القول في تأويل قوله تعالى (
وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها )
قال
أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : "
وإذا تولى " ، وإذا أدبر هذا المنافق من عندك يا
محمد منصرفا عنك . كما : -
3980 - حدثنا به
ابن حميد ، قال : حدثنا
سلمة ، قال : حدثني
محمد بن إسحاق ، قال حدثني
محمد بن أبي محمد قال : حدثني
سعيد بن جبير أو
عكرمة ، عن
ابن عباس : "
وإذا تولى " ، قال : يعني : وإذا خرج من عندك" سعى " .
وقال بعضهم : وإذا غضب .
ذكر من قال ذلك :
3981 - حدثنا
القاسم ، قال : حدثنا
الحسين ، قال : حدثني
حجاج قال :
[ ص: 238 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج في قوله : "
وإذا تولى " ، قال : إذا غضب .
فمعنى الآية : وإذا خرج هذا المنافق من عندك يا
محمد غضبان ، عمل في الأرض بما حرم الله عليه ، وحاول فيها معصية الله ، وقطع الطريق وإفساد السبيل على عباد الله ، كما قد ذكرنا آنفا من فعل
الأخنس بن شريق الثقفي ، الذي ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي أن فيه نزلت هذه الآية ، من إحراقه زرع المسلمين وقتله حمرهم .
و"السعي" في كلام العرب العمل ، يقال منه : "فلان يسعى على أهله" ، يعني به : يعمل فيما يعود عليهم نفعه ، ومنه قول
الأعشى :
وسعى لكندة سعي غير مواكل قيس فضر عدوها وبنى لها
يعني بذلك : عمل لهم في المكارم .
وكالذي قلنا في ذلك كان
مجاهد يقول .
3982 - حدثني
محمد بن عمرو ، قال : حدثنا
أبو عاصم ، قال : حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله"
وإذا تولى سعى " ، قال : عمل .
واختلف أهل التأويل في معنى"الإفساد" الذي أضافه الله عز وجل إلى هذا المنافق .
فقال بعضهم : تأويله ما قلنا فيه من قطعه الطريق وإخافته السبيل ، كما قد ذكرنا قبل من فعل
الأخنس بن شريق .
[ ص: 239 ]
وقال بعضهم : بل معنى ذلك قطع الرحم وسفك دماء المسلمين .
ذكر من قال ذلك :
3983 - حدثنا
القاسم ، قال : حدثنا
الحسين ، قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج في قوله : "
سعى في الأرض ليفسد فيها " ، قطع الرحم ، وسفك الدماء ، دماء المسلمين ، فإذا قيل : لم تفعل كذا وكذا ؟ قال أتقرب به إلى الله عز وجل .
قال
أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله تبارك وتعالى وصف هذا المنافق بأنه إذا تولى مدبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمل في أرض الله بالفساد . وقد يدخل في"الإفساد" جميع المعاصي ، وذلك أن العمل بالمعاصي إفساد في الأرض ، فلم يخصص الله وصفه ببعض معاني"الإفساد" دون بعض . وجائز أن يكون ذلك الإفساد منه كان بمعنى قطع الطريق ، وجائز أن يكون غير ذلك . وأي ذلك كان منه فقد كان إفسادا في الأرض ؛ لأن ذلك منه لله عز وجل معصية . غير أن الأشبه بظاهر التنزيل أن يكون كان يقطع الطريق ويخيف السبيل ؛ لأن الله تعالى ذكره وصفه في سياق الآية بأنه" سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل" ، وذلك بفعل مخيف السبيل ، أشبه منه بفعل قطاع الرحم .