القول في
تأويل قوله تعالى ( فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .
فقال بعضهم : تأويله : فمن ترك له من القتل ظلما ، من الواجب كان لأخيه عليه من القصاص - وهو الشيء الذي قال الله : "
فمن عفي له من أخيه شيء " - فاتباع من العافي للقاتل بالواجب له قبله من الدية ، وأداء من المعفو عنه ذلك إليه بإحسان .
ذكر من قال ذلك :
[ ص: 367 ]
2573 - حدثنا
أبو كريب وأحمد بن حماد الدولابي قالا حدثنا
سفيان بن عيينة ، عن
عمرو عن
مجاهد عن
ابن عباس : "
فمن عفي له من أخيه شيء " ، فالعفو : أن يقبل الدية في العمد . واتباع بالمعروف : أن يطلب هذا بمعروف ، ويؤدي هذا بإحسان .
2574 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
حجاج بن المنهال قال : حدثنا
حماد بن سلمة قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار ، عن
جابر بن زيد عن
ابن عباس أنه قال في قوله : "
فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " ، فقال : هو العمد ، يرضى أهله بالدية ، واتباع بالمعروف : أمر به الطالب ، وأداء إليه بإحسان من المطلوب .
2575 - حدثنا
محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال : حدثنا أبي - وحدثني
المثنى قال : حدثنا
سويد بن نصر - قالا جميعا ، أخبرنا
ابن المبارك ، عن
محمد بن مسلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار ، عن
مجاهد عن
ابن عباس قال : الذي يقبل الدية ، ذلك منه عفو واتباع بالمعروف ، ويؤدي إليه الذي عفي له من أخيه بإحسان .
2576 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن
ابن عباس قوله : "
فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " ، وهي الدية : أن يحسن الطالب الطلب ، وأداء إليه بإحسان : وهو أن يحسن المطلوب الأداء .
2577 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف [ ص: 368 ] وأداء إليه بإحسان " ، والعفو : الذي يعفو عن الدم ويأخذ الدية .
2578 - حدثنا
سفيان قال : حدثنا أبي ، عن
سفيان ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : "
فمن عفي له من أخيه شيء " قال : الدية .
2579 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
يزيد ، عن
إبراهيم عن
الحسن : "
وأداء إليه بإحسان " قال : على هذا الطالب أن يطلب بالمعروف ، وعلى هذا المطلوب أن يؤدي بإحسان .
2580 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف " ، والعفو : الذي يعفو عن الدم ، ويأخذ الدية .
2581 - حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال : حدثنا
أبو الوليد قال : حدثنا
حماد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند عن
الشعبي في قوله : "
فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " قال : هو العمد ، يرضى أهله بالدية .
2582 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
الحجاج قال : حدثنا
حماد ، عن
داود عن
الشعبي مثله .
2583 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد عن
قتادة قوله : "
فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " ، يقول : قتل عمدا فعفي عنه ، وقبلت منه الدية . يقول : "
فاتباع بالمعروف " ، فأمر المتبع أن يتبع بالمعروف ، وأمر المؤدي أن يؤدي بإحسان ، والعمد قود إليه قصاص ، لا عقل فيه ، إلا أن يرضوا بالدية . فإن رضوا بالدية ، فمائة خلفة . فإن قالوا : لا نرضى إلا بكذا وكذا . فذاك لهم .
[ ص: 369 ]
2584 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر عن
قتادة في قوله : "
فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " قال : يتبع به الطالب بالمعروف ، ويؤدي المطلوب بإحسان .
2585 - حدثت عن
عمار قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن
الربيع في قوله : "
فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " ، يقول : فمن قتل عمدا فعفي عنه ، وأخذت منه الدية ، يقول : "
فاتباع بالمعروف " ، أمر صاحب الدية التي يأخذها أن يتبع بالمعروف ، وأمر المؤدي أن يؤدي بإحسان .
2586 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : قلت
لعطاء : قوله : "
فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " قال : ذلك إذا أخذ الدية ، فهو عفو .
2587 - حدثنا
الحسن قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : أخبرني
القاسم بن أبي بزة عن
مجاهد قال : إذا قبل الدية فقد عفا عن القصاص ، فذلك قوله : "
فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : وأخبرني الأعرج ، عن
مجاهد مثل ذلك ، وزاد فيه : - فإذا قبل الدية فإن عليه أن يتبع بالمعروف ، وعلى الذي عفي عنه أن يؤدي بإحسان .
2588 - حدثنا
المثنى قال : حدثنا
مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا
أبو عقيل قال : قال
الحسن : أخذ الدية عفو حسن .
2589 - حدثنا
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد : "
وأداء إليه بإحسان " قال : أنت أيها المعفو عنه .
2590 - حدثني
محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن
ابن عباس قوله : "
فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع [ ص: 370 ] بالمعروف وأداء إليه بإحسان " ، وهو الدية ، أن يحسن الطالب ، وأداء إليه بإحسان : هو أن يحسن المطلوب الأداء .
وقال آخرون معنى قوله : "
فمن عفي " ، فمن فضل له فضل ، وبقيت له بقية . وقالوا : معنى قوله : "
من أخيه شيء " : من دية أخيه شيء ، أو من أرش جراحته ، فاتباع منه القاتل أو الجارح الذي بقي ذلك قبله - بمعروف ، وأداء من القاتل أو الجارح إليه ما بقي قبله له من ذلك بإحسان .
وهذا قول من زعم أن الآية نزلت - أعني قوله : "
يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى " - في الذين تحاربوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلح بينهم ، فيقاص ديات بعضهم من بعض ، ويرد بعضهم على بعض بفضل إن بقي لهم قبل الآخرين . وأحسب أن قائلي هذا القول وجهوا تأويل " العفو " - في هذا الموضع - إلى : الكثرة من قول الله تعالى ذكره : (
حتى عفوا ) [ سورة الأعراف : 95 ] . فكأن معنى الكلام عندهم : فمن كثر له قبل أخيه القاتل .
ذكر من قال ذلك :
2591 - حدثني
موسى بن هارون قال : حدثنا
عمرو بن حماد قال : حدثنا
أسباط عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
فمن عفي له من أخيه شيء " ، يقول : بقي له من دية أخيه شيء أو من أرش جراحته ، فليتبع بمعروف ، وليؤد الآخر إليه بإحسان .
والواجب على تأويل القول الذي روينا عن علي
والحسن - في قوله : "
كتب عليكم القصاص " أنه بمعنى : مقاصة دية النفس الذكر من دية نفس الأنثى ، والعبد من الحر ، والتراجع بفضل ما بين ديتي أنفسهما - أن يكون معنى قوله :
[ ص: 371 ] "
فمن عفي له من أخيه شيء " ، فمن عفي له من الواجب لأخيه عليه - من قصاص دية أحدهما بدية نفس الآخر ، إلى الرضى بدية نفس المقتول ، فاتباع من الولي بالمعروف ، وأداء من القاتل إليه ذلك بإحسان .
قال
أبو جعفر : وأولى الأقوال عندي بالصواب في قوله
فمن عفي له من أخيه شيء " : فمن صفح له - من الواجب كان لأخيه عليه من القود - عن شيء من الواجب ، على دية يأخذها منه ، فاتباع بالمعروف من العافي عن الدم ، الراضي بالدية من دم وليه وأداء إليه - من القاتل - ذلك بإحسان . لما قد بينا من العلل فيما مضى قبل : من أن معنى قول الله تعالى ذكره : "
كتب عليكم القصاص " ، إنما هو القصاص من النفوس القاتلة أو الجارحة أو الشاجة عمدا . كذلك " العفو " أيضا عن ذلك .
وأما معنى قوله : "
فاتباع بالمعروف " ، فإنه يعني : فاتباع على ما أوجبه الله له من الحق قبل قاتل وليه ، من غير أن يزداد عليه ما ليس له عليه - في أسنان الفرائض أو غير ذلك - أو يكلفه ما لم يوجبه الله له عليه ، كما : -
2592 - حدثني
بشر بن معاذ قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قال : بلغنا عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "
من زاد أو ازداد بعيرا " - يعني في إبل الديات وفرائضها - فمن أمر الجاهلية .
وأما إحسان الآخر في الأداء ، فهو أداء ما لزمه بقتله لولي القتيل ، على
[ ص: 372 ] ما ألزمه الله وأوجبه عليه ، من غير أن يبخسه حقا له قبله بسبب ذلك ، أو يحوجه إلى اقتضاء ومطالبة .
فإن قال لنا قائل : وكيف قيل : "
فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان " ، ولم يقل فاتباعا بالمعروف وأداء إليه بإحسان ، كما قال : (
فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ) [ سورة محمد : 4 ] ؟ قيل : لو كان التنزيل جاء بالنصب ، وكان : فاتباعا بالمعروف وأداء إليه بإحسان - كان جائزا في العربية صحيحا ، على وجه الأمر ، كما يقال : " ضربا ضربا وإذا لقيت فلانا فتبجيلا وتعظيما " ، غير أنه جاء رفعا ، وهو أفصح في كلام العرب من نصبه . وكذلك ذلك في كل ما كان نظيرا له ، مما يكون فرضا عاما - فيمن قد فعل ، وفيمن لم يفعل إذا فعل - لا ندبا وحثا . ورفعه على معنى : فمن عفي له من أخيه شيء ، فالأمر فيه : اتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ، أو فالقضاء والحكم فيه : اتباع بالمعروف .
وقد قال بعض أهل العربية : رفع ذلك على معنى : فمن عفي له من أخيه شيء ، فعليه اتباع بالمعروف . وهذا مذهب ، والأول الذي قلناه هو وجه الكلام . وكذلك كل ما كان من نظائر ذلك في القرآن ، فإن رفعه على الوجه الذي قلناه . وذلك مثل قوله : (
ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم ) [ سورة المائدة : 95 ] ، وقوله : (
فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) [ سورة البقرة : 229 ] . وأما قوله : (
فضرب الرقاب ) ، فإن الصواب فيه النصب ، وهو وجه الكلام ، لأنه على وجه الحث من الله تعالى ذكره عباده على القتل عند لقاء العدو ، كما يقال : " إذا لقيتم العدو فتكبيرا وتهليلا " ، على وجه الحض على التكبير ، لا على وجه الإيجاب والإلزام .