القول في تأويل قوله تعالى ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما )
قال
أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : يسألك أصحابك يا
محمد عن الخمر وشربها .
و" الخمر " كل شراب خمر العقل فستره وغطى عليه . وهو من قول القائل : " خمرت الإناء " إذا غطيته ، و" خمر الرجل " ، إذا دخل في الخمر . ويقال : " هو في خمار الناس وغمارهم " ، يراد به دخل في عرض الناس . ويقال للضبع : " خامري أم عامر " ، أي استتري . وما خامر العقل من داء وسكر فخالطه وغمره فهو " خمر " .
[ ص: 321 ] ومن ذلك أيضا " خمار المرأة " ، وذلك لأنها تستر [ به ] رأسها فتغطيه . ومنه يقال : " هو يمشي لك الخمر " ، أي مستخفيا ، كما قال
العجاج :
في لامع العقبان لا يأتي الخمر يوجه الأرض ويستاق الشجر
ويعني بقوله : " لا يأتي الخمر " لا يأتي مستخفيا ولا مسارقة ، ولكن ظاهرا برايات وجيوش . و" العقبان " جمع " عقاب " ، وهي الرايات .
وأما " الميسر " فإنها " المفعل " من قول القائل : " يسر لي هذا الأمر " ، إذا وجب لي " فهو ييسر لي يسرا وميسرا " و" الياسر " الواجب ، بقداح وجب ذلك ، أو فتاحة أو غير ذلك . ثم قيل للمقامر ، " ياسر ويسر " ، كما قال الشاعر :
فبت كأنني يسر غبين يقلب ، بعد ما اختلع ، القداحا
وكما قال
النابغة :
[ ص: 322 ] أو ياسر ذهب القداح بوفره أسف تآكله الصديق مخلع
يعني " بالياسر " : المقامر . وقيل للقمار " ميسر " .
وكان
مجاهد يقول نحو ما قلنا في ذلك .
4106 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد في قوله : "
يسألونك عن الخمر والميسر " قال : القمار ، وإنما سمي " الميسر " لقولهم : " أيسروا واجزروا " ، كقولك : ضع كذا وكذا .
4107 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
سفيان عن
ليث عن
مجاهد قال : كل
القمار من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز .
4108 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : حدثنا
عبد الرحمن قال : حدثنا
سفيان عن
nindex.php?page=showalam&ids=16490عبد الملك بن عمير عن
أبي الأحوص قال : قال
عبد الله : إياكم وهذه الكعاب الموسومة التي تزجرون بها زجرا ، فإنهن من الميسر .
4109 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال : حدثنا
محمد بن جعفر قال : حدثنا
شعبة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16490عبد الملك بن عمير عن
أبي الأحوص مثله .
4110 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال : حدثنا
محمد بن نافع قال : حدثنا
شعبة عن
nindex.php?page=showalam&ids=17347يزيد بن أبي زياد عن
أبي الأحوص عن
عبد الله أنه قال : إياكم وهذه الكعاب التي تزجرون بها زجرا ، فإنها من الميسر .
[ ص: 323 ]
4111 - حدثني
علي بن سعيد الكندي قال : حدثنا
علي بن مسهر عن
عاصم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين قال : القمار ميسر .
4112 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
أبو عامر قال : حدثنا
سفيان عن
عاصم الأحول عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين قال : كل شيء له خطر أو : في خطر ، أبو عامر شك ، فهو من الميسر .
4113 - حدثنا
الوليد بن شجاع أبو همام قال : حدثنا
علي بن مسهر عن
عاصم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين قال : كل قمار ميسر ، حتى اللعب بالنرد على القيام والصياح والريشة يجعلها الرجل في رأسه .
4114 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
جرير عن
عاصم عن
ابن سيرين قال : كل لعب فيه قمار من شرب أو صياح أو قيام ، فهو من الميسر .
4115 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا
خالد بن الحارث قال : حدثنا
الأشعث عن
الحسن أنه قال : الميسر القمار .
4116 - حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا
المعتمر عن
ليث عن
طاوس nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء قالا كل قمار فهو من الميسر ، حتى لعب الصبيان بالكعاب والجوز .
4117 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
حكام عن
عمرو عن
عطاء عن
سعيد قال : الميسر القمار .
4118 - حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا
هشيم قال : أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=16490عبد الملك بن عمير عن
أبي الأحوص عن
عبيد الله قال : إياكم وهاتين الكعبتين يزجر بهما زجرا ، فإنهما من الميسر .
4119 - حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية عن
ابن أبي [ ص: 324 ] عروبة عن
قتادة قال : أما قوله : " الميسر " ، فهو القمار كله .
4120 - حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا
ابن وهب قال : أخبرني
يحيى بن عبد الله بن سالم عن
عبيد الله بن عمر : أنه سمع
عمر بن عبيد الله يقول
nindex.php?page=showalam&ids=14946للقاسم بن محمد : النرد " ميسر " ، أرأيت الشطرنج ؟ ميسر هو ؟ فقال
القاسم : كل ما ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة فهو ميسر .
4121 - حدثني
علي بن داود قال : حدثنا
أبو صالح قال : حدثني
معاوية عن
علي عن
ابن عباس قال : الميسر القمار . كان الرجل في الجاهلية يخاطر على أهله وماله ، فأيهما قمر صاحبه ذهب بأهله وماله .
4122 - حدثني
موسى بن هارون قال : حدثنا
عمرو بن حماد قال : حدثنا
أسباط عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قال : الميسر القمار .
4123 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرازق قال : أخبرنا
معمر عن
قتادة قال : الميسر القمار .
4124 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرازق قال : أخبرنا
معمر عن
الليث عن
مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير قالا : الميسر القمار كله ، حتى الجوز الذي يلعب به الصبيان .
4125 - حدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ الفضل بن خالد قال : سمعت
عبيد الله بن سليمان يحدث ، عن
الضحاك قوله : " الميسر " ، قال : القمار .
4126 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد عن
قتادة قال : الميسر القمار .
4127 - حدثنا
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
أبو بدر شجاع [ ص: 325 ] بن الوليد قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة عن
نافع : أن
ابن عمر كان يقول : القمار من الميسر .
4128 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
مجاهد قال : الميسر ، قداح العرب وكعاب فارس قال : وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : وزعم
عطاء بن ميسرة : أن الميسر القمار كله .
4129 - حدثنا
ابن البرقي قال : حدثنا
عمرو بن أبي سلمة عن
سعيد بن عبد العزيز قال قال
مكحول : الميسر القمار .
4130 - حدثنا
الحسين بن محمد الذارع قال : حدثنا
الفضل بن سليمان nindex.php?page=showalam&ids=16092وشجاع بن الوليد عن
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة عن
نافع عن
ابن عمر قال : الميسر القمار .
وأما قوله : "
قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس " ، فإنه يعني بذلك جل ثناؤه : قل يا
محمد لهم : " فيهما " ، يعني في الخمر والميسر "
إثم كبير " ، فالإثم الكبير الذي فيهما ما ذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي فيما : -
4131 - حدثني به
موسى بن هارون قال : حدثنا
عمرو بن حماد قال : حدثنا
أسباط عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : أما قوله : "
فيهما إثم كبير " ، فإثم الخمر أن الرجل يشرب فيسكر فيؤذي الناس . وإثم الميسر أن يقامر الرجل فيمنع الحق ويظلم .
4132 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد : "
قل فيهما إثم كبير " ، قال : هذا أول ما عيبت به الخمر .
4133 - حدثني
علي بن داود قال : حدثنا
أبو صالح قال : حدثني
معاوية بن صالح عن
علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس قوله : "
قل فيهما إثم كبير " ، يعني ما ينقص من الدين عند من يشربها .
[ ص: 326 ]
قال
أبو جعفر : والذي هو أولى بتأويل " الإثم الكبير " الذي ذكر الله جل ثناؤه أنه في الخمر والميسر : في " الخمر " ما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : زوال عقل شارب الخمر إذا سكر من شربه إياها حتى يعزب عنه معرفة ربه ، وذلك أعظم الآثام . وذلك معنى قول
ابن عباس إن شاء الله . وأما في " الميسر " ، فما فيه من الشغل به عن ذكر الله وعن الصلاة ، ووقوع العداوة والبغضاء بين المتياسرين بسببه ، كما وصف ذلك به ربنا جل ثناؤه بقوله : (
إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة ) [ سورة المائدة : 91 ]
وأما قوله : "
ومنافع للناس " ، فإن منافع الخمر كانت أثمانها قبل تحريمها ، وما يصلون إليه بشربها من اللذة ، كما قال
الأعشى في صفتها .
لنا من ضحاها خبث نفس وكأبة وذكرى هموم ما تغب أذاتها
وعند العشاء طيب نفس ولذة ومال كثير ، عزة نشواتها
وكما قال
حسان :
[ ص: 327 ] فنشربها فتتركنا ملوكا وأسدا ، ما ينهنهنا اللقاء
وأما منافع الميسر ، فما يصيبون فيه من أنصباء الجزور . وذلك أنهم كانوا يياسرون على الجزور ، وإذا أفلج الرجل منهم صاحبه نحره ، ثم اقتسموا أعشارا على عدد القداح ، وفي ذلك يقول
أعشى بني ثعلبة :
وجزور أيسار دعوت إلى الندى ونياط مقفرة أخاف ضلالها
[ ص: 328 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
4134 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد قال : المنافع ههنا ما يصيبون من الجزور .
4135 - حدثني
موسى بن هارون قال : حدثنا
عمرو بن حماد قال : حدثنا
أسباط عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : أما منافعهما ، فإن منفعة الخمر في لذته وثمنه ، ومنفعة الميسر فيما يصاب من القمار .
4136 - حدثنا
أبو هشام الرفاعي قال حدثنا
ابن أبي زائدة عن
ورقاء عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد : "
قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس " ، قال : منافعهما قبل أن يحرما .
4137 - حدثنا
علي بن داود قال : حدثنا
أبو صالح قال : حدثني
معاوية عن
علي عن
ابن عباس : "
ومنافع للناس " ، قال : يقول فيما يصيبون من لذتها وفرحها إذا شربوها .
واختلف القرأة في قراءة ذلك :
فقرأه عظم
أهل المدينة وبعض
الكوفيين والبصريين : "
قل فيهما إثم كبير " بالباء ، بمعنى قل : في شرب هذه ، والقمار هذا كبير من الآثام .
وقرأه آخرون من أهل المصرين
البصرة والكوفة : " قل فيهما إثم كثير " ، بمعنى الكثرة من الآثام . وكأنهم رأوا أن " الإثم " بمعنى " الآثام " ، وإن كان في اللفظ واحدا ، فوصفوه بمعناه من الكثرة .
[ ص: 329 ]
قال
أبو جعفر : وأولى القراءتين في ذلك بالصواب قراءة من قرأه " بالباء " : "
قل فيهما إثم كبير " ، لإجماع جميعهم على قوله : "
وإثمهما أكبر من نفعهما " ، وقراءته بالباء . وفي ذلك دلالة بينة على أن الذي وصف به الإثم الأول من ذلك ، هو العظم والكبر ، لا الكثرة في العدد . ولو كان الذي وصف به من ذلك الكثرة ، لقيل : وإثمهما أكثر من نفعهما .