القول في
تأويل قوله تعالى ( فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ( 178 ) )
قال
أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "
فمن اعتدى بعد ذلك " ، فمن تجاوز ما جعله الله له بعد أخذه الدية ، اعتداء وظلما إلى ما لم يجعل له من قتل قاتل وليه وسفك دمه ، فله بفعله ذلك وتعديه إلى ما قد حرمته عليه ، عذاب أليم .
[ ص: 376 ]
وقد بينت معنى " الاعتداء " فيما مضى بما أغنى عن إعادته . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
2601 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : "
فمن اعتدى بعد ذلك " ، فقتل ، " فله عذاب أليم " .
2602 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : " فمن اعتدى " ، بعد أخذ الدية ، " فله عذاب أليم " .
2603 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع ، عن
سعيد ، عن
قتادة قوله
فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم " ، يقول : فمن اعتدى بعد أخذه الدية فقتل ، فله عذاب أليم . قال : وذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501591لا أعافي رجلا قتل بعد أخذه الدية .
[ ص: 377 ]
2604 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر عن
قتادة في قوله : "
فمن اعتدى بعد ذلك " قال : هو القتل بعد أخذ الدية . يقول : من قتل بعد أن يأخذ الدية فعليه القتل ، لا تقبل منه الدية .
2605 - حدثت عن
عمار بن الحسن قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن
الربيع قوله : "
فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم " ، يقول : فمن اعتدى بعد أخذه الدية ، فله عذاب أليم .
2606 - حدثنا
سفيان بن وكيع قال : حدثني أبي ، عن
يزيد بن إبراهيم عن
الحسن قال : كان الرجل إذا قتل قتيلا في الجاهلية فر إلى قومه ، فيجيء قومه فيصالحون عنه بالدية قال : فيخرج الفار وقد أمن على نفسه قال : فيقتل ثم يرمى إليه بالدية ، فذلك " الاعتداء " .
2607 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا
أبو عقيل قال : سمعت
الحسن في هذه الآية : " فمن عفي له من دم أخيه شيء " قال : القاتل إذا طلب فلم يقدر عليه ، وأخذ من أوليائه الدية ، ثم أمن ، فأخذ فقتل . قال
الحسن : ما أكل عدوان .
2608 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
مسلم قال : حدثنا
القاسم قال : حدثنا
هارون بن سليمان قال : قلت
لعكرمة :
من قتل بعد أخذه الدية؟ قال : إذا يقتل! أما سمعت الله يقول : "
فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم " ؟
2609 - حدثني
موسى بن هارون قال : حدثنا
عمرو قال : حدثنا
أسباط [ ص: 378 ] عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
فمن اعتدى بعد ذلك " ، بعد ما يأخذ الدية ، فيقتل " فلا عذاب أليم " .
2610 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثنى أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس : "
فمن اعتدى بعد ذلك " ، يقول : فمن اعتدى بعد أخذه الدية ، فله عذاب أليم .
2611 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : "
فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم " قال : أخذ العقل ، ثم قتل بعد أخذ العقل قاتل قتيله ، فله عذاب أليم .
واختلفوا في معنى " العذاب الأليم " الذي جعله الله لمن اعتدى بعد أخذه الدية من قاتل وليه .
فقال بعضهم : ذلك " العذاب " هو القتل بمن قتله بعد أخذ الدية منه ، وعفوه عن القصاص منه بدم وليه .
ذكر من قال ذلك :
2612 - حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=14302يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال : حدثنا
هشيم قال : أخبرنا
جويبر ، عن
الضحاك في قوله : "
فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم " قال : يقتل ، وهو العذاب الأليم يقول : العذاب الموجع .
2613 - حدثني
يعقوب قال : حدثني
هشيم قال : حدثنا
أبو إسحاق عن
سعيد بن جبير أنه قال ذلك .
2614 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا
القاسم قال : حدثنا
هارون بن سليمان ، عن
عكرمة : "
فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم " قال : القتل .
وقال بعضهم : ذلك " العذاب " عقوبة يعاقبه بها السلطان على قدر ما يرى من عقوبته .
[ ص: 379 ]
ذكر من قال ذلك :
2615 - حدثني
القاسم بن الحسن قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج أخبرني
إسماعيل بن أمية عن
الليث غير أنه لم ينسبه ، وقال : ثقة : أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب بقسم أو غيره أن لا يعفى عن رجل عفا عن الدم وأخذ الدية ، ثم عدا فقتل ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : وأخبرني
عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال : في كتاب
لعمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : و" الاعتداء " الذي ذكر الله : أن الرجل يأخذ العقل أو يقتص ، أو يقضي السلطان فيما بين الجراح ، ثم يعتدي بعضهم من بعد أن يستوعب حقه . فمن فعل ذلك فقد اعتدى ، والحكم فيه إلى السلطان بالذي يرى فيه من العقوبة قال : ولو عفا عنه ، لم يكن لأحد من طلبة الحق أن [ يعفو ] لأن هذا من الأمر الذي أنزل الله فيه قوله : (
فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) [ سورة النساء : 59 ] .
2616 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
عبد الواحد بن زياد عن
يونس [ ص: 380 ] عن
الحسن : في رجل قتل فأخذت منه الدية ، ثم إن وليه قتل به القاتل . قال
الحسن : تؤخذ منه الدية التي أخذ ، ولا يقتل به .
قال
أبو جعفر : وأولى التأويلين بقوله : "
فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم " ، تأويل من قال : فمن اعتدى بعد أخذه الدية ، فقتل قاتل وليه ، فله عذاب أليم في عاجل الدنيا ، وهو القتل . لأن الله تعالى جعل لكل ولي قتيل قتل ظلما سلطانا على قاتل وليه ، فقال تعالى ذكره (
ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل ) [ سورة الإسراء : 33 ] . فإذ كان ذلك كذلك : وكان الجميع من أهل العلم مجمعين على أن من قتل قاتل وليه بعد عفوه عنه وأخذه منه دية قتيله أنه بقتله إياه له ظالم في قتله - كان بينا أن لا يولي من قتله ظلما كذلك ، السلطان عليه في القصاص والعفو وأخذ الدية ، أي ذلك شاء . وإذا كان ذلك كذلك ، كان معلوما أن ذلك عذابه ، لأن من أقيم عليه حده في الدنيا ، كان ذلك عقوبته من ذنبه ، ولم يكن به متبعا في الآخرة ، على ما قد ثبت به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 381 ]
وأما ما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : من أن حكم من قتل قاتل وليه بعد عفوه عنه ، وأخذه دية وليه المقتول - إلى الإمام دون أولياء المقتول ، فقول خلاف لما دل عليه ظاهر كتاب الله ، وأجمع عليه علماء الأمة . وذلك أن الله جعل لولي كل مقتول ظلما السلطان دون غيره ، من غير أن يخص من ذلك قتيلا دون قتيل . فسواء كان ذلك قتيل ولي من قتله أو غيره . ومن خص من ذلك شيئا سئل البرهان عليه من أصل أو نظير ، وعكس عليه القول فيه ، ثم لن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله . ثم في إجماع الحجة على خلاف ما قاله في ذلك ، مكتفى في الاستشهاد على فساده بغيره .