القول في تأويل
قوله تعالى ( تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ( 229 ) )
قال
أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : تلك معالم فصوله ، بين ما أحل لكم ، وما حرم عليكم أيها الناس ، فلا تعتدوا ما أحل لكم من الأمور التي بينها وفصلها لكم من الحلال ، إلى ما حرم عليكم ، فتجاوزوا طاعته إلى معصيته .
[ ص: 584 ]
وإنما عنى تعالى ذكره بقوله :
تلك حدود الله فلا تعتدوها ، هذه الأشياء التي بينت لكم في هذه الآيات التي مضت : من نكاح المشركات الوثنيات ، وإنكاح المشركين المسلمات ، وإتيان النساء في المحيض ، وما قد بين في الآيات الماضية قبل قوله :
تلك حدود الله ، مما أحل لعباده وحرم عليهم ، وما أمر ونهى .
ثم قال لهم تعالى ذكره : هذه الأشياء - التي بينت لكم حلالها من حرامها - " حدودي " يعني به : معالم فصول ما بين طاعتي ومعصيتي ، فلا تعتدوها ، يقول : فلا تتجاوزوا ما أحللته لكم إلى ما حرمته عليكم ، وما أمرتكم به إلى ما نهيتكم عنه ، ولا طاعتي إلى معصيتي ، فإن من تعدى ذلك - يعني : من تخطاه وتجاوزه إلى ما حرمت عليه أو نهيته - فإنه هو الظالم وهو الذي فعل ما ليس له فعله ، ووضع الشيء في غير موضعه . وقد دللنا فيما مضى على معنى " الظلم " وأصله بشواهده الدالة على معناه ، فكرهنا إعادته في هذا الموضع .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن خالفت ألفاظ تأويلهم ألفاظ تأويلنا ، غير أن معنى ما قالوا في ذلك [ يؤول ] إلى معنى ما قلنا فيه .
ذكر من قال ذلك :
4879 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن
ابن عباس قوله : "
تلك حدود الله فلا تعتدوها " يعني بالحدود : الطاعة .
4880 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
أبو زهير عن
جويبر عن
الضحاك في قوله : "
تلك حدود الله فلا تعتدوها " يقول : من
[ ص: 585 ] طلق لغير العدة فقد اعتدى وظلم نفسه "
ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون " .
قال
أبو جعفر : وهذا الذي ذكر عن
الضحاك لا معنى له في هذا الموضع ، لأنه لم يجر للطلاق في العدة ذكر ، فيقال : " تلك حدود الله " ، وإنما جرى ذكر العدد الذي يكون للمطلق فيه الرجعة ، والذي لا يكون له فيه الرجعة دون ذكر البيان عن الطلاق للعدة .