القول في تأويل قوله تعالى ( وقدموا لأنفسكم )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى ذلك :
فقال بعضهم : معنى ذلك : قدموا لأنفسكم الخير .
ذكر من قال ذلك :
[ ص: 417 ]
4349 - حدثني
موسى قال : حدثنا
عمرو قال : حدثنا
أسباط عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : أما قوله : "
وقدموا لأنفسكم " ، فالخير .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وقدموا لأنفسكم ذكر الله عند الجماع وإتيان الحرث قبل إتيانه .
ذكر من قال ذلك :
4350 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
محمد بن كثير عن
عبد الله بن واقد عن
عطاء - قال : أراه عن
ابن عباس : - "
وقدموا لأنفسكم " ، قال : يقول : " بسم الله " ،
التسمية عند الجماع .
قال
أبو جعفر : والذي هو أولى بتأويل الآية ما روينا عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي وهو أن قوله : "
وقدموا لأنفسكم " أمر من الله تعالى ذكره عباده بتقديم الخير والصالح من الأعمال ليوم معادهم إلى ربهم ، عدة منهم ذلك لأنفسهم عند لقائه في موقف الحساب ، فإنه قال تعالى ذكره : (
وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله ) [ سورة البقرة : 110 \ وسورة المزمل : 20 ] .
[ ص: 418 ]
وإنما قلنا : ذلك أولى بتأويل الآية ، لأن الله تعالى ذكره عقب قوله : "
وقدموا لأنفسكم " بالأمر باتقائه في ركوب معاصيه . فكان الذي هو أولى بأن يكون قبل التهدد على المعصية - إذ كان التهدد على المعصية عاما - الأمر بالطاعة عاما .
فإن قال لنا قائل : وما وجه الأمر بالطاعة بقوله : "
وقدموا لأنفسكم " ، من قوله : "
نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " ؟
قيل : إن ذلك لم يقصد به ما توهمته : وإنما عنى به : وقدموا لأنفسكم من الخيرات التي ندبناكم إليها بقولنا : "
يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين " ، وما بعده من سائر ما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجيبوا عنه ، مما ذكره الله تعالى ذكره في هذه الآيات . ثم قال تعالى ذكره : قد بينا لكم ما فيه رشدكم وهدايتكم إلى ما يرضي ربكم عنكم ، فقدموا لأنفسكم الخير الذي أمركم به ، واتخذوا عنده به عهدا ، لتجدوه لديه إذا لقيتموه في معادكم واتقوه في معاصيه أن تقربوها ، وفي حدوده أن تضيعوها ، واعلموا أنكم لا محالة ملاقوه في معادكم ، فمجاز المحسن منكم بإحسانه ، والمسيء بإساءته .