[ ص: 283 ] القول في
تأويل قوله تعالى ( فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ( 213 ) )
قال
أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " فهدى الله ، فوفق [ الله ] الذين آمنوا وهم أهل الإيمان بالله وبرسوله
محمد صلى الله عليه وسلم المصدقين به وبما جاء به أنه من عند الله لما اختلف الذين أوتوا الكتاب فيه .
وكان اختلافهم الذي خذلهم الله فيه ، وهدى له الذين آمنوا
بمحمد صلى الله عليه وسلم فوفقهم لإصابته : "الجمعة" ، ضلوا عنها وقد فرضت عليهم كالذي فرض علينا ، فجعلوها"السبت" ، فقال صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=810148نحن الآخرون السابقون " ، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ، وأوتيناه من بعدهم ، وهذا اليوم الذي اختلفوا فيه ، فهدانا الله له فلليهود غدا وللنصارى بعد غد" .
4059 - حدثنا بذلك
محمد بن حميد ، قال : حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، عن
عياض بن دينار الليثي ، قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة يقول : قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم . فذكر الحديث .
4060 - حدثنا
الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
الأعمش ، عن
أبي صالح nindex.php?page=hadith&LINKID=810149عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : " فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه " [ ص: 284 ] قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : نحن الآخرون الأولون يوم القيامة ، نحن أول الناس دخولا الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ، فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه فهذا اليوم الذي هدانا الله له والناس لنا فيه تبع ، غدا اليهود ، وبعد غد للنصارى" .
وكان مما اختلفوا فيه أيضا ما قال
ابن زيد ، وهو ما : -
4061 - حدثني به
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
ابن زيد في قوله : "
فهدى الله الذين آمنوا " للإسلام ، واختلفوا في الصلاة ، فمنهم من يصلي إلى المشرق ، ومنهم من يصلي إلى
بيت المقدس ، فهدانا للقبلة .
واختلفوا في الصيام ، فمنهم من يصوم بعض يوم ، وبعضهم بعض ليلة ، وهدانا الله له . واختلفوا في يوم الجمعة ، فأخذت
اليهود السبت وأخذت
النصارى الأحد ، فهدانا الله له . واختلفوا في
إبراهيم ، فقالت
اليهود كان يهوديا ، وقالت
النصارى كان نصرانيا! فبرأه الله من ذلك ، وجعله حنيفا مسلما ، وما كان من المشركين للذين يدعونه من أهل الشرك . واختلفوا في
عيسى ، فجعلته
اليهود لفرية ، وجعلته
النصارى ربا ، فهدانا الله للحق فيه . فهذا الذي قال جل ثناؤه : "
فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه " .
قال
أبو جعفر : فكانت هداية الله جل ثناؤه الذين آمنوا
بمحمد ، وبما
[ ص: 285 ] جاء به لما اختلف - هؤلاء الأحزاب من
بنى إسرائيل الذين أوتوا الكتاب - فيه من الحق بإذنه أن وفقهم لإصابة ما كان عليه من الحق من كان قبل المختلفين الذين وصف الله صفتهم في هذه الآية ، إذ كانوا أمة واحدة ، وذلك هو دين
إبراهيم الحنيف المسلم خليل الرحمن ، فصاروا بذلك أمة وسطا ، كما وصفهم به ربهم ليكونوا شهداء على الناس . كما : -
4062 - حدثت عن
عمار بن الحسن ، قال : حدثنا
عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه عن
الربيع : "
فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه " ، فهداهم الله عند الاختلاف ، أنهم أقاموا على ما جاءت به الرسل قبل الاختلاف : أقاموا على الإخلاص لله وحده ، وعبادته لا شريك له ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، فأقاموا على الأمر الأول الذي كان قبل الاختلاف ، واعتزلوا الاختلاف ، فكانوا شهداء على الناس يوم القيامة ، كانوا شهداء على قوم
نوح ، وقوم
هود ، وقوم
صالح ، وقوم
شعيب ، وآل
فرعون ، أن رسلهم قد بلغوهم ، وأنهم كذبوا رسلهم . وهي في قراءة
أبي بن كعب : ( وليكونوا شهداء على الناس ) يوم القيامة (
والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) . فكان
أبو العالية يقول : في هذه الآية المخرج من الشبهات والضلالات والفتن .
4063 - حدثني
موسى بن هارون ، قال : حدثنا
عمرو بن حماد ، قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه " ، يقول : اختلف الكفار فيه ، فهدى الله الذين آمنوا للحق من ذلك; وهي في قراءة
ابن مسعود : " فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا عنه" ، عن الإسلام .
[ ص: 286 ]
قال
أبو جعفر : وأما قوله : " بإذنه" ، فإنه يعني جل ثناؤه بعلمه بما هداهم له ، وقد بينا معنى"الإذن" إذ كان بمعنى العلم في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته ههنا .
وأما قوله : "
والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " ، فإنه يعني به : والله يسدد من يشاء من خلقه ويرشده إلى الطريق القويم على الحق الذي لا اعوجاج فيه ، كما هدى الذين آمنوا
بمحمد صلى الله عليه وسلم ، لما اختلف الذين أوتوا الكتاب فيه بغيا بينهم ، فسددهم لإصابة الحق والصواب فيه .
قال
أبو جعفر : وفي هذه الآية البيان الواضح على صحة ما قاله أهل الحق : من أن كل نعمة على العباد في دينهم أو دنياهم ، فمن الله جل وعز .
فإن قال لنا قائل : وما معنى قوله : "
فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه " ؟ أهداهم للحق ، أم هداهم للاختلاف ؟ فإن كان هداهم للاختلاف فإنما أضلهم! وإن كان هداهم للحق ، فكيف قيل "
فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه " ؟
قيل : إن ذلك على غير الوجه الذي ذهبت إليه ، وإنما معنى ذلك : فهدى الله الذين آمنوا للحق فيما اختلف فيه من كتاب الله الذين أوتوه ، فكفر بتبديله بعضهم ، وثبت على الحق والصواب فيه بعضهم - وهم أهل التوراة الذين بدلوها - فهدى الله مما للحق بدلوا وحرفوا ، الذين آمنوا من أمة
محمد صلى الله عليه وسلم .
قال
أبو جعفر : فإن أشكل ما قلنا على ذي غفلة ، فقال وكيف يجوز أن يكون ذلك كما قلت ، و"من" إنما هي في كتاب الله في"الحق" و"اللام" في قوله : "
لما اختلفوا فيه " ، وأنت تحول"اللام" في"الحق" ، و"من" في"الاختلاف" ، في التأويل الذي تتأوله فتجعله مقلوبا ؟
[ ص: 287 ]
قيل : ذلك في كلام العرب موجود مستفيض ، والله تبارك وتعالى إنما خاطبهم بمنطقهم ، فمن ذلك قول الشاعر :
كانت فريضة ما تقول كما كان الزناء فريضة الرجم
وإنما الرجم فريضة الزنا . وكما قال الآخر :
إن سراجا لكريم مفخره تحلى به العين إذا ما تجهره
وإنما سراج الذي يحلى بالعين ، لا العين بسراج .
وقد قال بعضهم : إن معنى قوله"
فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق " ، أن أهل الكتب الأول اختلفوا ، فكفر بعضهم بكتاب بعض ، وهي كلها من عند الله ، فهدى الله أهل الإيمان
بمحمد للتصديق بجميعها .
وذلك قول ، غير أن الأول أصح القولين ؛ لأن الله إنما أخبر باختلافهم في كتاب واحد .