تعالى ( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله ذلك . فقال بعضهم : معنى ذلك : ليس البر الصلاة وحدها ، ولكن البر الخصال التي أبينها لكم .
2513 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن
ابن عباس قوله : "
ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل [ ص: 337 ] المشرق والمغرب " ، يعني : الصلاة . يقول : ليس البر أن تصلوا ولا تعملوا ، فهذا منذ تحول من
مكة إلى
المدينة ونزلت الفرائض ، وحد الحدود ، فأمر الله بالفرائض والعمل بها .
2514 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد : " ليس
البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " ، ولكن البر ما ثبت في القلوب من طاعة الله .
2515 - حدثني
القاسم قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد مثله .
2516 - حدثني
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
ابن عباس قال : هذه الآية نزلت
بالمدينة : "
ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " ، يعني : الصلاة . يقول : ليس البر أن تصلوا ولا تعملوا غير ذلك . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج وقال
مجاهد : "
ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " ، يعني السجود ، ولكن البر ما ثبت في القلب من طاعة الله .
2517 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثنا
أبو تميلة عن
عبيد بن سليمان عن
الضحاك بن مزاحم أنه قال فيها ، قال يقول : ليس البر أن تصلوا ولا تعملوا غير ذلك . وهذا حين تحول من مكة إلى المدينة ، فأنزل الله الفرائض وحد الحدود بالمدينة ، وأمر بالفرائض أن يؤخذ بها .
وقال آخرون : عنى الله بذلك
اليهود والنصارى . وذلك أن
اليهود تصلي فتوجه قبل المغرب
والنصارى تصلي فتوجه قبل
المشرق ، فأنزل الله فيهم هذه الآية ، يخبرهم فيها أن البر غير العمل الذي يعملونه ، ولكنه ما بيناه في هذه الآية
ذكر من قال ذلك :
[ ص: 338 ]
2518 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر عن
قتادة قال : كانت
اليهود تصلي قبل المغرب
والنصارى تصلي قبل المشرق ، فنزلت : "
ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " .
2519 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : "
ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر " ، ذكر لنا أن رجلا سأل نبي الله صلى الله عليه وسلم عن البر فأنزل الله هذه الآية . وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم دعا الرجل فتلاها عليه . وقد كان الرجل قبل الفرائض إذا شهد أن لا إله إلا الله وأن
محمدا عبده ورسوله ثم مات على ذلك يرجى له ويطمع له في خير ، فأنزل الله : "
ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " . وكانت
اليهود توجهت قبل المغرب
والنصارى قبل المشرق - "
ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر " الآية .
2520 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن
الربيع بن أنس قال : كانت
اليهود تصلي قبل المغرب
والنصارى قبل المشرق ، فنزلت : "
ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " .
قال
أبو جعفر : وأولى هذين القولين بتأويل الآية ، القول الذي قاله
قتادة nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس : أن يكون عنى بقوله : "
ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب "
اليهود والنصارى . لأن الآيات قبلها مضت بتوبيخهم ولومهم ، والخبر عنهم وعما أعد لهم من أليم العذاب . وهذا في سياق ما قبلها ، إذ كان الأمر كذلك ، - " ليس البر " ، - أيها
اليهود والنصارى أن يولي بعضكم وجهه قبل المشرق وبعضكم قبل المغرب ، "
ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب " الآية .
[ ص: 339 ]
فإن قال قائل : فكيف قيل : "
ولكن البر من آمن بالله " ، وقد علمت أن " البر " فعل ، و"من" اسم ، فكيف يكون الفعل هو الإنسان؟
قيل : إن معنى ذلك غير ما توهمته ، وإنما معناه : ولكن البر بر من آمن بالله واليوم الآخر ، فوضع " من " موضع الفعل ، اكتفاء بدلالته ، ودلالة صلته التي هي له صفة ، من الفعل المحذوف ، كما تفعله العرب ، فتضع الأسماء مواضع أفعالها التي هي بها مشهورة ، فتقول : " الجود حاتم ، والشجاعة عنترة " ، و" إنما الجود حاتم والشجاعة عنترة " ، ومعناها : الجود جود حاتم فتستغني بذكر " حاتم " إذ كان معروفا بالجود ، من إعادة ذكر " الجود " بعد الذي قد ذكرته ، فتضعه موضع " جوده " ، لدلالة الكلام على ما حذفته ، استغناء بما ذكرته عما لم تذكره . كما قيل : (
واسأل القرية التي كنا فيها ) [ سورة يوسف : 82 ] والمعنى : أهل القرية ، وكما قال الشاعر ، وهو
ذو الخرق الطهوي :
حسبت بغام راحلتي عناقا! وما هي ويب غيرك بالعناق
يريد : بغام عناق ، أو صوت [ عناق ] ، كما يقال : " حسبت صياحي أخاك " ، يعني به : حسبت صياحي صياح أخيك .
وقد يجوز أن يكون معنى الكلام : ولكن البار من آمن بالله ، فيكون " البر " مصدرا وضع موضع الاسم .