القول في
تأويل قوله تعالى ( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد )
قال
أبو جعفر : يعني تعالى ذكره - بقوله : "
ولا تباشروهن " لا تجامعوا نساءكم .
وبقوله : "
وأنتم عاكفون في المساجد " يقول : في حال عكوفكم في المساجد ، وتلك حال حبسهم أنفسهم على عبادة الله في مساجدهم .
" والعكوف " أصله المقام ، وحبس النفس على الشيء كما قال الطرماح بن حكيم :
فبات بنات الليل حولي عكفا عكوف البواكي بينهن صريع
[ ص: 540 ]
يعني بقوله : " عكفا " ، مقيمة ، وكما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق :
ترى حولهن المعتفين كأنهم على صنم في الجاهلية عكف
وقد اختلف أهل التأويل في معنى " المباشرة " التي عنى الله بقوله : "
ولا تباشروهن " . فقال بعضهم : معنى ذلك الجماع دون غيره من معاني " المباشرة " .
ذكر من قال ذلك :
3037 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عبد الله بن صالح قال : حدثني
معاوية بن صالح عن
علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس في قوله : "
ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " - في رمضان أو في غير رمضان ، فحرم الله أن ينكح النساء ليلا ونهارا حتى يقضي اعتكافه .
3038 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
سويد قال : أخبرنا
ابن المبارك عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : قال لي
عطاء : "
ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " قال : الجماع .
[ ص: 541 ]
3039 - حدثنا
سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
سفيان عن
علقمة بن مرثد عن
الضحاك قال : كانوا يجامعون وهم معتكفون ، حتى نزلت : "
ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " .
3040 - حدثنا
المثنى قال : حدثنا
سويد قال : أخبرنا
ابن المبارك عن
سفيان عن
علقمة بن مرثد عن
الضحاك في قوله : "
ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " قال : كان الرجل إذا اعتكف فخرج من المسجد جامع إن شاء ، فقال الله : "
ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " يقول : لا تقربوهن ما دمتم عاكفين في مسجد ولا غيره .
3041 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
سويد قال : أخبرنا
ابن المبارك عن
جويبر عن
الضحاك نحوه .
3042 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
ابن أبي جعفر عن أبيه عن
الربيع قال : كان أناس يصيبون نساءهم وهم عاكفون فيها فنهاهم الله عن ذلك .
3043 - وحدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد عن
قتادة قوله : "
ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " قال : كان الرجل إذا خرج من المسجد وهو معتكف ولقي امرأته باشرها إن شاء ، فنهاهم الله عز وجل عن ذلك ، وأخبرهم أن ذلك لا يصلح حتى يقضي اعتكافه .
3044 - حدثنا
موسى بن هارون قال : حدثنا
عمرو بن حماد قال : حدثنا
أسباط عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " يقول : من اعتكف فإنه يصوم ، لا يحل له النساء ما دام معتكفا .
3045 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد : "
ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " قال : الجوار ، فإذا خرج أحدكم من بيته إلى بيت الله فلا يقرب النساء .
[ ص: 542 ]
3046 - حدثنا
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة حدثنا
شبل عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد قال : كان
ابن عباس يقول : من خرج من بيته إلى بيت الله فلا يقرب النساء .
3047 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر عن
قتادة في قوله : "
ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " ، قال : كان الناس إذا اعتكفوا يخرج الرجل فيباشر أهله ثم يرجع إلى المسجد ، فنهاهم الله عن ذلك .
3048 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : قال
ابن عباس كانوا إذا اعتكفوا فخرج الرجل إلى الغائط جامع امرأته ، ثم اغتسل ، ثم رجع إلى اعتكافه ، فنهوا عن ذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : قال
مجاهد : نهوا عن جماع النساء في المساجد ، حيث كانت
الأنصار تجامع ، فقال : " لا تباشروهن وأنتم عاكفون " قال : " عاكفون " الجوار قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : فقلت
لعطاء : الجماع المباشرة؟ قال : الجماع نفسه! فقلت له : فالقبلة في المسجد والمسة؟ فقال : أما ما حرم فالجماع ، وأنا أكره كل شيء من ذلك في المسجد .
3049 - حدثت عن
حسين بن الفرج قال : حدثنا
الفضل بن خالد قال : حدثنا
عبيد بن سليمان عن
الضحاك : "
ولا تباشروهن " يعني الجماع .
وقال آخرون : معنى ذلك على جميع معاني " المباشرة " من لمس وقبلة وجماع .
ذكر من قال ذلك :
3050 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
مالك بن أنس : لا يمس المعتكف امرأته ، ولا يباشرها ، ولا يتلذذ منها بشيء ، قبلة ولا غيرها .
[ ص: 543 ]
3051 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : "
ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " قال : المباشرة الجماع وغير الجماع ، كله محرم عليه ، قال : " المباشرة " بغير جماع ، إلصاق الجلد بالجلد .
قال
أبو جعفر : وعلة من قال هذا القول : أن الله تعالى ذكره عم بالنهي عن المباشرة ، ولم يخصص منها شيئا دون شيء . فذلك على ما عمه ، حتى تأتي حجة يجب التسليم لها بأنه عنى به مباشرة دون مباشرة .
وأولى القولين عندي بالصواب قول من قال : معنى ذلك : الجماع ، أو ما قام مقام الجماع ، مما أوجب غسلا إيجابه . وذلك أنه لا قول في ذلك إلا أحد قولين :
إما جعل حكم الآية عاما ، أو جعل حكمها في خاص من معاني المباشرة . وقد تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن نساءه كن يرجلنه وهو معتكف ، فلما صح ذلك عنه ، علم أن الذي عنى به من معاني المباشرة البعض دون الجميع .
3052 - حدثنا
علي بن شعيب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17126معن بن عيسى القزاز قال : أخبرنا
مالك . عن
الزهري عن
عروة وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16693عمرة nindex.php?page=hadith&LINKID=3501646عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله .
[ ص: 544 ]
3053 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : أخبرني
يونس عن
ابن شهاب عن
عروة بن الزبير وعمرة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501647أن عائشة قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان ، وكان يدخل علي رأسه وهو في المسجد فأرجله .
3054 - حدثنا
سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن أبيه
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501648عن عائشة قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يدني إلي رأسه وهو مجاور في المسجد وأنا في حجرتي وأنا حائض ، فأغسله وأرجله .
3055 - حدثنا
سفيان قال : حدثنا
ابن فضيل ويعلى بن عبيد عن
الأعمش عن
تميم بن سلمة عن
عروة nindex.php?page=hadith&LINKID=3501649عن عائشة قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 545 ] يعتكف فيخرج إلي رأسه من المسجد وهو عاكف ، فأغسله وأنا حائض .
3056 - حدثني
محمد بن معمر قال : حدثنا
حماد بن مسعدة قال : حدثنا
مالك بن أنس عن
الزهري nindex.php?page=showalam&ids=17245وهشام بن عروة جميعا ، عن عروة
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501650عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج رأسه فأرجله وهو معتكف .
فإذ كان صحيحا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكرنا من غسل
عائشة [ ص: 546 ] رأسه وهو معتكف ، فمعلوم أن المراد بقوله : "
ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " غير جميع ما لزمه اسم " المباشرة " وأنه معني به البعض من معاني المباشرة دون الجميع . فإذا كان ذلك كذلك ، وكان مجمعا على أن الجماع مما عني به ، كان واجبا تحريم الجماع على المعتكف وما أشبهه ، وذلك كل ما قام في الالتذاذ مقامه من المباشرة .