[ ص: 409 ] القول في
تأويل قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ( 183 ) )
قال
أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " يا أيها الذين آمنوا " ، يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله وصدقوا بهما وأقروا .
ويعني بقوله : "
كتب عليكم الصيام " ، فرض عليكم الصيام .
و" الصيام " مصدر ، من قول القائل : " صمت عن كذا وكذا " - يعني : كففت عنه - " أصوم عنه صوما وصياما " . ومعنى " الصيام " ، الكف عما أمر الله بالكف عنه . ومن ذلك قيل : " صامت الخيل " ، إذا كفت عن السير ، ومنه قول
نابغة بني ذبيان :
خيل صيام ، وخيل غير صائمة تحت العجاج ، وأخرى تعلك اللجما
ومنه قول الله تعالى ذكره : (
إني نذرت للرحمن صوما ) [ سورة مريم : 26 ] يعني : صمتا عن الكلام .
وقوله : "
كما كتب على الذين من قبلكم " ، يعني فرض عليكم مثل الذي فرض على الذين من قبلكم .
[ ص: 410 ]
قال
أبو جعفر : ثم اختلف أهل التأويل في الذين عنى الله بقوله : "
كما كتب على الذين من قبلكم " ، وفي المعنى الذي وقع فيه التشبيه بين
فرض صومنا وصوم الذين من قبلنا .
فقال بعضهم : الذين أخبرنا الله عن الصوم الذي فرضه علينا ، أنه كمثل الذي كان عليهم ، هم النصارى . وقالوا : التشبيه الذي شبه من أجله أحدهما بصاحبه ، هو اتفاقهما في الوقت والمقدار الذي هو لازم لنا اليوم فرضه .
ذكر من قال ذلك :
2720 - حدثت عن
nindex.php?page=showalam&ids=14888يحيى بن زياد عن
محمد بن أبان [ القرشي ] ، عن
أبي أمية الطنافسي عن
الشعبي أنه قال :
لو صمت السنة كلها لأفطرت اليوم الذي يشك فيه ، فيقال : من شعبان ، ويقال : من رمضان . وذلك أن النصارى فرض عليهم شهر رمضان كما فرض علينا فحولوه إلى الفصل . وذلك أنهم كانوا ربما صاموه في القيظ يعدون ثلاثين يوما . ثم جاء بعدهم قرن فأخذوا بالثقة من أنفسهم ، فصاموا قبل الثلاثين يوما وبعدها يوما . ثم لم يزل الآخر يستن سنة القرن الذي قبله حتى صارت إلى خمسين . فذلك قوله : "
كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ،
[ ص: 411 ]
وقال آخرون : بل التشبيه إنما هو من أجل أن صومهم كان من العشاء الآخرة إلى العشاء الآخرة . وذلك كان فرض الله جل ثناؤه على المؤمنين في أول ما افترض عليهم الصوم . ووافق قائلو هذا القول القائلي القول الأول : أن الذين عنى الله جل ثناؤه بقوله : "
كما كتب على الذين من قبلكم " ، النصارى .
ذكر من قال ذلك :
2721 - حدثني
موسى بن هارون قال : حدثنا
عمرو بن حماد قال : حدثنا
أسباط عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، أما الذين من قبلنا : فالنصارى ، كتب عليهم رمضان ، وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم ، ولا ينكحوا النساء شهر رمضان . فاشتد على النصارى صيام رمضان ، وجعل يقلب عليهم في الشتاء والصيف . فلما رأوا ذلك اجتمعوا فجعلوا صياما في الفصل بين الشتاء والصيف ، وقالوا : نزيد عشرين يوما نكفر بها ما صنعنا! فجعلوا صيامهم خمسين . فلم يزل المسلمون على ذلك يصنعون كما تصنع النصارى ، حتى كان من أمر
أبي قيس بن صرمة nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر بن الخطاب ما كان ، فأحل الله لهم الأكل والشرب والجماع إلى طلوع الفجر .
[ ص: 412 ]
2722 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن
الربيع : "
كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، قال : كتب عليهم الصوم من العتمة إلى العتمة .
وقال آخرون : الذين عنى الله جل ثناؤه بقوله : "
كما كتب على الذين من قبلكم " ، أهل الكتاب .
ذكر من قال ذلك :
2723 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد : "
يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، أهل الكتاب .
وقال بعضهم : بل ذلك كان على الناس كلهم .
ذكر من قال ذلك :
2724 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر عن
قتادة في قوله : "
كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، قال : كتب شهر رمضان على الناس ، كما كتب على الذين من قبلهم . قال : وقد كتب الله على الناس قبل أن ينزل رمضان صوم ثلاثة أيام من كل شهر .
2725 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد عن
قتادة قوله : "
يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، رمضان ، كتبه الله على من كان قبلهم .
قال
أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال : معنى الآية :
يا أيها الذين آمنوا فرض عليكم الصيام كما فرض على الذين من قبلكم من أهل الكتاب ، " أياما معدودات " ، وهي شهر رمضان كله . لأن من بعد
إبراهيم [ ص: 413 ] صلى الله عليه وسلم كان مأمورا باتباع
إبراهيم ، وذلك أن الله جل ثناؤه كان جعله للناس إماما ، وقد أخبرنا الله عز وجل أن دينه كان الحنيفية المسلمة ، فأمر نبينا صلى الله عليه وسلم بمثل الذي أمر به من قبله من الأنبياء .
وأما التشبيه ، فإنما وقع على الوقت . وذلك أن من كان قبلنا إنما كان فرض عليهم شهر رمضان ، مثل الذي فرض علينا سواء .
وأما تأويل قوله : " لعلكم تتقون " ، فإنه يعني به : لتتقوا أكل الطعام وشرب الشراب وجماع النساء فيه . يقول : فرضت عليكم الصوم والكف عما تكونون بترك الكف عنه مفطرين ، لتتقوا ما يفطركم في وقت صومكم .
وبمثل الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك :
2726 - حدثني
موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : أما قوله : " لعلكم تتقون " ، يقول : فتتقون من الطعام والشراب والنساء مثل ما اتقوا - يعني : مثل الذي اتقى النصارى قبلكم .