القول في تأويل قوله تعالى ( ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : "
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " .
فقال بعضهم : معناه : ولا تجعلوه علة لأيمانكم ، وذلك إذا سئل أحدكم الشيء من الخير والإصلاح بين الناس قال : " علي يمين بالله أن لا أفعل ذلك " - أو" قد حلفت بالله أن لا أفعله " ، فيعتل في تركه فعل الخير والإصلاح بين الناس بالحلف بالله .
ذكر من قال ذلك :
[ ص: 420 ]
4351 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال أخبرنا
عبد الرزاق قال أخبرنا
معمر عن
ابن طاوس عن أبيه : "
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " ، قال : هو الرجل يحلف على الأمر الذي لا يصلح ، ثم يعتل بيمينه ، يقول الله : "
أن تبروا وتتقوا " هو خير له من أن يمضي على ما لا يصلح ، وإن حلفت كفرت عن يمينك وفعلت الذي هو خير لك .
4352 - حدثنا
المثنى قال : حدثنا
سويد بن نصر قال : أخبرنا
ابن المبارك عن
معمر عن
ابن طاوس عن أبيه مثله إلا أنه قال : وإن حلفت فكفر عن يمينك ، وافعل الذي هو خير .
4353 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
عبيد الله عن
إسرائيل عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي عمن حدثه عن
ابن عباس في قوله : "
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس " ، قال : هو أن يحلف الرجل أن لا يكلم قرابته ولا يتصدق ، أو أن يكون بينه وبين إنسان مغاضبة فيحلف لا يصلح بينهما ويقول : " قد حلفت " . قال : يكفر عن يمينه : "
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " .
4354 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع قال : حدثنا
سعيد عن
قتادة قوله : "
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا " ، يقول : لا تعتلوا بالله ، أن يقول أحدكم إنه تألى أن لا يصل رحما ، ولا يسعى في صلاح ، ولا يتصدق من ماله . مهلا مهلا بارك الله فيكم ، فإن هذا القرآن إنما جاء بترك أمر الشيطان ، فلا تطيعوه ، ولا تنفذوا له أمرا في شيء من نذروكم ولا أيمانكم .
4355 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : حدثنا
ابن مهدي قال : حدثنا
سفيان عن
أبي حصين عن
سعيد بن جبير : "
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " ، قال : هو الرجل يحلف لا يصلح بين الناس ولا يبر ، فإذا قيل له ، قال : " قد حلفت " .
[ ص: 421 ]
4356 - حدثني
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال سألت
عطاء عن قوله : "
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس " ، قال : الإنسان يحلف أن لا يصنع الخير ، الأمر الحسن ، يقول : " حلفت " ! قال الله : افعل الذي هو خير وكفر عن يمينك ، ولا تجعل الله عرضة .
4357 - حدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ قال : أخبرنا
عبيد بن سليمان قال سمعت
الضحاك يقول في قوله : "
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " الآية : هو الرجل يحرم ما أحل الله له على نفسه ، فيقول : " قد حلفت! فلا يصلح إلا أن أبر يميني " ، فأمرهم الله أن يكفروا أيمانهم ويأتوا الحلال .
4358 - حدثنا
موسى قال : حدثنا
عمرو قال : حدثنا
أسباط عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس " ، أما " عرضة " ، فيعرض بينك وبين الرجل الأمر ، فتحلف بالله لا تكلمه ولا تصله . وأما " تبروا " ، فالرجل يحلف لا يبر ذا رحمه فيقول : " قد حلفت! " ، فأمر الله أن لا يعرض بيمينه بينه وبين ذي رحمه ، وليبره ، ولا يبالي بيمينه . وأما " تصلحوا " ، فالرجل يصلح بين الاثنين فيعصيانه ، فيحلف أن لا يصلح بينهما ، فينبغي له أن يصلح ولا يبالي بيمينه . وهذا قبل أن تنزل الكفارات .
4359 - حدثنا
المثنى قال : حدثنا
سويد قال : أخبرنا
ابن المبارك عن
هشيم عن
مغيرة عن
إبراهيم في قوله : "
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " ، قال : يحلف أن لا يتقي الله ، ولا يصل رحمه ، ولا يصلح بين اثنين ، فلا يمنعه يمينه .
[ ص: 422 ]
وقال آخرون : معنى ذلك : ولا تعترضوا بالحلف بالله في كلامكم فيما بينكم ، فتجعلوا ذلك حجة لأنفسكم في ترك فعل الخير .
ذكر من قال ذلك :
4360 - حدثني
المثنى بن إبراهيم قال : حدثنا
أبو صالح قال : حدثني
معاوية عن
علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس قوله : "
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " ، يقول : لا تجعلني عرضة ليمينك أن لا تصنع الخير ، ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير .
4361 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن
ابن عباس قوله : "
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس " ، كان الرجل يحلف على الشيء من البر والتقوى لا يفعله ، فنهى الله عز وجل عن ذلك فقال : "
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا " .
4362 - حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا
هشيم قال : أخبرنا
مغيرة عن
إبراهيم في قوله : "
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " ، قال : هو الرجل يحلف أن لا يبر قرابته ، ولا يصل رحمه ، ولا يصلح بين اثنين . يقول : فليفعل ، وليكفر عن يمينه .
4363 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
جرير عن
مغيرة عن
محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي في قوله : "
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس " ، قال : لا تحلف أن لا تتقي الله ، ولا تحلف أن لا تبر ولا تعمل خيرا ، ولا تحلف أن لا تصل ، ولا تحلف أن لا تصلح بين الناس ، ولا تحلف أن تقتل وتقطع .
4364 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16715عمرو بن عون قال : أخبرنا
هشيم عن
داود عن
سعيد بن جبير ومغيرة عن
إبراهيم في قوله : "
ولا تجعلوا الله عرضة "
[ ص: 423 ] الآية ، قالا هو الرجل يحلف أن لا يبر ، ولا يتقي ، ولا يصلح بين الناس . وأمر أن يتقي الله ، ويصلح بين الناس ، ويكفر عن يمينه .
4365 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم عن
عيسى وحدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد في قوله : "
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " ، فأمروا بالصلة والمعروف والإصلاح بين الناس . فإن حلف حالف أن لا يفعل ذلك فليفعله ، وليدع يمينه .
4366 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
ابن أبي جعفر عن أبيه عن
الربيع في قوله : "
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " الآية ، قال : ذلك في الرجل يحلف أن لا يبر ، ولا يصل رحمه ، ولا يصلح بين الناس . فأمره الله أن يدع يمينه ، ويصل رحمه ، ويأمر بالمعروف ، ويصلح بين الناس .
4367 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
محمد بن حرب قال : حدثنا
ابن لهيعة عن
أبي الأسود عن
عروة عن
عائشة في قوله : "
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس " ، قالت : لا تحلفوا بالله وإن بررتم .
4368 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : حدثت أن قوله : "
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " ، الآية ، نزلت في أبي بكر ، في شأن مسطح .
4369 - حدثنا
هناد قال : حدثنا
ابن فضيل عن
مغيرة عن
إبراهيم قوله : "
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " الآية ، قال : يحلف الرجل أن لا يأمر بالمعروف ، ولا ينهى عن المنكر ، ولا يصل رحمه .
[ ص: 424 ]
4370 - حدثني
المثنى حدثنا
سويد أخبرنا
ابن المبارك عن
هشيم عن
المغيرة عن
إبراهيم في قوله : "
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " ، قال : يحلف أن لا يتقي الله ، ولا يصل رحمه ، ولا يصلح بين اثنين . فلا يمنعه يمينه .
4371 - حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=12613ابن عبد الرحيم البرقي قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16697عمرو بن أبى سلمة عن
سعيد عن
مكحول أنه قال في قول الله تعالى ذكره : "
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " ، قال : هو أن يحلف الرجل أن لا يصنع خيرا ، ولا يصل رحمه ، ولا يصلح بين الناس . نهاهم الله عن ذلك .
قال
أبو جعفر : وأولى التأويلين بالآية ، تأويل من قال : معنى ذلك : " لا تجعلوا الحلف بالله حجة لكم في ترك فعل الخير فيما بينكم وبين الله وبين الناس " .
وذلك أن " العرضة " ، في كلام العرب ، القوة والشدة . يقال منه : " هذا الأمر عرضة لك " يعني بذلك : قوة لك على أسبابك ، ويقال : " فلانة عرضة للنكاح " ، أي قوة ، ومنه قول
كعب بن زهير في صفة نوق :
من كل نضاحة الذفرى إذا عرقت عرضتها طامس الأعلام مجهول
يعني ب " عرضتها " : قوتها وشدتها .
[ ص: 425 ]
فمعنى قوله تعالى ذكره : "
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " إذا : لا تجعلوا الله قوة لأيمانكم في أن لا تبروا ولا تتقوا ولا تصلحوا بين الناس . ولكن إذا حلف أحدكم فرأى الذي هو خير مما حلف عليه من ترك البر والإصلاح بين الناس ، فليحنث في يمينه ، وليبر ، وليتق الله ، وليصلح بين الناس ، وليكفر عن يمينه .
وترك ذكر " لا " من الكلام ، لدلالة الكلام عليها ، واكتفاء بما ذكر عما ترك ، كما قال
امرؤ القيس :
فقلت يمين الله أبرح قاعدا
ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
بمعنى : فقلت : يمين الله لا أبرح ، فحذف " لا " ، اكتفاء بدلالة الكلام عليها .
وأما قوله : "
أن تبروا " ، فإنه اختلف في تأويل " البر " الذي عناه الله تعالى ذكره .
فقال بعضهم : هو فعل الخير كله . وقال آخرون : هو البر بذي رحمه ، وقد ذكرت قائلي ذلك فيما مضى .
وأولى ذلك بالصواب قول من قال : " عني به فعل الخير كله " . وذلك أن أفعال الخير كلها من " البر " ، ولم يخصص الله في قوله : "
أن تبروا " معنى دون معنى من معاني " البر " ، فهو على عمومه ، والبر بذوي القرابة أحد معاني " البر " .
وأما قوله : " وتتقوا " ، فإن معناه : أن تتقوا ربكم فتحذروه وتحذروا عقابه في
[ ص: 426 ] فرائضه وحدوده أن تضيعوها أو تتعدوها . وقد ذكرنا تأويل من تأول ذلك أنه بمعنى " التقوى " قبل .
وقال آخرون في تأويله بما : -
4372 - حدثني به
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن
ابن عباس في قوله : "
أن تبروا وتتقوا " قال : كان الرجل يحلف على الشيء من البر والتقوى لا يفعله ، فنهى الله عز وجل عن ذلك فقال : "
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس " الآية . قال : ويقال : لا يتق بعضكم بعضا بي ، تحلفون بي وأنتم كاذبون ليصدقكم الناس ، وتصلحون بينهم ، فذلك قوله : "
أن تبروا وتتقوا " ، الآية .
وأما قوله : "
وتصلحوا بين الناس " ، فهو الإصلاح بينهم بالمعروف فيما لا مأثم فيه ، وفيما يحبه الله دون ما يكرهه .
وأما الذي ذكرنا عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : من أن هذه الآية نزلت قبل نزول كفارات الأيمان ، فقول لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة . والخبر عما كان ، لا تدرك صحته إلا بخبر صادق ، وإلا كان دعوى لا يتعذر مثلها وخلافها على أحد .
وغير محال أن تكون هذه الآية نزلت بعد بيان كفارات الأيمان في " سوره المائدة " ، واكتفى بذكرها هناك عن إعادتها ههنا ، إذ كان المخاطبون بهذه الآية قد علموا الواجب من الكفارات في الأيمان التي يحنث فيها الحالف .