[ ص: 418 ] القول في
تأويل قوله تعالى ( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين )
قال
أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : "
فمن كان منكم مريضا " ، من كان منكم مريضا ، ممن كلف صومه أو كان صحيحا غير مريض وكان على سفر ، "
فعدة من أيام أخر " ، يقول : فعليه صوم عدة الأيام التي أفطرها في مرضه أو في سفره ، "
من أيام أخر " ، يعني : من أيام أخر غير أيام مرضه أو سفره .
والرفع في قوله : "
فعدة من أيام أخر " ، نظير الرفع في قوله : "
فاتباع بالمعروف " . وقد مضى بيان ذلك هنالك بما أغنى عن إعادته .
وأما قوله : "
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، فإن قراءة كافة المسلمين : "
وعلى الذين يطيقونه " ، وعلى ذلك خطوط مصاحفهم . وهي القراءة التي لا يجوز لأحد من أهل الإسلام خلافها ، لنقل جميعهم تصويب ذلك قرنا عن قرن .
وكان
ابن عباس يقرؤها فيما روي عنه : " وعلى الذين يطوقونه " .
ثم اختلف قراء ذلك : "
وعلى الذين يطيقونه " في معناه .
فقال بعضهم : كان ذلك في
أول ما فرض الصوم ، وكان من أطاقه من المقيمين صامه إن شاء ، وإن شاء أفطره وافتدى ، فأطعم لكل يوم أفطره مسكينا ، حتى نسخ ذلك .
ذكر من قال ذلك :
[ ص: 419 ]
2733 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17416يونس بن بكير قال : حدثنا
عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة ، عن
عمرو بن مرة ، عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن
معاذ بن جبل قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501593إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فصام يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر ، ثم إن الله جل وعز فرض شهر رمضان ، فأنزل الله تعالى ذكره : " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام " حتى بلغ " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، فكان من شاء صام ، ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا . ثم إن الله عز وجل أوجب الصيام على الصحيح المقيم ، وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصوم ، فأنزل الله عز وجل : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر " إلى آخر الآية .
2734 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال : حدثنا
محمد بن جعفر عن
شعبة ، عن
عمرو بن مرة ، قال حدثنا أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم عليهم أمرهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر تطوعا غير فريضة . قال : ثم نزل صيام رمضان . قال : وكانوا قوما لم يتعودوا الصيام . قال : وكان يشتد عليهم الصوم . قال : فكان من لم يصم أطعم مسكينا ، ثم نزلت هذه الآية : "
فمن شهد منكم فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " ، فكانت الرخصة للمريض والمسافر ، وأمرنا بالصيام . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قوله : " قال
عمرو : حدثنا أصحابنا " ، يريد
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى . كأن
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى القائل : " حدثنا أصحابنا " .
2735 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : حدثنا
أبو داود قال : حدثنا
شعبة قال : سمعت
عمرو بن مرة قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى فذكر نحوه .
[ ص: 420 ]
2736 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
جرير ، عن
منصور ، عن
إبراهيم عن
علقمة في قوله : "
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : كان من شاء صام ، ومن شاء أفطر وأطعم نصف صاع مسكينا ، فنسخها : "
شهر رمضان " إلى قوله : "
فمن شهد منكم الشهر فليصمه " .
2737 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
جرير ، عن
مغيرة ، عن
إبراهيم بنحوه - وزاد فيه ، قال : فنسختها هذه الآية ، وصارت الآية الأولى للشيخ الذي لا يستطيع الصوم ، يتصدق مكان كل يوم على مسكين نصف صاع .
2738 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح أبو تميلة قال : حدثنا
الحسين ، عن
يزيد النحوي عن
عكرمة والحسن البصري قوله : "
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، فكان من شاء منهم أن يصوم صام ، ومن شاء منهم أن يفتدي بطعام مسكين افتدى وتم له صومه . ثم قال : "
فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ، ثم استثنى من ذلك فقال : "
ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " .
2739 - حدثنا
أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا
ابن إدريس قال : سألت
الأعمش عن قوله : "
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، فحدثنا عن
إبراهيم عن
علقمة . قال : نسختها : "
فمن شهد منكم الشهر فليصمه " .
2740 - حدثنا
عمر بن المثنى قال : حدثنا
عبد الوهاب قال : حدثنا
عبد الله ، عن
نافع ، عن
ابن عمر قال : نسخت هذه الآية - يعني : "
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " - التي بعدها : "
فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان [ ص: 421 ] مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " .
2741 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
ابن إدريس قال : سمعت
الأعمش ، عن
إبراهيم ، عن
علقمة في قوله : "
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : نسختها : "
فمن شهد منكم الشهر فليصمه " .
2742 - حدثنا
الوليد بن شجاع أبو همام قال : حدثنا
علي بن مسهر ، عن
عاصم عن
الشعبي قال : نزلت هذه الآية : "
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، كان الرجل يفطر فيتصدق عن كل يوم على مسكين طعاما ، ثم نزلت هذه الآية : "
فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " ، فلم تنزل الرخصة إلا للمريض والمسافر .
2743 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17259هناد بن السري قال : حدثنا
علي بن مسهر ، عن
عاصم [ ص: 422 ] عن
الشعبي قال : نزلت هذه الآية للناس عامة : "
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، وكان الرجل يفطر ويتصدق بطعامه على مسكين ، ثم نزلت هذه الآية : "
ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " ، قال : فلم تنزل الرخصة إلا للمريض والمسافر .
2744 - حدثنا
هناد قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى قال : دخلت على
عطاء وهو يأكل في شهر رمضان ، فقال : إني شيخ كبير ، إن الصوم نزل ، فكان من شاء صام ، ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا ، حتى نزلت هذه الآية : "
فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " ، فوجب الصوم على كل أحد ، إلا مريض أو مسافر أو شيخ كبير مثلي يفتدي .
2745 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو صالح قال : حدثني
الليث قال : أخبرني
يونس عن
ابن شهاب قال : قال الله : "
يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " ، قال
ابن شهاب : كتب الله الصيام علينا ، فكان من شاء افتدى ممن يطيق الصيام من صحيح أو مريض أو مسافر ، ولم يكن عليه غير ذلك . فلما أوجب الله على من شهد الشهر الصيام ، فمن كان صحيحا يطيقه وضع عنه الفدية ، وكان من كان على سفر أو كان مريضا فعدة من أيام أخر . قال : وبقيت الفدية التي كانت تقبل قبل ذلك للكبير الذي لا يطيق الصيام ، والذي يعرض له العطش أو العلة التي لا يستطيع معها الصيام .
2746 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن
ابن عباس قال : جعل الله في الصوم الأول فدية طعام مسكين ، فمن شاء من مسافر أو مقيم أن يطعم مسكينا ويفطر ، كان ذلك رخصة له . فأنزل الله في الصوم الآخر : "
فعدة من أيام أخر " ، ولم يذكر الله في الصوم الآخر فدية طعام مسكين ، فنسخت الفدية ، وثبت في الصوم الآخر :
[ ص: 423 ] "
يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " ، وهو الإفطار في السفر ، وجعله عدة من أيام أخر .
2747 - حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=15517أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال : أخبرني عمي
nindex.php?page=showalam&ids=16472عبد الله بن وهب قال : أخبرني
عمرو بن الحارث قال :
nindex.php?page=showalam&ids=15562بكير بن عبد الله ، عن
يزيد مولى سلمة بن الأكوع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=119سلمة بن الأكوع أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501594كنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء صام ، ومن شاء أفطر وافتدى بطعام مسكين ، حتى أنزلت : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " .
2748 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
سويد قال : أخبرنا
ابن المبارك ، عن
عاصم الأحول عن
الشعبي في قوله : "
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين "
[ ص: 424 ] قال : كانت للناس كلهم : فلما نزلت : "
فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ، أمروا بالصوم والقضاء ، فقال : "
ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " .
2749 - حدثنا
هناد قال : حدثنا
علي بن مسهر ، عن
الأعمش عن
إبراهيم في قوله : "
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : نسختها الآية التي بعدها :
وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون .
2750 - حدثنا
هناد قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
محمد بن سليمان ، عن
ابن سيرين ، عن
عبيدة : "
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : نسختها الآية التي تليها : "
فمن شهد منكم الشهر فليصمه " .
2751 - حدثت عن
الحسين بن الفرج قال : حدثنا
الفضل بن خالد قال : حدثنا
عبيد بن سليمان عن
الضحاك قوله : "
كتب عليكم الصيام " الآية ،
فرض الصوم من العتمة إلى مثلها من القابلة ، فإذا صلى الرجل العتمة حرم عليه الطعام والجماع إلى مثلها من القابلة . ثم نزل الصوم الآخر بإحلال الطعام والجماع بالليل كله ، وهو قوله : (
وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ) إلى قوله : (
ثم أتموا الصيام إلى الليل ) ، وأحل الجماع أيضا فقال : (
أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) ، وكان في الصوم الأول الفدية ، فمن شاء من مسافر أو مقيم أن يطعم مسكينا ويفطر فعل ذلك ، ولم يذكر الله تعالى ذكره في الصوم الآخر الفدية ، وقال : "
فعدة من أيام أخر " ، فنسخ هذا الصوم الآخر الفدية .
وقال آخرون : بل كان قوله : "
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، حكما خاصا للشيخ الكبير والعجوز الذين يطيقان الصوم ، كان مرخصا لهما
[ ص: 425 ] أن يفديا صومهما بإطعام مسكين ويفطرا ، ثم نسخ ذلك بقوله : "
فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ، فلزمهما من الصوم مثل الذي لزم الشاب إلا أن يعجزا عن الصوم ، فيكون ذلك الحكم الذي كان لهما قبل النسخ ثابتا لهما حينئذ بحاله .
ذكر من قال ذلك .
2752 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة ، عن
عزرة ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس قال : كان الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة وهما يطيقان الصوم ، رخص لهما أن يفطرا إن شاءا ويطعما لكل يوم مسكينا ، ثم نسخ ذلك بعد ذلك : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " ، وثبت
للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة ، إذا كانا لا يطيقان الصوم ، وللحبلى والمرضع إذا خافتا .
2753 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
سويد قال : أخبرنا
ابن المبارك ، عن
سعيد ، عن
قتادة ، عن
عروة عن
سعيد بن جبير عن
ابن عباس : "
وعلى الذين يطيقونه " ، قال : الشيخ الكبير ، والعجوز الكبيرة ثم ذكر مثل حديث
بشر عن
يزيد .
[ ص: 426 ]
2754 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17105معاذ بن هشام قال : حدثني أبي ، عن
قتادة عن
عكرمة قال : كان الشيخ والعجوز لهما الرخصة أن يفطرا ويطعما بقوله : "
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " . قال : فكانت لهم الرخصة ، ثم نسخت بهذه الآية : "
فمن شهد منكم الشهر فليصمه " ، فنسخت الرخصة عن الشيخ والعجوز إذا كانا يطيقان الصوم ، وبقيت للحامل والمرضع أن يفطرا ويطعما .
2755 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
حجاج بن المنهال قال : حدثنا
همام بن يحيى قال : سمعت
قتادة يقول في قوله : "
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : كان فيها رخصة للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة وهما يطيقان الصوم أن يطعما مكان كل يوم مسكينا ويفطرا ، ثم نسخ ذلك بالآية التي بعدها فقال : "
شهر رمضان " إلى قوله : "
فعدة من أيام أخر " ، فنسختها هذه الآية . فكان أهل العلم يرون ويرجون الرخصة تثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا لم يطيقا الصوم أن يفطرا ويطعما عن كل يوم مسكينا ، وللحبلى إذا خشيت على ما في بطنها ، وللمرضع إذا ما خشيت على ولدها .
2756 - حدثت عن
عمار بن الحسن قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن
الربيع في قوله : "
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، فكان الشيخ والعجوز يطيقان صوم رمضان ، فأحل الله لهما أن يفطراه إن أرادا ذلك ، وعليهما الفدية لكل يوم يفطرانه طعام مسكين ، فأنزل الله بعد ذلك :
[ ص: 427 ] "
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن " ، إلى قوله : "
فعدة من أيام أخر " .
وقال آخرون ممن قرأ ذلك : "
وعلى الذين يطيقونه " ، لم ينسخ ذلك ولا شيء منه ، وهو حكم مثبت من لدن نزلت هذه الآية إلى قيام الساعة ، وقالوا : إنما تأويل ذلك : وعلى الذين يطيقونه - في حال شبابهم وحداثتهم ، وفي حال صحتهم وقوتهم - إذا
مرضوا وكبروا فعجزوا من الكبر عن الصوم ، فدية طعام مسكين لا أن القوم كان رخص لهم في الإفطار - وهم على الصوم قادرون - إذا افتدوا .
ذكر من قال ذلك :
2757 - حدثني
موسى بن هارون قال : حدثنا
عمرو بن حماد قال : حدثنا
أسباط عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : أما الذين يطيقونه ، فالرجل كان يطيقه وقد صام قبل ذلك ، ثم يعرض له الوجع أو العطش أو المرض الطويل ، أو المرأة المرضع لا تستطيع أن تصوم ، فإن أولئك عليهم مكان كل يوم إطعام مسكين ، فإن أطعم مسكينا فهو خير له ، ومن تكلف الصيام فصامه فهو خير له .
2758 - حدثنا
هناد قال : حدثنا
عبدة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة ، عن
قتادة عن
عزرة ، عن
سعيد بن جبير عن
ابن عباس قال : إذا
خافت الحامل على نفسها ، والمرضع على ولدها في رمضان ، قال : يفطران ويطعمان مكان كل يوم مسكينا ، ولا يقضيان صوما .
[ ص: 428 ]
2759 - حدثنا
هناد قال : حدثنا
عبدة ، . . . ، عن
سعيد بن جبير عن
ابن عباس : أنه رأى أم ولد له حاملا أو مرضعا ، فقال : أنت بمنزلة الذي لا يطيقه ، عليك أن تطعمي مكان كل يوم مسكينا ، ولا قضاء عليك .
2760 - حدثنا
هناد قال : حدثنا
عبدة ، عن
سعيد ، عن
نافع ، عن علي بن ثابت ، عن
نافع عن
ابن عمر مثل قول
ابن عباس في الحامل والمرضع .
[ ص: 429 ]
2761 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد عن
قتادة قال : ذكر لنا أن
ابن عباس قال : لأم ولد له حبلى أو مرضع : أنت بمنزلة الذين لا يطيقونه ، عليك الفداء ولا صوم عليك . هذا إذا خافت على نفسها .
2762 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن
ابن عباس قوله : "
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، هو الشيخ الكبير كان يطيق صوم شهر رمضان وهو شاب ، فكبر وهو لا يستطيع صومه ، فليتصدق على مسكين واحد لكل يوم أفطره ، حين يفطر وحين يتسحر .
2763 - حدثنا
هناد قال : حدثنا
عبدة ، عن
منصور عن
مجاهد ، عن
ابن عباس نحوه - غير أنه لم يقل : حين يفطر وحين يتسحر .
2764 - حدثنا
هناد قال : حدثنا
حاتم بن إسماعيل ، عن
عبد الرحمن بن حرملة عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب أنه قال في قول الله تعالى ذكره : "
فدية طعام مسكين " ، قال : هو الكبير الذي كان يصوم فكبر وعجز عنه ، وهي الحامل التي ليس عليها الصيام . فعلى كل واحد منهما طعام مسكين : مد من حنطة لكل يوم حتى يمضي رمضان .
وقرأ ذلك آخرون : " وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين " ، وقالوا : إنه الشيخ الكبير والمرأة العجوز اللذان قد كبرا عن الصوم ، فهما يكلفان الصوم ولا يطيقانه ، فلهما أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم أفطراه مسكينا . وقالوا : الآية ثابتة الحكم منذ أنزلت ، لم تنسخ ، وأنكروا قول من قال : إنها منسوخة .
ذكر من قال ذلك :
2765 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج [ ص: 430 ] عن
عطاء عن
ابن عباس أنه كان يقرؤها : " يطوقونه " .
2766 - حدثنا
هناد قال : حدثنا
علي بن مسهر ، عن
عصام ، عن
عكرمة عن
ابن عباس أنه كان يقرأ : " وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين " ، قال : فكان يقول : هي للناس اليوم قائمة .
2767 - حدثنا
هناد قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
سفيان ، عن
منصور ، عن
مجاهد عن
ابن عباس أنه كان يقرؤها : "وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين" ، قال : وكان يقول : هي للناس اليوم قائمة .
2768 - حدثنا
هناد قال : حدثنا
قبيصة ، عن
سفيان ، عن
منصور ، عن
مجاهد عن
ابن عباس أنه كان يقرؤها : "وعلى الذين يطوقونه " ، ويقول : هو الشيخ الكبير يفطر ويطعم عنه .
2769 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : حدثنا
عبد الوهاب قال : حدثنا
أيوب عن
عكرمة أنه قال في هذه الآية : " وعلى الذين يطوقونه " ، - وكذلك كان يقرؤها - : إنها ليست منسوخة ، كلف الشيخ الكبير أن يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينا .
2770 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
محمد بن جعفر قال : حدثنا
شعبة ، عن
أبي بشر عن
سعيد بن جبير أنه قرأ : " وعلى الذين يطوقونه " .
2771 - حدثنا
هناد قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
عمران بن حدير ، عن
عكرمة قال : "
الذين يطيقونه " يصومونه ، ولكن الذين " يطوقونه " ، يعجزون عنه .
2772 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=16984محمد بن عباد بن جعفر ، عن
أبي عمرو مولى عائشة أن
عائشة كانت تقرأ : " يطوقونه " .
2773 - حدثنا
الحسن قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
عطاء أنه كان يقرؤها " يطوقونه " . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : وكان
مجاهد يقرؤها كذلك .
[ ص: 431 ]
2774 - حدثنا
حميد بن مسعدة قال حدثنا
بشر بن المفضل قال : حدثنا
خالد عن
عكرمة : "
وعلى الذين يطيقونه " قال : قال
ابن عباس : هو الشيخ الكبير .
2775 - حدثنا
إسماعيل بن موسى السدي قال : أخبرنا
شريك ، عن
سالم ، عن
سعيد بن جبير عن
ابن عباس : " وعلى الذين يطوقونه " قال : يتجشمونه يتكلفونه .
2776 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
ابن إدريس ، عن
مسلم الملائي ، عن
مجاهد عن
ابن عباس في قوله : "
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : الشيخ الكبير الذي لا يطيق فيفطر ويطعم كل يوم مسكينا .
2777 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء عن
ابن عباس في قول الله : "
وعلى الذين يطيقونه " ، قال : يكلفونه ، فدية طعام مسكين واحد . قال : فهذه آية منسوخة لا يرخص فيها إلا للكبير الذي لا يطيق الصيام ، أو مريض يعلم أنه لا يشفى .
2778 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار ، عن
عطاء عن
ابن عباس قال : "
الذين يطيقونه " ، يتكلفونه ، فدية طعام مسكين واحد ، ولم يرخص هذا إلا للشيخ الذي لا يطيق الصوم ، أو المريض الذي يعلم أنه لا يشفى - هذا عن
مجاهد .
2779 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
[ ص: 432 ] ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، عن
ابن عباس أنه كان يقول : ليست بمنسوخة .
2780 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو صالح قال : حدثني
معاوية عن
علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس في قوله : "
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، يقول : من لم يطق الصوم إلا على جهد ، فله أن يفطر ويطعم كل يوم مسكينا ، والحامل والمرضع والشيخ الكبير والذي به سقم دائم .
2781 - حدثنا
هناد قال : حدثنا
عبيدة ، عن
منصور ، عن
مجاهد عن
ابن عباس في قول الله تعالى ذكره : "
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : هو الشيخ الكبير ، والمرء الذي كان يصوم في شبابه فلما كبر عجز عن الصوم قبل أن يموت ، فهو يطعم كل يوم مسكينا - قال
هناد : قال
عبيدة : قيل
لمنصور : الذي يطعم كل يوم نصف صاع؟ قال : نعم .
2782 - حدثنا
هناد قال : حدثنا
مروان بن معاوية عن
عثمان بن الأسود قال : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهدا عن امرأة لي وافق تاسعها شهر رمضان ، ووافق حرا شديدا ، فأمرني أن تفطر وتطعم . قال : وقال
مجاهد : وتلك الرخصة أيضا في المسافر والمريض ، فإن الله يقول : "
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " .
2783 - حدثنا
هناد قال : حدثنا
أبو معاوية ، عن
عاصم ، عن
عكرمة عن
ابن عباس قال : الحامل والمرضع والشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم ، يفطرون في رمضان ، ويطعمون عن كل يوم مسكينا ، ثم قرأ : "
[ ص: 433 ] وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " .
2784 - حدثنا
علي بن سعيد الكندي قال : حدثنا
حفص عن
حجاج ، عن
أبي إسحاق عن
الحارث عن
علي في قوله : "
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم ، يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينا .
2785 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
الحجاج قال : حدثنا
حماد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار ، عن
عطاء عن
ابن عباس قال : "
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، قال : هم الذين يتكلفونه ولا يطيقونه ، الشيخ والشيخة .
2786 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
الحجاج قال : حدثنا
حماد ، عن
الحجاج ، عن
أبي إسحاق عن
الحارث ، عن
علي قال : هو الشيخ والشيخة .
2787 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
حجاج قال : حدثنا
حماد ، عن
عمران بن حدير ، عن
عكرمة أنه كان يقرؤها : "
وعلى الذين يطيقونه " فأفطروا .
2788 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
سويد قال : أخبرنا
ابن المبارك ، عن
عاصم عمن حدثه عن
ابن عباس قال : هي مثبتة للكبير والمرضع والحامل ، وعلى الذين يطيقون الصيام .
2789 - حدثنا
المثنى قال : حدثنا
سويد قال : حدثنا
ابن المبارك عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : قلت
لعطاء : ما قوله : "
وعلى الذين يطيقونه " ؟ قال : بلغنا أن الكبير إذا لم يستطع الصوم يفتدي من كل يوم بمسكين . قلت : الكبير الذي لا
[ ص: 434 ] يستطيع الصوم ، أو الذي لا يستطيعه إلا بالجهد؟ قال : بل الكبير الذي لا يستطيعه بجهد ولا بشيء ، فأما من استطاع بجهد فليصمه ، ولا عذر له في تركه .
2790 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : أخبرني
عبد الله بن أبي يزيد : "
وعلى الذين يطيقونه " الآية ، كأنه يعني الشيخ الكبير - قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : وأخبرني
ابن طاوس عن أبيه أنه كان يقول : نزلت في الكبير الذي لا يستطيع صيام رمضان ، فيفتدي من كل يوم بطعام مسكين . قلت له : كم طعامه؟ قال : لا أدري ، غير أنه قال : طعام يوم .
2791 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
سويد قال : أخبرنا
ابن المبارك ، عن
الحسن بن يحيى عن
الضحاك في قوله : "
فدية طعام مسكين قال : الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم ، يفطر ويطعم كل يوم مسكينا .
قال
أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال : "
وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " ، منسوخ بقول الله تعالى ذكره : "
فمن شهد منكم الشهر فليصمه " .
لأن " الهاء " التي في قوله : "
وعلى الذين يطيقونه " ، من ذكر " الصيام " ومعناه : وعلى الذين يطيقون الصيام فدية طعام مسكين . فإذا كان ذلك كذلك ، وكان الجميع من أهل الإسلام مجمعين على أن من كان مطيقا من الرجال الأصحاء المقيمين غير المسافرين صوم شهر رمضان ، فغير جائز له الإفطار فيه والافتداء منه بطعام مسكين - كان معلوما أن الآية منسوخة .
هذا ، مع ما يؤيد هذا القول من الأخبار التي ذكرناها آنفا عن
معاذ بن جبل nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=119وسلمة بن الأكوع : من أنهم كانوا - بعد نزول هذه الآية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم - في صوم شهر رمضان بالخيار بين صومه
[ ص: 435 ] وسقوط الفدية عنهم ، وبين الإفطار والافتداء من إفطاره بإطعام مسكين لكل يوم; وأنهم كانوا يفعلون ذلك حتى نزلت : " فمن
شهد منكم الشهر فليصمه " ، فألزموا فرض صومه ، وبطل الخيار والفدية .
فإن قال قائل : وكيف تدعي إجماعا من أهل الإسلام على أن من أطاق صومه ، وهو بالصفة التي وصفت ، فغير جائز له إلا صومه وقد علمت قول من قال :
الحامل والمرضع إذا خافتا على أولادهما ، لهما الإفطار ، وإن أطاقتا الصوم بأبدانهما ، مع الخبر الذي روي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي :
2792 - حدثنا به
nindex.php?page=showalam&ids=17259هناد بن السري قال : حدثنا
قبيصة ، عن
سفيان ، عن
أيوب ، عن
أبي قلابة ، عن
أنس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501595أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتغدى ، فقال : " تعال أحدثك ، إن الله وضع عن المسافر والحامل والمرضع الصوم وشطر الصلاة " ؟ [ ص: 436 ]
قيل : إنا لم ندع إجماعا في الحامل والمرضع ، وإنما ادعينا في الرجال الذين
[ ص: 437 ] وصفنا صفتهم . فأما الحامل والمرضع ، فإنما علمنا أنهن غير معنيات بقوله : (
وعلى الذين يطيقونه ) وخلا الرجال أن يكونوا معنيين به ، لأنهن لو كن معنيات بذلك دون غيرهن من الرجال ، لقيل : وعلى اللواتي يطقنه فدية طعام مسكين ، لأن ذلك كلام العرب ، إذا أفرد الكلام بالخبر عنهن دون الرجال . فلما قيل : "
وعلى الذين يطيقونه " ، كان معلوما أن المعني به الرجال دون النساء ، أو الرجال والنساء . فلما صح بإجماع الجميع - على أن من أطاق من الرجال المقيمين الأصحاء صوم شهر رمضان ، فغير مرخص له في الإفطار والافتداء ، فخرج الرجال من أن يكونوا معنيين بالآية ، وعلم أن النساء لم يردن بها لما وصفنا : من أن الخبر عن النساء إذا انفرد الكلام بالخبر عنهن : " وعلى اللواتي يطقنه " ، والتنزيل بغير ذلك .
وأما الخبر الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه إن كان صحيحا ، فإنما معناه : أنه وضع عن الحامل والمرضع الصوم ما دامتا عاجزتين عنه ، حتى تطيقا فتقضيا ، كما وضع عن المسافر في سفره ، حتى يقيم فيقضيه - لا أنهما أمرتا بالفدية والإفطار بغير وجوب قضاء ، ولو كان في قول النبي صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501596إن الله وضع عن المسافر والمرضع والحامل الصوم " ، دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم إنما عنى أن الله تعالى ذكره وضع عنهم بقوله : "
وعلى الذين يطيقونه [ ص: 438 ] فدية طعام مسكين " ، لوجب أن لا يكون على المسافر إذا أفطر في سفره قضاء ، وأن لا يلزمه بإفطاره ذلك إلا الفدية ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع بين حكمه وبين حكم الحامل والمرضع . وذلك قول ، إن قاله قائل ، خلاف لظاهر كتاب الله ، ولما أجمع عليه جميع أهل الإسلام .
وقد زعم بعض أهل العربية من أهل البصرة أن معنى قوله : "
وعلى الذين يطيقونه " ، وعلى الذين يطيقون الطعام . وذلك لتأويل أهل العلم مخالف .
وأما قراءة من قرأ ذلك : " وعلى الذين يطوقونه " فقراءة لمصاحف أهل الإسلام خلاف ، وغير جائز لأحد من أهل الإسلام الاعتراض بالرأي على ما نقله المسلمون وراثة عن نبيهم صلى الله عليه وسلم نقلا ظاهرا قاطعا للعذر . لأن ما جاءت به الحجة من الدين ، هو الحق الذي لا شك فيه أنه من عند الله . ولا يعترض على ما قد ثبت وقامت به حجة أنه من عند الله ، بالآراء والظنون والأقوال الشاذة .
وأما معنى " الفدية " فإنه : الجزاء ، من قولك : " فديت هذا بهذا " ، أي جزيته به ، وأعطيته بدلا منه .
ومعنى الكلام : وعلى الذين يطيقون الصيام جزاء طعام مسكين ، لكل يوم أفطره من أيام صيامه الذي كتب عليه .
وأما قوله : "
فدية طعام مسكين " ، فإن القرأة مختلفة في قراءته . فبعض يقرأ بإضافة " الفدية " إلى " الطعام " ، وخفض " الطعام " - وذلك قراءة عظم قراء أهل المدينة - بمعنى : وعلى الذين يطيقونه أن يفدوه طعام مسكين .
[ ص: 439 ] فلما جعل مكان " أن يفديه " " الفدية " أضيف إلى " الطعام " ، كما يقال " لزمني غرامة درهم لك " ، بمعنى : لزمني أن أغرم لك درهما .
وآخرون يقرأونه بتنوين " الفدية " ، ورفع " الطعام " ، بمعنى الإبانة في " الطعام " عن معنى " الفدية " الواجبة على من أفطر في صومه الواجب ، كما يقال : " لزمني غرامة ، درهم لك " ، فتبين " بالدرهم " عن معنى " الغرامة " ما هي؟ وما حدها؟ وذلك قراءة عظم قراء أهل العراق .
قال
أبو جعفر : وأولى القراءتين بين الصواب قراءة من قرأ " فدية طعام " بإضافة " الفدية " إلى " الطعام " ، لأن " الفدية " اسم للفعل ، وهي غير " الطعام " المفدي به الصوم .
وذلك أن " الفدية " مصدر من قول القائل : " فديت صوم هذا اليوم بطعام مسكين أفديه فدية " ، كما يقال : " جلست جلسة ، ومشيت مشية " . " والفدية " فعل ، و" الطعام " غيرها . فإذ كان ذلك كذلك ، فبين أن أصح القراءتين إضافة " الفدية " إلى " الطعام " ، وواضح خطأ قول من قال : إن ترك إضافة " الفدية " إلى الطعام ، أصح في المعنى ، من أجل أن " الطعام " عنده هو " الفدية " . فيقال لقائل ذلك : قد علمنا أن " الفدية " مقتضية مفديا ، ومفديا به ، وفدية . فإن كان " الطعام " هو " الفدية " " والصوم " هو المفدي به ، فأين اسم فعل المفتدي الذي هو " فدية " إن هذا القول خطأ بين غير مشكل .
وأما " الطعام " فإنه مضاف إلى " المسكين " . والقرأة في قراءة ذلك مختلفون .
فقرأه بعضهم بتوحيد " المسكين " ، بمعنى : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام
[ ص: 440 ] مسكين واحد لكل يوم أفطره ، كما : -
2793 - حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=14381محمد بن يزيد الرفاعي قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14129حسين الجعفي عن
أبي عمرو أنه قرأ : " فدية " - رفع منون - " طعام " - رفع بغير تنوين - " مسكين " ، وقال : عن كل يوم مسكين . وعلى ذلك عظم قراء أهل العراق .
وقرأه آخرون بجمع " المساكين " ، " فدية طعام مساكين " بمعنى : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين عن الشهر ، إذا أفطر الشهر كله ، كما : -
2794 - حدثنا
أبو هشام محمد بن يزيد الرفاعي ، عن
يعقوب ، عن
بشار ، عن
عمرو ، عن
الحسن : " طعام مساكين " ، عن الشهر كله .
قال
أبو جعفر : وأعجب القراءتين إلي في ذلك قراءة من قرأ : " طعام مسكين " على الواحد ، بمعنى : وعلى الذين يطيقونه عن كل يوم أفطروه فدية طعام مسكين . لأن في إبانة حكم المفطر يوما واحدا ، وصولا إلى معرفة حكم المفطر جميع الشهر - وليس في إبانة حكم المفطر جميع الشهر ، وصول إلى إبانة حكم المفطر يوما واحدا ، وأياما هي أقل من أيام جميع الشهر - ، وأن كل " واحد " يترجم عن " الجميع " ، وأن " الجميع " لا يترجم به عن " الواحد " . فلذلك اخترنا قراءة ذلك بالتوحيد .
واختلف أهل العلم في
مبلغ الطعام الذي كانوا يطعمون في ذلك إذا أفطروا .
فقال بعضهم : كان الواجب من طعام المسكين لإفطار اليوم الواحد نصف صاع من قمح .
وقال بعضهم : كان الواجب من طعام المسكين لإفطار اليوم ، مدا من قمح ومن سائر أقواتهم .
[ ص: 441 ]
وقال بعضهم : كان ذلك نصف صاع من قمح ، أو صاعا من تمر أو زبيب .
وقال بعضهم : ما كان المفطر يتقوته يومه الذي أفطره .
وقال بعضهم : كان ذلك سحورا وعشاء ، يكون للمسكين إفطارا .
وقد ذكرنا بعض هذه المقالات فيما مضى قبل ، فكرهنا إعادة ذكرها .