[ ص: 45 ] القول في تأويل
قوله تعالى ( لا تكلف نفس إلا وسعها )
قال
أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بذلك : لا تحمل نفس من الأمور إلا ما لا يضيق عليها ، ولا يتعذر عليها وجوده إذا أرادت . وإنما عنى الله - تعالى ذكره - بذلك : لا يوجب الله على الرجال من نفقة من أرضع أولادهم من نسائهم البائنات منهم ، إلا ما أطاقوه ووجدوا إليه السبيل ، كما قال - تعالى ذكره - : (
لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله ) [ سورة الطلاق : 7 ] ، كما : -
4973 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
مهران وحدثني
علي قال : حدثنا
زيد جميعا ، عن
سفيان : "
لا تكلف نفس إلا وسعها " إلا ما أطاقت .
" والوسع " " الفعل " من قول القائل : " وسعني هذا الأمر فهو يسعني سعة " - ويقال : " هذا الذي أعطيتك وسعي " أي : ما يتسع لي أن أعطيك ، فلا يضيق علي إعطاؤكه و " أعطيتك من جهدي " إذا أعطيته ما يجهدك فيضيق عليك إعطاؤه .
فمعنى قوله : "
لا تكلف نفس إلا وسعها " هو ما وصفت : من أنها لا تكلف إلا ما يتسع لها بذل ما كلفت بذله ، فلا يضيق عليها ولا يجهدها لا ما ظنه جهلة أهل القدر من أن معناه : لا تكلف نفس إلا ما قد أعطيت عليه القدرة من الطاعات . لأن ذلك لو كان كما زعمت ، لكان قوله - تعالى ذكره - : (
انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ) [ سورة الإسراء : 48 وسورة الفرقان : 9 ] ، إذا كان دالا على أنهم غير مستطيعي السبيل إلى ما كلفوه واجبا أن يكون القوم في حال واحدة ، قد أعطوا الاستطاعة على
[ ص: 46 ] ما منعوها عليه . وذلك من قائله إن قاله ، إحالة في كلامه ، ودعوى باطل لا يخيل بطوله . وإذ كان بينا فساد هذا القول ، فمعلوم أن الذي أخبر - تعالى ذكره - أنه كلف النفوس من وسعها ، غير الذي أخبر أنه كلفها مما لا تستطيع إليه السبيل .