[ ص: 707 ] [ ص: 708 ] [ ص: 709 ] بسم الله الرحمن الرحيم
القول في
تأويل قوله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه : ( قل أعوذ برب الناس ( 1 )
ملك الناس ( 2 )
إله الناس ( 3 )
من شر الوسواس الخناس ( 4 )
الذي يوسوس في صدور الناس ( 5 )
من الجنة والناس ( 6 ) ) .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا
محمد أستجير (
برب الناس ملك الناس ) وهو ملك جميع الخلق : إنسهم وجنهم ، وغير ذلك ، إعلاما منه بذلك من كان يعظم الناس تعظيم المؤمنين ربهم أنه ملك من يعظمه ، وأن ذلك في ملكه وسلطانه ، تجري عليه قدرته ، وأنه أولى بالتعظيم ، وأحق بالتعبد له ممن يعظمه ، ويتعبد له ، من غيره من الناس .
وقوله : (
إله الناس ) يقول : معبود الناس ، الذي له العبادة دون كل شيء سواه .
وقوله : (
من شر الوسواس ) يعني : من شر الشيطان ( الخناس ) الذي يخنس مرة ويوسوس أخرى ، وإنما يخنس فيما ذكر عند ذكر العبد ربه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أبو كريب ، قال : ثنا
يحيى بن عيسى ، عن
سفيان ، عن
حكيم بن جبير ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس ، قال : ما من مولود إلا على قلبه الوسواس ، فإذا عقل فذكر الله خنس ، وإذا غفل وسوس ، قال : فذلك قوله : (
الوسواس الخناس ) .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
جرير ، عن
منصور ، عن
سفيان ، عن
ابن عباس ، في قوله (
الوسواس الخناس ) قال : الشيطان جاثم على قلب ابن
آدم ، فإذا سها
[ ص: 710 ] وغفل وسوس ، وإذا ذكر الله خنس .
قال : ثنا
مهران ، عن
عثمان بن الأسود ، عن
مجاهد (
الوسواس الخناس ) قال : ينبسط فإذا ذكر الله خنس وانقبض ، فإذا غفل انبسط .
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى; وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قوله (
الوسواس الخناس ) قال : الشيطان يكون على قلب الإنسان ، فإذا ذكر الله خنس .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ( الوسواس ) قال : قال هو الشيطان ، وهو الخناس أيضا ، إذا ذكر العبد ربه خنس ، وهو يوسوس ويخنس .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة (
من شر الوسواس الخناس ) يعني : الشيطان ، يوسوس في صدر ابن آدم ، ويخنس إذا ذكر الله .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن أبيه ، قال : ذكر لي أن الشيطان - أو قال الوسواس - ينفث في قلب الإنسان عند الحزن وعند الفرح ، وإذا ذكر الله خنس .
حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد ، في قوله : ( الخناس ) قال : الخناس الذي يوسوس مرة ، ويخنس مرة من الجن والإنس ، وكان يقال : شيطان الإنس أشد على الناس من شيطان الجن ، شيطان الجن يوسوس ولا تراه ، وهذا يعاينك معاينة .
وروي عن
ابن عباس رضى الله عنه أنه كان يقول في ذلك (
من شر الوسواس ) الذي يوسوس بالدعاء إلى طاعته في صدور الناس ، حتى يستجاب له إلى ما دعا إليه من طاعته ، فإذا استجيب له إلى ذلك خنس .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، في قوله ( الوسواس ) قال : هو الشيطان يأمره ، فإذا أطيع خنس .
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الله أمر نبيه
محمدا صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ به من شر شيطان يوسوس مرة ويخنس أخرى ، ولم يخص وسوسته على نوع من أنواعها ، ولا خنوسه على وجه دون وجه ، وقد يوسوس بالدعاء إلى معصية الله ،
[ ص: 711 ] فإذا أطيع فيها خنس ، وقد يوسوس بالنهي عن طاعة الله فإذا ذكر العبد أمر ربه فأطاعه فيه ، وعصى الشيطان خنس ، فهو في كل حالتيه وسواس خناس ، وهذه الصفة صفته .
وقوله : (
الذي يوسوس في صدور الناس ) يعني بذلك : الشيطان الوسواس ، الذي يوسوس في صدور الناس : جنهم وإنسهم .
فإن قال قائل : فالجن ناس ، فيقال : الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس . قيل : قد سماهم الله في هذا الموضع ناسا ، كما سماهم في موضع آخر رجالا فقال : (
وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن ) فجعل الجن رجالا وكذلك جعل منهم ناسا .
وقد ذكر عن بعض العرب أنه قال وهو يحدث ، إذ جاء قوم من الجن فوقفوا ، فقيل : من أنتم ؟ فقالوا : ناس من الجن ، فجعل منهم ناسا ، فكذلك ما في التنزيل من ذلك .
آخر كتاب التفسير ، والحمد لله العلي الكبير .