[ ص: 77 ] القول في تأويل
قوله تعالى ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا )
قال
أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بذلك : والذين يتوفون منكم ، من الرجال ، أيها الناس ، فيموتون ، ويذرون أزواجا ، يتربص أزواجهن بأنفسهن .
فإن قال قائل : فأين الخبر عن " الذين يتوفون " ؟
قيل : متروك ، لأنه لم يقصد قصد الخبر عنهم ، وإنما قصد قصد الخبر عن الواجب على المعتدات من العدة في وفاة أزواجهن ، فصرف الخبر عن الذين ابتدأ بذكرهم من الأموات ، إلى الخبر عن أزواجهم والواجب عليهن من العدة ، إذ كان معروفا مفهوما معنى ما أريد بالكلام . وهو نظير قول القائل في الكلام : " بعض جبتك متخرقة " في ترك الخبر عما ابتدئ به الكلام ، إلى الخبر عن بعض أسبابه . وكذلك الأزواج اللواتي عليهن التربص ، لما كان إنما ألزمهن التربص بأسباب أزواجهن ، صرف الكلام عن خبر من ابتدئ بذكره ، إلى الخبر عمن قصد قصد الخبر عنه ، كما قال الشاعر :
لعلي إن مالت بي الريح ميلة على ابن أبي ذبان أن يتندما
[ ص: 78 ] فقال " لعلي " ثم قال : " أن يتندما " لأن معنى الكلام : لعل
ابن أبي ذبان أن يتندم ، إن مالت بي الريح ميلة عليه فرجع بالخبر إلى الذي أراد به ، وإن كان قد ابتدأ بذكر غيره . ومنه قول الشاعر :
ألم تعلموا أن ابن قيس وقتله بغير دم ، دار المذلة حلت
فألغى "
ابن قيس " وقد ابتدأ بذكره ، وأخبر عن قتله أنه ذل .
وقد زعم بعض أهل العربية أن خبر " الذين يتوفون " متروك ، وأن معنى الكلام : والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ، ينبغي لهن أن يتربصن بعد موتهم . وزعم أنه لم يذكر " موتهم " كما يحذف بعض الكلام - وأن " يتربصن " رفع ، إذ وقع موقع " ينبغي " و " ينبغي " رفع . وقد دللنا على فساد قول من قال في رفع " يتربصن "
[ ص: 79 ] بوقوعه موقع " ينبغي " فيما مضى ، فأغنى عن إعادته .
وقال آخر منهم : إنما لم يذكر " الذين " بشيء ، لأنه صار الذين في خبرهم مثل تأويل الجزاء : " من يلقك منا تصب خيرا " الذي يلقاك منا تصيب خيرا . قال : ولا يجوز هذا إلا على معنى الجزاء .
قال
أبو جعفر : وفي البيتين اللذين ذكرناهما الدلالة الواضحة على القول في ذلك بخلاف ما قالا .
قال أبو جعفر : وأما قوله : " يتربصن بأنفسهن " فإنه يعني به : يحتبسن بأنفسهن معتدات عن الأزواج ، والطيب ، والزينة ، والنقلة عن المسكن الذي كن يسكنه في حياة أزواجهن - أربعة أشهر وعشرا ، إلا أن يكن حوامل ، فيكون عليهن من التربص كذلك إلى حين وضع حملهن . فإذا وضعن حملهن ، انقضت عددهن حينئذ .
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك :
فقال بعضهم مثل ما قلنا فيه :
5071 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو صالح قال : حدثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس : "
والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا " فهذه عدة المتوفى عنها زوجها ، إلا أن تكون حاملا فعدتها أن تضع ما في بطنها .
[ ص: 80 ] 5072 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عبد الله بن صالح قال : حدثني
الليث قال : حدثني
عقيل ، عن
ابن شهاب في قول الله : "
والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا " قال
ابن شهاب : جعل الله هذه العدة للمتوفى عنها زوجها ، فإن كانت حاملا فيحلها من عدتها أن تضع حملها ، وإن استأخر فوق الأربعة الأشهر والعشرة فما استأخر ، لا يحلها إلا أن تضع حملها .
قال
أبو جعفر : وإنما قلنا : عنى ب " التربص " ما وصفنا ، لتظاهر الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما : -
5073 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع وأبو أسامة ، عن
شعبة وحدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : حدثنا
محمد بن جعفر ، عن
شعبة ، عن
حميد بن نافع قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=170زينب ابنة أم سلمة تحدث : قال
أبو كريب : قال
أبو أسامة : عن
أم سلمة أن امرأة توفي عنها زوجها واشتكت عينها ، فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - تستفتيه في
الكحل ، فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811318لقد كانت إحداكن تكون في الجاهلية في شر أحلاسها ، فتمكث في بيتها حولا إذا توفي عنها زوجها ، فيمر عليها الكلب فترميه بالبعرة! أفلا أربعة أشهر وعشرا " ! .
[ ص: 81 ] 5074 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : حدثنا
عبد الوهاب قال : سمعت
يحيى بن سعيد قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافعا ، عن
صفية ابنة أبي عبيد : أنها سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة ابنة عمر زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - تحدث ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810187لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث ، إلا على زوج ، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا " قال
يحيى : والإحداد عندنا أن لا تطيب ولا تلبس ثوبا مصبوغا بورس ولا زعفران ، ولا تكتحل ، ولا تزين .
[ ص: 82 ] 5075 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
يزيد قال : أخبرنا
يحيى ، عن
نافع ، عن
صفية ابنة أبي عبيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة ابنة عمر : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810188لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ، إلا على زوج .
5076 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
عبد الوهاب قال : سمعت
يحيى بن سعيد يقول ، أخبرني
حميد بن نافع : أن
nindex.php?page=showalam&ids=170زينب ابنة أم سلمة أخبرته ، عن
أم سلمة - أو
أم حبيبة - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت أن ابنتها توفي عنها زوجها ، وأنها قد خافت على عينها فزعم
حميد عن
زينب : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810189قد كانت إحداكن ترمي بالبعرة على رأس الحول ، وإنما هي أربعة أشهر وعشر . .
[ ص: 83 ] 5077 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون قال : أخبرنا
يحيى بن سعيد ، عن
حميد بن نافع : أنه سمع
nindex.php?page=showalam&ids=170زينب ابنة أم سلمة ، تحدث عن
أم حبيبة أو
أم سلمة أنها ذكرت : أن امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - قد توفي عنها زوجها ، وقد اشتكت عينها ، وهي تريد أن تكحل عينها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810190قد كانت إحداكن ترمي بالبعرة بعد الحول ، وإنما هي أربعة أشهر وعشر قال
ابن بشار ، قال
يزيد ، قال
يحيى : فسألت
حميدا عن رميها بالبعرة ، قال : كانت المرأة في الجاهلية إذا توفي عنها زوجها ، عمدت إلى شر بيتها فقعدت فيه حولا فإذا مرت بها سنة ألقت بعرة وراءها .
5078 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
شعبة ، عن
يحيى ، عن
حميد بن نافع بهذا الإسناد مثله
[ ص: 84 ] 5079 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
ابن إدريس قال : حدثنا
ابن عيينة ، عن
أيوب بن موسى ويحيى بن سعيد ، عن
حميد بن نافع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=170زينب ابنة أم سلمة ، عن
أم سلمة : أن امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : إن ابنتي مات زوجها فاشتكت عينها ، أفتكتحل؟ فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810191قد كانت إحداكن ترمي بالبعرة على رأس الحول ، وإنما هي الآن أربعة أشهر وعشر ! قال : قلت : وما " ترمي بالبعرة على رأس الحول " ؟ قال : كان نساء الجاهلية إذا مات زوج إحداهن ، لبست أطمار ثيابها ، وجلست في أخس بيوتها ، فإذا حال عليها الحول أخذت بعرة فدحرجتها على ظهر حمار وقالت : قد حللت!
5080 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12297أحمد بن يونس قال : حدثنا
زهير بن معاوية قال : حدثنا
يحيى بن سعيد ، عن
حميد بن نافع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=170زينب ابنة أم سلمة ، عن أمها
أم سلمة nindex.php?page=showalam&ids=10583وأم حبيبة زوجي النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن امرأة من قريش جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : إن ابنتي توفي عنها زوجها ، وقد خفت على عينها ، وهي تريد الكحل؟ قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810189قد كانت إحداكن ترمي بالبعرة على رأس الحول! وإنما هي أربعة أشهر وعشر ! قال
حميد : فقلت
لزينب : وما رأس الحول؟ قالت
زينب : كانت المرأة في الجاهلية إذا هلك زوجها ، عمدت إلى أشر بيت لها
[ ص: 85 ] فجلست فيه ، حتى إذا مرت بها سنة خرجت ، ثم رمت ببعرة وراءها .
5081 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
ابن المبارك ، عن
معمر ، عن
الزهري ، عن
عروة عن
عائشة : أنها كانت تفتي المتوفى عنها زوجها ، أن تحد على زوجها حتى تنقضي عدتها ، ولا تلبس ثوبا مصبوغا ولا معصفرا ، ولا تكتحل بالإثمد ، ولا بكحل فيه طيب وإن وجعت عينها ، ولكن تكتحل بالصبر وما بدا لها من الأكحال سوى الإثمد مما ليس فيه طيب ، ولا تلبس حليا ، وتلبس البياض ولا تلبس السواد .
5082 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
مؤمل قال : حدثنا
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة ، عن
نافع ، عن
ابن عمر في المتوفى عنها زوجها : لا تكتحل ، ولا تطيب ، ولا تبيت عن بيتها ، ولا تلبس ثوبا مصبوغا ، إلا ثوب عصب تجلبب به .
[ ص: 86 ] 5083 - حدثنا
حميد بن مسعدة قال : حدثنا
سفيان قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
عطاء قال : بلغني عن
ابن عباس قال :
تنهى المتوفى عنها زوجها أن تزين وتطيب .
5084 - حدثنا
نصر بن علي قال : حدثنا
عبد الأعلى قال : حدثنا
عبيد الله ، عن
نافع ، عن
ابن عمر قال : إن المتوفى عنها زوجها لا تلبس ثوبا مصبوغا ، ولا تمس طيبا ، ولا تكتحل ، ولا تمتشط ، وكان لا يرى بأسا أن تلبس البرد .
وقال آخرون : إنما أمرت المتوفى عنها زوجها أن تربص بنفسها عن الأزواج خاصة ، فأما عن الطيب والزينة والمبيت عن المنزل ، فلم تنه عن ذلك ، ولم تؤمر بالتربص بنفسها عنه .
ذكر من قال ذلك :
5085 - حدثنا
يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
يونس ، عن
الحسن : أنه كان يرخص في التزين والتصنع ، ولا يرى الإحداد شيئا .
5086 - حدثنا
حميد بن مسعدة قال : حدثنا
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
عطاء ، عن
ابن عباس : "
والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا " لم يقل تعتد في بيتها ، تعتد حيث شاءت .
5087 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
إسماعيل قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
عطاء قال : قال
ابن عباس : إنما قال الله : "
والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا " ولم يقل تعتد في بيتها ، فلتعتد حيث شاءت .
واعتل قائلو هذه المقالة بأن الله - تعالى ذكره - إنما أمر المتوفى عنها بالتربص عن النكاح ، وجعلوا حكم الآية على الخصوص وبما : -
[ ص: 87 ] 5088 - حدثني به
محمد بن إبراهيم السلمي قال : حدثنا
أبو عاصم ، وحدثني
محمد بن معمر البحراني قال : حدثنا
أبو عامر قالا جميعا ، حدثنا
محمد بن طلحة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14152الحكم بن عتيبة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16439عبد الله بن شداد بن الهاد ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=810192عن nindex.php?page=showalam&ids=116أسماء بنت عميس قالت : لما أصيب جعفر قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : تسلبي ثلاثا ، ثم اصنعي ما شئت .
[ ص: 88 ] 5089 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
أبو نعيم وابن الصلت ، عن
محمد بن طلحة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14152الحكم بن عتيبة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16439عبد الله بن شداد ، عن
أسماء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثله .
قالوا : فقد بين هذا الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن لا إحداد على المتوفى عنها زوجها ، وأن القول في تأويل قوله : "
يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا " إنما هو يتربصن بأنفسهن عن الأزواج دون غيره .
قال
أبو جعفر : وأما الذين أوجبوا الإحداد على المتوفى عنها زوجها ، وترك النقلة عن منزلها الذي كانت تسكنه يوم توفي عنها زوجها ، فإنهم اعتلوا بظاهر
[ ص: 89 ] التنزيل ، وقالوا : أمر الله المتوفى عنها أن تربص بنفسها أربعة أشهر وعشرا ، فلم يأمرها بالتربص بشيء مسمى في التنزيل بعينه ، بل عم بذلك معاني التربص . قالوا : فالواجب عليها أن تربص بنفسها عن كل شيء ، إلا ما أطلقته لها حجة يجب التسليم لها . قالوا : فالتربص عن الطيب والزينة والنقلة ، مما هو داخل في عموم الآية ، كما التربص عن الأزواج داخل فيها . قالوا : وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخبر بالذي قلنا في الزينة والطيب ، أما في النقلة فإن : -
5090 -
أبا كريب حدثنا قال : حدثنا
يونس بن محمد ، عن
فليح بن سليمان ، عن
سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، عن عمته ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=811988عن الفريعة ابنة مالك ، أخت أبي سعيد الخدري ، قالت : قتل زوجي وأنا في دار ، فاستأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النقلة ، فأذن لي . ثم ناداني بعد أن توليت ، فرجعت إليه ، فقال : يا فريعة ، حتى يبلغ الكتاب أجله .
[ ص: 90 ] قالوا : فبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صحة ما قلنا في معنى تربص المتوفى عنها زوجها ، [ وبطل ] ما خالفه . قالوا : وأما ما روي عن
ابن عباس : فإنه لا معنى له ، بخروجه عن ظاهر التنزيل والثابت من الخبر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
قالوا : وأما الخبر الذي روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=116أسماء ابنة عميس ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أمره إياها بالتسلب ثلاثا ، ثم أن تصنع ما بدا لها - فإنه غير دال
[ ص: 91 ] على أن لا حداد على المرأة ، بل إنما دل على أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - إياها بالتسلب ثلاثا ، ثم العمل بما بدا لها من لبس ما شاءت من الثياب مما يجوز للمعتدة لبسه ، مما لم يكن زينة ولا مطيبا ، لأنه قد يكون من الثياب ما ليس بزينة ولا ثياب تسلب ، وذلك كالذي أذن - صلى الله عليه وسلم - للمتوفى عنها أن تلبس من ثياب العصب وبرود اليمن ، فإن ذلك لا من ثياب زينة ولا من ثياب تسلب . وكذلك كل ثوب لم يدخل عليه صبغ بعد نسجه مما يصبغه الناس لتزيينه ، فإن لها لبسه ، لأنها تلبسه غير متزينة الزينة التي يعرفها الناس .
قال
أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : وكيف قيل : "
يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا " ولم يقل : وعشرة؟ وإذ كان التنزيل كذلك : أفبالليالي تعتد المتوفى عنها العشر ، أم بالأيام؟
قيل : بل تعتد بالأيام بلياليها .
فإن قال : فإذ كان ذلك كذلك ، فكيف قيل : " وعشرا " ؟ ولم يقل : وعشرة؟ والعشر بغير " الهاء " من عدد الليالي دون الأيام؟ فإن جاز ذلك المعنى فيه ما قلت ، فهل تجيز : " عندي عشر " وأنت تريد عشرة من رجال ونساء؟
قلت : ذلك جائز في عدد الليالي والأيام ، وغير جائز مثله في عدد بني آدم من الرجال والنساء . وذلك أن العرب في الأيام والليالي خاصة ، إذا أبهمت العدد ، غلبت فيه الليالي ، حتى إنهم فيما روي لنا عنهم ليقولون : " صمنا عشرا من شهر رمضان " لتغليبهم الليالي على الأيام . وذلك أن العدد عندهم قد جرى في ذلك بالليالي دون الأيام . فإذا أظهروا مع العدد مفسره ، أسقطوا من عدد المؤنث " الهاء "
[ ص: 92 ] وأثبتوها في عدد المذكر ، كما قال - تعالى ذكره - : (
سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما ) [ سورة الحاقة : 7 ] ، فأسقط " الهاء " من " سبع " وأثبتها في " الثمانية " .
وأما بنو
آدم ، فإن من شأن العرب إذا اجتمعت الرجال والنساء ، ثم أبهمت عددها : أن تخرجه على عدد الذكران دون الإناث . وذلك أن الذكران من بني
آدم موسوم واحدهم وجمعه بغير سمة إناثهم ، وليس كذلك سائر الأشياء غيرهم . وذلك أن الذكور من غيرهم ربما وسم بسمة الأنثى ، كما قيل للذكر والأنثى " شاة " وقيل للذكور والإناث من البقر : " بقر " وليس كذلك في بني
آدم .
فإن قال : فما معنى زيادة هذه العشرة الأيام على الأشهر؟
قيل : قد قيل في ذلك ، فيما : -
5091 - حدثنا به
ابن وكيع قال : حدثنا أبي قال : حدثنا
أبو جعفر ، عن
الربيع ، عن
أبي العالية في قوله : "
والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا " قال : قلت : لم صارت هذه العشر مع الأشهر الأربعة؟ قال : لأنه ينفخ فيه الروح في العشر .
5092 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
أبو عاصم ، عن
سعيد ، عن
قتادة قال : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : ما بال العشر؟ قال : فيه ينفخ الروح .