القول في تأويل قوله تعالى (
فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك :
فقال بعضهم : معناه : فمن تعجل في يومين من أيام التشريق فنفر في اليوم الثاني فلا إثم عليه في نفره وتعجله في النفر ، ومن تأخر عن النفر في اليوم الثاني من أيام التشريق إلى اليوم الثالث حتى ينفر في اليوم الثالث فلا إثم عليه في تأخره .
ذكر من قال ذلك .
3917 - حدثنا
أحمد ، قال : حدثنا
أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا
هشيم ، عن
عطاء ، قال : لا إثم عليه في تعجيله ، ولا إثم عليه في تأخيره .
3918 - حدثنا
أحمد ، قال : حدثنا
أبو أحمد ، قال : حدثنا
هشيم ، عن
عوف ، عن
الحسن ، مثله .
3919 - حدثنا
أحمد ، قال : حدثنا
أبو أحمد ، قال : حدثنا
هشيم ، عن
مغيرة ، عن
عكرمة ، مثله .
3920 - حدثني
محمد بن عمرو ، قال : حدثنا
أبو عاصم ، عن
عيسى ، [ ص: 216 ] عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله : "
فمن تعجل في يومين " ، يوم النفر ، " فلا إثم عليه" ، لا حرج عليه ، " ومن تأخر فلا إثم عليه" .
3921 - حدثني
موسى بن هارون ، قال : حدثنا
عمرو بن حماد ، قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : أما : "من تعجل في يومين فلا إثم عليه" ، يقول : من نفر في يومين فلا جناح عليه ، ومن تأخر فنفر في الثالث فلا جناح عليه .
3922 - حدثنا
بشر ، قال : حدثنا
يزيد ، قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : "
فمن تعجل في يومين " ، يقول : فمن تعجل في يومين - أي : من أيام التشريق"فلا إثم عليه" ، ومن أدركه الليل
بمنى من اليوم الثاني من قبل أن ينفر ، فلا نفر له حتى تزول الشمس من الغد" ومن تأخر فلا إثم عليه" ، يقول : من تأخر إلى اليوم الثالث من أيام التشريق فلا إثم عليه .
3923 - حدثنا
الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة في قوله : "
فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " ، قال : رخص الله في أن ينفروا في يومين منها إن شاءوا ، ومن تأخر في اليوم الثالث فلا إثم عليه .
3924 - حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى ، قال : حدثنا
محمد بن جعفر ، قال : حدثنا
شعبة ، عن
منصور ، عن
إبراهيم أنه قال في هذه الآية : " فمن
تعجل في يومين فلا إثم عليه " ، قال في تعجيله .
3925 - حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=17259هناد بن السري ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15926ابن أبى زائدة ، قال : حدثنا
إسرائيل ، عن
منصور ، عن
إبراهيم قال : " لا إثم عليه " لا إثم على من تعجل ، ولا إثم على من تأخر .
3926 - حدثنا
ابن بشار ، قال : حدثنا
عبد الرحمن ، قال : حدثنا
إسرائيل ، عن
منصور ، عن
إبراهيم ، قال : هذا في التعجيل .
3927 - حدثنا
أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا
أبو أحمد ، قال : حدثنا
شريك وإسرائيل ، عن
زيد بن جبير ، قال : سمعت
ابن عمر يقول : حل النفر في يومين لمن اتقى .
[ ص: 217 ]
3928 - حدثنا
أبو كريب ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى ، عن
الحكم ، عن
مقسم ، عن
ابن عباس : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501663فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه" في تعجله ، " ومن تأخر فلا إثم عليه" في تأخره .
3929 - حدثنا
الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال : قلت
لعطاء :
أللمكي أن ينفر في النفر الأول؟ قال : نعم ، قال الله عز وجل : "
فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " ، فهي للناس أجمعين .
3930 - حدثنا
أحمد ، قال : حدثنا
أبو أحمد ، قال : حدثنا
سفيان ، عن
منصور ، عن
إبراهيم : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه" ، قال : ليس عليه إثم
3931 - حدثنا
المثنى ، قال : حدثنا
أبو صالح ، قال : حدثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس : "
فمن تعجل في يومين " بعد يوم النحر ، "
فلا إثم عليه " ، يقول : من نفر من
منى في يومين بعد النحر فلا إثم عليه ، "ومن تأخر فلا إثم عليه" في تأخره ، فلا حرج عليه .
3932 - حدثنا
ابن حميد ، قال : حدثنا
جرير ، عن
منصور ، عن
إبراهيم : "
فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " في تعجله ، " ومن تأخر فلا إثم عليه" في تأخره .
وقال آخرون : بل معناه : فمن تعجل في يومين فهو مغفور له لا إثم عليه ، ومن تأخر كذلك .
ذكر من قال ذلك :
3933 - حدثنا
أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا
أبو أحمد ، قال : حدثنا
إسرائيل ، [ ص: 218 ] عن
ثوير ، عن أبيه ، عن
عبد الله : "
فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " ، قال : ليس عليه إثم .
3934 - حدثنا
ابن بشار ، قال : حدثنا
عبد الرحمن ، قال حدثنا
سفيان ، عن
حماد . عن
إبراهيم ، عن
عبد الله : "
فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " ، أي غفر له" ومن تأخر فلا إثم عليه" ، قال : غفر له .
3935 - حدثنا
أحمد بن حازم ، قال : حدثنا
أبو نعيم ، قال : حدثنا
مسعر ، عن
حماد ، عن
إبراهيم ، عن
عبد الله : "
فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " ، أي غفر له .
3936 - حدثنا
أبو كريب ، قال : حدثنا
المحاربي وحدثنا
أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا
أبو أحمد ، جميعا عن
سفيان ، عن
حماد ، عن
إبراهيم ، عن
عبد الله في قوله : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه" ، قال : قد غفر له .
3937 - حدثنا
ابن حميد ، قال : حدثنا
حكام ، عن
سفيان ، عن
حماد ، عن
إبراهيم في قوله : "
فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " ، قد غفر له .
3938 - حدثنا ابن
المثنى ، قال : حدثنا
محمد بن جعفر ، قال : حدثنا
شعبة ، عن
حماد ، عن
إبراهيم ، عن
عبد الله قال في هذه الآية : "
فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " قال : برئ من الإثم .
3939 - حدثنا
ابن بشار ، قال : حدثنا
عبد الرحمن ، قال : حدثنا
حماد بن سلمة ، عن
علي بن زيد ، عن
الحسن ، عن
ابن عمر : "
فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " قال : رجع مغفورا له .
[ ص: 219 ]
3940 - حدثني
يعقوب ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
ليث ، عن
مجاهد في قوله : "
فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " ، قال : قد غفر له .
3941 - حدثنا
أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا
أبو أحمد ، قال : حدثنا
سفيان ، عن
جابر ، عن
أبي عبد الله ، عن
ابن عباس : "
فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " ، قال : قد غفر له ، إنهم يتأولونها على غير تأويلها ، إن العمرة لتكفر ما معها من الذنوب فكيف بالحج ! .
3942 - حدثنا
أحمد ، قال : حدثنا
أبو أحمد ، قال : حدثنا
إسرائيل ، عن
أبي حصين ، عن
إبراهيم وعامر : "
فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " ، قالا غفر له .
3943 - حدثنا
القاسم ، قال : حدثنا
الحسين ، قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال : حدثني من أصدقه ، عن
ابن مسعود قوله : "
فلا إثم عليه " ، قال : خرج من الإثم كله" ومن تأخر فلا إثم عليه" ، قال : برئ من الإثم كله ، وذلك في الصدر عن الحج قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : وسمعت رجلا يحدث عن
عطاء بن أبي رباح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=8على بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : " فلا إثم عليه" ، قال : غفر له ، " ومن تأخر فلا إثم عليه" ، قال : غفر له .
3944 - حدثني
أحمد بن حازم ، قال : حدثنا
أبو نعيم ، قال : حدثنا
أسود بن سوادة القطان ، قال : سمعت
معاوية بن قرة قال : يخرج من ذنوبه .
[ ص: 220 ]
وقال آخرون : معنى ذلك : "
فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه " ، فيما بينه وبين السنة التي بعدها .
ذكر من قال ذلك :
3945 - حدثنا
أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا
أبو أحمد ، قال : حدثنا
إسحاق بن يحيى بن طلحة ، قال : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهدا عن قول الله عز وجل : "
فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " ، قال : لمن في الحج ، ليس عليه إثم حتى الحج من عام قابل .
وقال آخرون : بل معناه . فلا إثم عليه إن اتقى الله فيما بقي من عمره .
ذكر من قال ذلك :
3946 - حدثنا
أحمد ، قال : حدثنا
أبو أحمد ، قال : حدثنا
أبو جعفر الرازي ، عن
الربيع بن أنس ، عن
أبي العالية : " فمن
تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " ، قال : ذهب إثمه كله إن اتقى فيما بقي .
3947 - حدثت عن
عمار ، قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
المغيرة ، عن
إبراهيم ، مثله .
3948 - حدثت عن
عمار ، قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع ، عن
أبي العالية ، مثله .
3949 - حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد في قوله : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه" ، قال : لمن اتقى بشرط .
3950 - حدثني
موسى بن هارون ، قال : حدثنا
عمرو بن حماد ، قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " ، لا جناح عليه "ومن تأخر" إلى اليوم الثالث فلا جناح عليه لمن اتقى وكان
ابن عباس يقول : وددت أني من هؤلاء ، ممن يصيبه اسم التقوى .
3951 - حدثنا
القاسم ، قال : حدثنا
الحسين ، قال : حدثني
حجاج ، قال :
[ ص: 221 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : هي في مصحف
عبد الله : " لمن اتقى الله" .
3952 - حدثني
المثنى ، قال : حدثنا
عبد الله ، قال : حدثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس : "
فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " ، فلا حرج عليه ، يقول : لمن اتقى معاصي الله عز وجل .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : " فمن تعجل في يومين" من أيام التشريق" فلا إثم عليه" ، أي فلا حرج عليه في تعجيله النفر ، إن هو اتقى قتل الصيد حتى ينقضي اليوم الثالث ، ومن تأخر إلى اليوم الثالث فلم ينفر فلا حرج عليه .
ذكر من قال ذلك :
3953 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين ، قال : حدثنا
هشيم ، قال : أخبرنا
محمد بن أبي صالح : "
لمن اتقى " أن يصيب شيئا من الصيد حتى يمضي اليوم الثالث .
3954 - حدثني
محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس : "
فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " ، ولا يحل له أن يقتل صيدا حتى تخلو أيام التشريق .
وقال آخرون : بل معناه : "فمن تعجل في يومين" من أيام التشريق فنفر "فلا إثم عليه" ، أي مغفور له - "ومن تأخر" فنفر في اليوم الثالث "فلا إثم عليه" ، أي مغفور له إن اتقى على حجه أن يصيب فيه شيئا نهاه الله عنه .
ذكر من قال ذلك :
3955 - حدثنا
بشر ، قال : حدثنا
يزيد ، قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة [ ص: 222 ] قوله : "
لمن اتقى " ، قال : يقول لمن اتقى على حجه قال
قتادة : ذكر لنا أن
ابن مسعود كان يقول : من اتقى في حجه غفر له ما تقدم من ذنبه - أو : ما سلف من ذنبه .
قال
أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصحة قول من قال : تأويل ذلك : "فمن تعجل في يومين" من أيام
منى الثلاثة فنفر في اليوم الثاني "فلا إثم عليه" ، لحط الله ذنوبه ، إن كان قد اتقى الله في حجه ، فاجتنب فيه ما أمره الله باجتنابه ، وفعل فيه ما أمره الله بفعله ، وأطاعه بأدائه على ما كلفه من حدوده "ومن تأخر" إلى اليوم الثالث منهن فلم ينفر إلى النفر الثاني حتى نفر من غد النفر الأول ، "فلا إثم عليه" ، لتكفير الله له ما سلف من آثامه وإجرامه ، وإن كان اتقى الله في حجه بأدائه بحدوده .
وإنما قلنا أن ذلك أولى تأويلاته [ بالصحة ] ، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=810132ومن حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وأنه قال صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=810145تابعوا بين الحج والعمرة ، فإنهما ينفيان الذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة " .
3956 - حدثنا
عبد الله بن سعيد الكندي ، قال : حدثنا
أبو خالد الأحمر ، قال : حدثنا
عمرو بن قيس ، عن
عاصم ، عن
شقيق ، عن
عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810146تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة ، وليس للحجة المبرورة ثواب دون الجنة " .
[ ص: 223 ]
3957 - حدثنا
ابن حميد ، قال : حدثنا
الحكم بن بشير ، عن
عمرو بن قيس ، عن
عاصم ، عن
زر ، عن
عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .
3958 - حدثنا
الفضل بن الصباح ، قال : . حدثنا
ابن عيينة ، عن
عاصم بن عبيد الله ، عن
عبد الله بن عامر بن ربيعة ، عن أبيه ، عن
عمر يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=810147تابعوا بين الحج والعمرة ، فإن متابعة ما بينهما تنفي الفقر والذنوب كما ينفي الكير الخبث أو : خبث الحديد " .
3959 - حدثنا
إبراهيم بن سعيد ، قال : حدثنا
سعد بن عبد الحميد ، قال : حدثنا
ابن أبي الزناد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة ، عن
صالح مولى
التوأمة ، عن
ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إذا قضيت حجك فأنت مثل ما ولدتك أمك .
[ ص: 224 ]
وما أشبه ذلك من الأخبار التي يطول بذكر جميعها الكتاب ، مما ينبئ عنه أن من حج فقضاه بحدوده على ما أمره الله ، فهو خارج من ذنوبه ، كما قال جل ثناؤه : "
فلا إثم عليه لمن اتقى " الله في حجه . فكان في ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يوضح عن أن معنى قوله جل وعز : "
فلا إثم عليه " ، أنه خارج من ذنوبه ، محطوطة عنه آثامه ، مغفورة له أجرامه وأنه لا معنى لقول من تأول قوله : "
فلا إثم عليه " ، فلا حرج عليه في نفره في اليوم الثاني ، ولا حرج عليه في مقامه إلى اليوم الثالث ؛ لأن الحرج إنما يوضع عن العامل فيما كان عليه ترك عمله ، فيرخص له في عمله بوضع الحرج عنه في عمله; أو فيما كان عليه عمله ، فيرخص له في تركه بوضع الحرج عنه في تركه . فأما ما على العامل عمله فلا وجه لوضع الحرج عنه فيه إن هو عمله ، وفرضه عمله ؛ لأنه محال أن يكون المؤدي فرضا عليه حرجا بأدائه ، فيجوز أن يقال : قد وضعنا عنك فيه الحرج .
وإذ كان ذلك كذلك وكان الحاج لا يخلو عند من تأول قوله : "
فلا إثم عليه " فلا حرج عليه ، أو فلا جناح عليه ، من أن يكون فرضه النفر في اليوم الثاني من أيام التشريق ، فوضع عنه الحرج في المقام ، أو أن يكون فرضه المقام ،
[ ص: 225 ] إلى اليوم الثالث ، فوضع عنه الحرج في النفر في اليوم الثاني ، فإن يكن فرضه في اليوم الثاني من أيام التشريق المقام إلى اليوم الثالث منها ، فوضع عنه الحرج في نفره في اليوم الثاني منها - وذلك هو التعجل الذي قيل : "
فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " - فلا معنى لقوله على تأويل من تأول ذلك : "
فلا إثم عليه " ، فلا جناح عليه ، "
ومن تأخر فلا إثم عليه " . لأن المتأخر إلى اليوم الثالث إنما هو متأخر عن أداء فرض عليه ، تارك قبول رخصة النفر ، فلا وجه لأن يقال : "لا حرج عليك في مقامك على أداء الواجب عليك" ، لما وصفنا قبل - أو يكون فرضه في اليوم الثاني النفر ، فرخص له في المقام إلى اليوم الثالث ، فلا معنى أن يقال : " لا حرج عليك في تعجلك النفر الذي هو فرضك وعليك فعله" ، للذي قدمنا من العلة .
وكذلك لا معنى لقول من قال : معناه : "
فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " ولا حرج عليه في نفره ذلك ، إن اتقى قتل الصيد إلى انقضاء اليوم الثالث ؛ لأن ذلك لو كان تأويلا مسلما لقائله لكان في قوله : "
ومن تأخر فلا إثم عليه " ، ما يبطل دعواه ؛ لأنه لا خلاف بين الأمة في أن
الصيد للحاج بعد نفره من منى في اليوم الثالث حلال ، فما الذي من أجله وضع عنه الحرج في قوله : "
ومن تأخر فلا إثم عليه " ، إذا هو تأخر إلى اليوم الثالث ثم نفر ؟ هذا ، مع إجماع الحجة على أن المحرم إذا رمى وذبح وحلق وطاف بالبيت ، فقد حل له كل شيء ، وتصريح الرواية المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو ذلك ، التي : -
3960 - حدثنا بها
هناد بن السري الحنظلي ، قال : حدثنا
عبد الرحيم بن سليمان ، عن
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11949أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن
عمرة قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811302سألت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها متى يحل المحرم ؟ فقالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا رميتم وذبحتم وحلقتم ، حل لكم كل شيء إلا النساء [ ص: 226 ] قال : وذكر
الزهري ، عن
عمرة ، عن
عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله .
[ ص: 227 ]
وأما الذي تأول ذلك أنه بمعنى : " لا إثم عليه إلى عام قابل" ، فلا وجه لتحديد ذلك بوقت ، وإسقاطه الإثم عن الحاج سنة مستقبلة ، دون آثامه السالفة ؛ لأن الله جل ثناؤه لم يحصر ذلك على نفي إثم وقت مستقبل بظاهر التنزيل ، ولا على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام ، بل دلالة ظاهر التنزيل تبين عن أن المتعجل في اليومين والمتأخر لا إثم على كل واحد منهما في حاله التي هو بها دون غيرها من الأحوال .
والخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم يصرح بأنه بانقضاء حجه على ما أمر به ، خارج من ذنوبه كيوم ولدته أمه . ففي ذلك من دلالة ظاهر التنزيل ، وصريح قول الرسول صلى الله عليه وسلم دلالة واضحة على فساد قول من قال : معنى قوله : "
فلا إثم عليه " ، فلا إثم عليه من وقت انقضاء حجه إلى عام قابل .
قال
أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : ما الجالب"اللام" في قوله : " لمن اتقى"؟ وما معناها ؟
قيل : الجالب لها معنى قوله : " فلا إثم عليه" ؛ لأن في قوله : " فلا إثم عليه" معنى : حططنا ذنوبه وكفرنا آثامه ، فكان في ذلك معنى : جعلنا تكفير الذنوب لمن اتقى الله في حجه ، فترك ذكر" جعلنا تكفير الذنوب" ، اكتفاء بدلالة قوله : "
فلا إثم عليه " .
وقد زعم بعض نحويي
البصرة أنه كأنه إذا ذكر هذه الرخصة فقد أخبر عن أمر ، فقال : "
لمن اتقى " أي : هذا لمن اتقى . وأنكر بعضهم ذلك من قوله ، وزعم أن الصفة لا بد لها من شيء تتعلق به ؛ لأنها لا تقوم بنفسها ، ولكنها فيما زعم من صلة" قول" متروك ، فكان معنى الكلام عنده" قلنا" : "
ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى " ،
[ ص: 228 ] وقام قوله : "
ومن تأخر فلا إثم عليه " ، مقام"القول" .
وزعم بعض أهل العربية أن موضع طرح الإثم في المتعجل ، فجعل في المتأخر وهو الذي أدى ولم يقصر مثل ما جعل على المقصر ، كما يقال في الكلام : "إن تصدقت سرا فحسن ، وإن أظهرت فحسن" ، وهما مختلفان ، لأن المتصدق علانية إذا لم يقصد الرياء فحسن ، وإن كان الإسرار أحسن .
وليس في وصف حالتي المتصدقين بالحسن وصف إحداهما بالإثم . وقد أخبر الله عز وجل عن النافرين بنفي الإثم عنهما ، ومحال أن ينفي عنهما إلا ما كان في تركه الإثم على ما تأوله قائلو هذه المقالة . وفي إجماع الجميع على أنهما جميعا لو تركا النفر وأقاما
بمنى لم يكونا آثمين ، ما يدل على فساد التأويل الذي تأوله من حكينا عنه هذا القول .
وقال أيضا : فيه وجه آخر ، وهو معنى نهي الفريقين عن أن يؤثم أحد الفريقين الآخر ، كأنه أراد بقوله : "
فلا إثم عليه " ، لا يقل المتعجل للمتأخر : " أنت آثم" ، ولا المتأخر للمتعجل : "أنت آثم" ، بمعنى : فلا يؤثمن أحدهما الآخر .
وهذا أيضا تأويل لقول جميع أهل التأويل مخالف ، وكفى بذلك شاهدا على خطئه .