القول في تأويل قوله تعالى (
ياأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى السلم في هذا الموضع .
فقال بعضهم : معناه : الإسلام .
ذكر من قال ذلك :
[ ص: 252 ]
4008 - حدثني
محمد بن عمرو ، قال : حدثنا
أبو عاصم ، عن
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله عز وجل : "
ادخلوا في السلم " ، قال : ادخلوا في الإسلام .
4009 - حدثنا
الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة قوله : "
ادخلوا في السلم " ، قال : ادخلوا في الإسلام .
4010 - حدثني
محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس : "
ادخلوا في السلم كافة " ، قال : السلم : الإسلام .
4011 - حدثني
موسى بن هارون ، قال : أخبرنا
عمرو ، قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
ادخلوا في السلم " ، يقول : في الإسلام .
4012 - حدثنا
أبو كريب ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
النضر بن عربي ، عن
مجاهد : ادخلوا في الإسلام .
4013 - حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد في قوله : "
ادخلوا في السلم " . قال : السلم : الإسلام .
4014 - حدثت عن
الحسين بن فرج ، قال : سمعت
أبا معاذ الفضل بن خالد ، قال : حدثنا
عبيد بن سليمان ، قال : سمعت
الضحاك يقول : "
ادخلوا في السلم " : في الإسلام .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ادخلوا في الطاعة .
ذكر من قال ذلك :
4015 - حدثت عن
عمار ، قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع : "
ادخلوا في السلم " ، يقول : ادخلوا في الطاعة .
وقد اختلف القرأة في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء أهل
الحجاز : "ادخلوا في السلم" بفتح السين ، وقرأته عامة قرأة الكوفيين بكسر السين .
[ ص: 253 ]
فأما الذين فتحوا"السين" من"السلم" ، فإنهم وجهوا تأويلها إلى المسالمة ، بمعنى : ادخلوا في الصلح والمسالمة وترك الحرب وإعطاء الجزية .
وأما الذين قرءوا ذلك بالكسر من"السين" فإنهم مختلفون في تأويله .
فمنهم من يوجهه إلى الإسلام ، بمعنى ادخلوا في الإسلام كافة ، ومنهم من يوجهه إلى الصلح ، بمعنى : ادخلوا في الصلح ، ويستشهد على أن"السين" تكسر ، وهي بمعنى الصلح بقول
زهير بن أبي سلمى :
وقد قلتما إن ندرك السلم واسعا بمال ومعروف من الأمر نسلم
وأولى التأويلات بقوله : " ادخلوا في السلم" ، قول من قال : معناه : ادخلوا في الإسلام كافة .
وأما الذي هو أولى القراءتين بالصواب في قراءة ذلك ، فقراءة من قرأ بكسر "السين" لأن ذلك إذا قرئ كذلك - وإن كان قد يحتمل معنى الصلح - فإن معنى الإسلام ودوام الأمر الصالح عند العرب ، أغلب عليه من الصلح والمسالمة ، وينشد بيت أخي
كندة :
دعوت عشيرتي للسلم لما رأيتهم تولوا مدبرينا
[ ص: 254 ] بكسر السين ، بمعنى : دعوتهم للإسلام لما ارتدوا ، وكان ذلك حين ارتدت
كندة مع
الأشعث بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد كان
أبو عمرو بن العلاء يقرأ سائر ما في القرآن من ذكر"السلم" بالفتح سوى هذه التي في سورة البقرة ، فإنه كان يخصها بكسر سينها توجيها منه لمعناها إلى الإسلام دون ما سواها .
وإنما اخترنا ما اخترنا من التأويل في قوله : "
ادخلوا في السلم " وصرفنا معناه إلى الإسلام ، لأن الآية مخاطب بها المؤمنون ، فلن يعدو الخطاب إذ كان خطابا للمؤمنين من أحد أمرين :
إما أن يكون خطابا للمؤمنين
بمحمد المصدقين به وبما جاء به ، فإن يكن ذلك كذلك ، فلا معنى أن يقال لهم وهم أهل الإيمان : "ادخلوا في صلح المؤمنين ومسالمتهم" ، لأن المسالمة والمصالحة إنما يؤمر بها من كان حربا بترك الحرب ، فأما الموالي فلا يجوز أن يقال له : "صالح فلانا" ، ولا حرب بينهما ولا عداوة .
أو يكون خطابا لأهل الإيمان بمن قبل
محمد صلى الله عليه وسلم من الأنبياء المصدقين بهم ، وبما جاءوا به من عند الله المنكرين محمدا ونبوته ، فقيل لهم : "
ادخلوا في السلم " ، يعني به الإسلام ، لا الصلح ؛ لأن الله عز وجل إنما أمر عباده بالإيمان به وبنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به ، وإلى الذي دعاهم دون المسالمة والمصالحة . بل نهى نبيه صلى الله عليه وسلم في بعض الأحوال عن دعاء أهل الكفر إلى الصلح فقال : (
فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم )
[ ص: 255 ] [ محمد : 35 ] وإنما أباح له صلى الله عليه وسلم في بعض الأحوال إذا دعوه إلى الصلح ابتداء المصالحة ، فقال له جل ثناؤه : (
وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ) [ الأنفال : 61 ] فأما دعاؤهم إلى الصلح ابتداء ، فغير موجود في القرآن ، فيجوز توجيه قوله : "
ادخلوا في السلم " إلى ذلك .
قال
أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : فأي هذين الفريقين دعي إلى الإسلام كافة ؟
قيل : قد اختلف في تأويل ذلك .
فقال بعضهم : دعي إليه المؤمنون
بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وما جاء به .
وقال آخرون : قيل : دعي إليه المؤمنون بمن قبل
محمد صلى الله عليه وسلم من الأنبياء المكذبون
بمحمد .
فإن قال : فما وجه دعاء المؤمن
بمحمد وبما جاء به إلى الإسلام ؟
قيل : وجه دعائه إلى ذلك الأمر له بالعمل بجميع شرائعه ، وإقامة جميع أحكامه وحدوده ، دون تضييع بعضه والعمل ببعضه . وإذا كان ذلك معناه ، كان قوله : " كافة" من صفة"السلم" ، ويكون تأويله : ادخلوا في العمل بجميع معاني السلم ، ولا تضيعوا شيئا منه يا أهل الإيمان
بمحمد وما جاء به .
وبنحو هذا المعنى كان يقول
عكرمة في تأويل ذلك .
4016 - حدثنا
القاسم ، قال : حدثنا
الحسين ، قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
عكرمة قوله : "
ادخلوا في السلم كافة " ، قال : نزلت في
ثعلبة ، nindex.php?page=showalam&ids=106وعبد الله بن سلام وابن يامين وأسد وأسيد ابني
كعب وسعية بن عمرو [ ص: 256 ] وقيس بن زيد - كلهم من
يهود - قالوا : يا رسول الله ، يوم السبت يوم كنا نعظمه ، فدعنا فلنسبت فيه! وإن التوراة كتاب الله ، فدعنا فلنقم بها بالليل ! فنزلت : "
ياأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان "
فقد صرح
عكرمة بمعنى ما قلنا في ذلك من أن تأويل ذلك دعاء للمؤمنين إلى رفض جميع المعاني التي ليست من حكم الإسلام ، والعمل بجميع شرائع الإسلام ، والنهي عن تضييع شيء من حدوده .
وقال آخرون : بل الفريق الذي دعي إلى السلم فقيل لهم : "ادخلوا فيه" بهذه الآية هم
أهل الكتاب ، أمروا بالدخول في الإسلام .
ذكر من قال ذلك :
4017 - حدثنا
القاسم ، قال : حدثنا
الحسين ، قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال : قال
ابن عباس في قوله : "
ادخلوا في السلم كافة " ، يعني
أهل الكتاب .
4018 - حدثت عن
الحسين بن الفرج ، قال : سمعت
أبا معاذ الفضل بن خالد يقول : أخبرنا
عبيد بن سليمان ، قال : سمعت
الضحاك يقول في قول الله عز وجل : "
ادخلوا في السلم كافة " ، قال : يعني
أهل الكتاب .
قال
أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الله جل ثناؤه أمر الذين آمنوا بالدخول في العمل بشرائع الإسلام كلها ، وقد يدخل في"الذين آمنوا" المصدقون
بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وبما جاء به ، والمصدقون بمن قبله من الأنبياء والرسل ، وما جاءوا به ، وقد دعا الله عز وجل كلا الفريقين إلى العمل بشرائع الإسلام وحدوده ، والمحافظة على فرائضه التي فرضها ، ونهاهم عن تضييع
[ ص: 257 ] شيء من ذلك ، فالآية عامة لكل من شمله اسم"الإيمان" ، فلا وجه لخصوص بعض بها دون بعض .
وبمثل التأويل الذي قلنا في ذلك كان
مجاهد يقول .
4019 - حدثني
محمد بن عمرو ، قال : حدثنا
أبو عاصم ، عن
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله عز وجل : "
ادخلوا في السلم كافة " ، قال : ادخلوا في الإسلام كافة ، ادخلوا في الأعمال كافة .