[ ص: 480 ] القول في
تأويل قوله تعالى ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ( 186 ) )
قال
أبو جعفر : يعني تعالى ذكره : بذلك وإذا سألك يا
محمد عبادي عني : أين أنا؟ فإني قريب منهم أسمع دعاءهم ، وأجيب دعوة الداعي منهم .
وقد اختلف فيما أنزلت فيه هذه الآية .
فقال بعضهم : نزلت في
سائل سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد أقريب ربنا فنناجيه ، أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله : " وإذا سألك عبادي عني فأني قريب أجيب " الآية .
2904 - حدثنا بذلك
ابن حميد قال : حدثنا
جرير عن
عبدة السجستاني عن
الصلب بن حكيم عن أبيه ، عن جده . . .
[ ص: 481 ]
2905 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
جعفر بن سليمان عن
عوف عن
الحسن قال :
سأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم : أين ربنا؟ فأنزل الله تعالى ذكره : " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان " الآية .
[ ص: 482 ]
وقال آخرون : بل نزلت جوابا لمسألة قوم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم : أي ساعة يدعون الله فيها؟
ذكر من قال ذلك :
2906 - حدثنا
سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
سفيان عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
عطاء قال : لما نزلت : (
وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) [ سورة غافر : 60 ] قالوا : في أي ساعة؟ قال : فنزلت : "
وإذا سألك عبادي عني فإني قريب " إلى قوله : "
لعلهم يرشدون " .
2907 - حدثنا
أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا
أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا
سفيان عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
عطاء في قوله : "
أجيب دعوة الداع إذا دعان " قالوا : لو علمنا أي ساعة ندعو! فنزلت : "
وإذا سألك عبادي عني فإني قريب " الآية .
2908 - حدثني
القاسم . قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : زعم
عطاء بن أبي رباح أنه بلغه : لما نزلت : (
وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) ، قال الناس : لو نعلم أي ساعة ندعو! فنزلت : "
وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون " .
2909 - حدثنا
موسى بن هارون قال حدثنا
عمرو بن حماد قال : حدثنا
أسباط عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان " ، قال : ليس من عبد مؤمن يدعو الله إلا استجاب له ، فإن كان الذي يدعو به هو له رزق في الدنيا أعطاه الله ، وإن لم يكن له رزقا في الدنيا ذخره له إلى يوم القيامة ، ودفع عنه به مكروها .
2910 - حدثني
المثني قال : حدثنا
الليث بن سعد عن
ابن صالح عمن حدثه : أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
ما أعطى أحد الدعاء [ ص: 483 ] ومنع الإجابة ، لأن الله يقول : ( ادعوني أستجب لكم ) .
ومعنى متأولي هذا التأويل : وإذا سألك عبادي عني : أي ساعة يدعونني؟ فإني منهم قريب في كل وقت ، أجيب دعوة الداع إذا دعان .
وقال آخرون : بل نزلت جوابا لقول قوم قالوا - إذ قال الله لهم : (
ادعوني أستجب لكم ) - : إلى أين ندعوه!
ذكر من قال ذلك :
2911 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال
مجاهد : (
ادعوني أستجب لكم ) ، قالوا : إلى أين؟ فنزلت : (
فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم ) [ سورة البقرة : 115 ] .
وقال آخرون : بل نزلت جوابا لقوم قالوا : كيف ندعو؟
ذكر من قال ذلك :
2912 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد عن
قتادة قال : ذكر لنا أنه لما أنزل الله "
ادعوني أستجب لكم " ، قال رجال : كيف ندعو يا نبي الله؟ فأنزل الله : "
وإذا سألك عبادي عني فإني قريب " إلى قوله : " يرشدون " .
وأما قوله : "
فليستجيبوا لي " ، فإنه يعني : فليستجيبوا لي بالطاعة . يقال منه : " استجبت له ، واستجبته " ، بمعنى أجبته ، كما قال
كعب بن سعد الغنوي :
وداع دعا يا من يجيب إلى الندى فلم يستجبه عند ذاك مجيب
[ ص: 484 ]
يريد : فلم يجبه .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال
مجاهد وجماعة غيره .
2913 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
الحجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : قال
مجاهد قوله : "
فليستجيبوا لي " ، قال : فليطيعوا لي ، قال : " الاستجابة " ، الطاعة .
2914 - حدثني
المثني قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15678حبان بن موسى قال : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك عن قوله : "
فليستجيبوا لي " ، قال : طاعة الله .
وقال بعضهم : معنى "
فليستجيبوا لي " : فليدعوني
ذكر من قال ذلك :
2915 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
منصور بن هارون عن
أبي رجاء الخراساني قال "
فليستجيبوا لي " ، فليدعوني .
وأما قوله : "
وليؤمنوا بي " فإنه يعني : وليصدقوا . أي : وليؤمنوا بي ، إذا هم استجابوا لي بالطاعة ، أني لهم من وراء طاعتهم لي في الثواب عليها ، وإجزالي الكرامة لهم عليها .
وأما الذي تأول قوله : "
فليستجيبوا لي " ، أنه بمعنى : فليدعوني ، فإنه كان يتأول قوله : "
وليؤمنوا بي " ، وليؤمنوا بي أني أستجيب لهم .
ذكر من قال ذلك :
2916 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
منصور بن هارون عن
أبي رجاء الخراساني : "
وليؤمنوا بي " ، يقول : أني أستجيب لهم .
وأما قوله : "
لعلهم يرشدون " فإنه يعني : فليستجيبوا لي بالطاعة ، وليؤمنوا بي
[ ص: 485 ] فيصدقوا على طاعتهم إياي بالثواب مني لهم ، وليهتدوا بذلك من فعلهم فيرشدوا ، كما : -
2917 - حدثني به
المثني قال : حدثنا
إسحاق قال حدثنا
عبد الرحمن بن سعد قال : حدثنا
أبو جعفر عن
الربيع في قوله : "
لعلهم يرشدون " ، يقول : لعلهم يهتدون .
فإن قال لنا قائل : وما معنى هذا القول من الله تعالى ذكره ؟ فأنت ترى كثيرا من البشر يدعون الله فلا يجاب لهم دعاء ، وقد قال : "
أجيب دعوة الداع إذا دعان " ؟
قيل : إن لذلك وجهين من المعنى :
أحدهما : أن يكون معنيا " بالدعوة " ، العمل بما ندب الله إليه وأمر به . فيكون تأويل الكلام؛ وإذا سألك عبادي عني فإنى قريب ممن أطاعني وعمل بما أمرته به ، أجيبه بالثواب على طاعته إياي إذا أطاعني . فيكون معنى " الدعاء " : مسألة العبد ربه وما وعد أولياءه على طاعتهم بعملهم بطاعته ، ومعنى " الإجابة " من الله التي ضمنها له ، الوفاء له بما وعد العاملين له بما أمرهم به ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501615إن الدعاء هو العبادة " .
2918 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
جويبر عن
الأعمش عن
ذر عن
يسيع الحضرمي عن
النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501616إن الدعاء هو العبادة . ثم قرأ : ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) [ سورة غافر : 60 ] .
[ ص: 486 ] فأخبر صلى الله عليه وسلم أن دعاء الله إنما هو عبادته ومسألته ، بالعمل له والطاعة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ذكر أن
الحسن كان يقول :
2919 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
منصور بن هارون عن
nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك عن
الربيع بن أنس عن
الحسن أنه قال فيها : (
ادعوني أستجب لكم ) ، قال : اعملوا وأبشروا ، فإنه حق على الله أن يستجيب
[ ص: 487 ] للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله .
والوجه الآخر : أن يكون معناه : أجيب دعوة الداع إذا دعان إن شئت . فيكون ذلك ، وإن كان عاما مخرجه في التلاوة ، خاصا معناه .