القول في تأويل
قوله تعالى ( ولكن لا تواعدوهن سرا )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى " السر " الذي نهى الله تعالى عباده عن مواعدة المعتدات به .
فقال بعضهم : هو الزنا .
ذكر من قال ذلك :
5136 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
عبد الرحمن قال : حدثنا
همام ، عن
صالح الدهان ، عن
جابر بن زيد : "
ولكن لا تواعدوهن سرا " قال : الزنا .
5137 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا
المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن
أبي مجلز قوله : "
ولكن لا تواعدوهن سرا " قال : الزنا .
5138 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
يحيى قال : حدثنا
سليمان التيمي ، عن
أبي مجلز مثله .
5139 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
عبد الرحمن قال : حدثنا
سفيان ،
[ ص: 106 ] عن
سليمان التيمي ، عن
أبي مجلز مثله .
5140 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو نعيم قال : حدثنا
سفيان ، عن
أبي مجلز : "
ولكن لا تواعدوهن سرا " قال : الزنا قيل
لسفيان التيمي : ذكره؟ قال : نعم .
5141 - حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا
المعتمر ، عن أبيه ، عن رجل ، عن
الحسن في المواعدة مثل قولة
أبي مجلز .
5142 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
عبد الرحمن قال : حدثنا
يزيد بن إبراهيم ، عن
الحسن قال : الزنا .
5143 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
يحيى قال : حدثنا
أشعث وعمران ، عن
الحسن مثله .
5144 - حدثنا
ابن بشار قال حدثنا ،
عبد الرحمن ويحيى قالا : حدثنا
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قال : سمعت
إبراهيم يقول : "
لا تواعدوهن سرا " قال : الزنا .
5145 - حدثنا
أحمد بن حازم قال : حدثنا
أبو نعيم قال : حدثنا
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، عن
إبراهيم مثله .
5146 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
عبد الأعلى قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة في قوله : "
لا تواعدوهن سرا " قال : الزنا .
5147 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
ابن أبي زائدة ، عن
يزيد بن إبراهيم ، عن
الحسن : "
ولكن لا تواعدوهن سرا " قال : الزنا .
5148 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
سويد قال : أخبرنا
ابن المبارك ، عن
معمر ، عن
قتادة ، عن
الحسن في قوله : "
ولكن لا تواعدوهن سرا " قال : الفاحشة .
5149 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
أبو زهير ، عن
جويبر ، عن
الضحاك وحدثني
يحيى بن أبي طالب قال : أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون قال : أخبرنا
جويبر عن
الضحاك : "
لا تواعدوهن سرا " قال : السر : الزنا .
[ ص: 107 ] 5150 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس : "
لا تواعدوهن سرا " قال : فذلك السر : الريبة . كان الرجل يدخل من أجل الريبة وهو يعرض بالنكاح ، فنهى الله عن ذلك إلا من قال معروفا .
5151 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثنا
هشيم قال : أخبرنا
منصور ، عن
الحسن وجويبر ، عن
الضحاك nindex.php?page=showalam&ids=16043وسليمان التيمي ، عن
أبي مجلز أنهم قالوا : الزنا .
5152 - حدثنا عن
عمار قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع قوله : "
ولكن لا تواعدوهن سرا " للفحش والخضع من القول .
5153 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة ، عن
الحسن : "
ولكن لا تواعدوهن سرا " قال : هو الفاحشة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك لا تأخذوا ميثاقهن وعهودهن في عددهن أن لا ينكحن غيركم .
ذكر من قال ذلك :
5154 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عبد الله بن صالح قال : حدثني
معاوية بن صالح ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : "
لا تواعدوهن سرا " يقول : لا تقل لها : " إني عاشق ، وعاهديني أن لا تتزوجي غيري " ونحو هذا .
5155 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
عبد الرحمن قال : حدثنا
سفيان ، عن
مسلم البطين ، عن
سعيد بن جبير في قوله : "
لا تواعدوهن سرا " قال :
[ ص: 108 ] لا يقاضها على كذا وكذا أن لا تتزوج غيره .
5156 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
إسرائيل ، عن
جابر ، عن
عامر .
ومجاهد وعكرمة قالوا : لا يأخذ ميثاقها في عدتها ، أن لا تتزوج غيره .
5157 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال : حدثنا
محمد بن جعفر قال : حدثنا
شعبة ، عن
منصور قال : ذكر لي عن
الشعبي أنه قال في هذه الآية : "
لا تواعدوهن سرا " قال : لا تأخذ ميثاقها أن لا تنكح غيرك .
5158 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
حكام ، عن
عمرو ، عن
منصور ، عن
الشعبي : "
ولكن لا تواعدوهن سرا " قال : لا يأخذ ميثاقها في أن لا تتزوج غيره .
5159 - حدثني
يعقوب قال : حدثنا
هشيم قال : أخبرنا
إسماعيل بن سالم ، عن
الشعبي قال : سمعته يقول في قوله : "
لا تواعدوهن سرا " قال : لا تأخذ ميثاقها أن لا تنكح غيرك ، ولا يوجب العقدة حتى تنقضي العدة .
5160 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
جرير ، عن
منصور ، عن
الشعبي : "
لا تواعدوهن سرا " قال : لا يأخذ عليها ميثاقا أن لا تتزوج غيره .
5161 - حدثني
موسى قال : حدثنا
عمرو قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
ولكن لا تواعدوهن سرا " يقول : " أمسكي علي نفسك ، فأنا أتزوج " ويأخذ عليها عهدا " لا تنكحي غيري " .
[ ص: 109 ] 5162 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : "
ولكن لا تواعدوهن سرا " قال : هذا في الرجل يأخذ عهد المرأة وهي في عدتها أن لا تتزوج غيره ، فنهى الله عن ذلك وقدم فيه ، وأحل الخطبة والقول بالمعروف ، ونهى عن الفاحشة والخضع من القول .
5163 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
مهران ، وحدثني
علي قال : حدثنا
زيد جميعا ، عن
سفيان : "
ولكن لا تواعدوهن سرا " قال : أن تواعدها سرا على كذا وكذا ، " على أن لا تنكحي غيري " .
5164 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
سويد قال : أخبرنا
ابن المبارك ، عن
معمر ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله : "
لا تواعدوهن سرا " قال : موعدة السر أن يأخذ عليها عهدا وميثاقا أن تحبس نفسها عليه ، ولا تنكح غيره .
5165 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد بنحوه .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أن يقول لها الرجل : " لا تسبقيني بنفسك " .
ذكر من قال ذلك :
5166 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم ، عن
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله : "
ولكن لا تواعدوهن سرا " قال : قول الرجل للمرأة : " لا تفوتيني بنفسك ، فإني ناكحك " هذا لا يحل .
5167 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قال : هو قول الرجل للمرأة : " لا تفوتيني " .
5168 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
جرير ، عن
ليث ، عن
مجاهد : "
ولكن لا تواعدوهن سرا " قال : المواعدة أن يقول : " لا تفوتيني بنفسك " .
[ ص: 110 ] 5169 - حدثنا
المثنى قال : حدثنا
سويد قال : أخبرنا
ابن المبارك ، عن
سفيان ، عن
ليث ، عن
مجاهد : "
ولكن لا تواعدوهن سرا " أن يقول : " لا تفوتيني بنفسك " .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولا تنكحوهن في عدتهن سرا .
ذكر من قال ذلك :
5170 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : "
ولكن لا تواعدوهن سرا " يقول : لا تنكحوهن سرا ، ثم تمسكها ، حتى إذا حلت أظهرت ذلك وأدخلتها .
5171 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : "
ولكن لا تواعدوهن سرا " قال : كان أبي يقول : لا تواعدوهن سرا ، ثم تمسكها ، وقد ملكت عقدة نكاحها ، فإذا حلت أظهرت ذلك وأدخلتها .
قال
أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك ، تأويل من قال : " السر " في هذا الموضع ، الزنا . وذلك أن العرب تسمي الجماع وغشيان الرجل المرأة " سرا " لأن ذلك مما يكون بين الرجال والنساء في خفاء غير ظاهر مطلع عليه ، فيسمى لخفائه " سرا " من ذلك قول
nindex.php?page=showalam&ids=15876رؤبة بن العجاج :
فعف عن أسرارها بعد العسق ولم يضعها بين فرك وعشق
يعني بذلك : عف عن غشيانها بعد طول ملازمته ذلك ، ومنه قول
الحطيئة :
[ ص: 111 ] ويحرم سر جارتهم عليهم ويأكل جارهم أنف القصاع
وكذلك يقال لكل ما أخفاه المرء في نفسه : " سرا " . ويقال : " هو في سر قومه " يعني : في خيارهم وشرفهم .
فلما كان " السر " إنما يوجه في كلامها إلى أحد هذه الأوجه الثلاثة ، وكان معلوما أن أحدهن غير معني به قوله : "
ولكن لا تواعدوهن سرا " وهو السر الذي هو معنى الخيار والشرف فلم يبق إلا الوجهان الآخران ، وهو " السر " الذي بمعنى ما أخفته نفس المواعد بين المتواعدين ، " والسر " الذي بمعنى الغشيان والجماع .
فلما لم يبق غيرهما ، وكانت الدلالة واضحة على أن أحدهما غير معني به ، صح أن الآخر هو المعني به .
فإن قال [ قائل ] : فما الدلالة على أن مواعدة القول سرا ، غير معني به على ما قال من قال إن معنى ذلك : أخذ الرجل ميثاق المرأة أن لا تنكح غيره ، أو على ما قال من قال : قول الرجل لها : " لا تسبقيني بنفسك " ؟
قيل : لأن " السر " إذا كان بالمعنى الذي تأوله قائلو ذلك ، فلن يخلو ذلك " السر " من أن يكون هو مواعدة الرجل المرأة ومسألته إياها أن لا تنكح غيره أو
[ ص: 112 ] يكون هو النكاح الذي سألها أن تجيبه إليه ، بعد انقضاء عدتها ، وبعد عقده له ، دون الناس غيره . فإن كان " السر " الذي نهى الله الرجل أن يواعد المعتدات ، هو أخذ العهد عليهن أن لا ينكحن غيره ، فقد بطل أن يكون " السر " معناه : ما أخفي من الأمور في النفوس ، أو نطق به فلم يطلع عليه ، وصارت العلانية من الأمر سرا . وذلك خلاف المعقول في لغة من نزل القرآن بلسانه .
إلا أن يقول قائل هذه المقالة : إنما نهى الله الرجال عن مواعدتهن ذلك سرا بينهم وبينهن ، لا أن نفس الكلام بذلك - وإن كان قد أعلن - سر .
فيقال له إن قال ذلك : فقد يجب أن تكون جائزة مواعدتهن النكاح والخطبة صريحا علانية ، إذ كان المنهي عنه من المواعدة ، إنما هو ما كان منها سرا .
فإن قال : إن ذلك كذلك ، خرج من قول جميع الأمة . على أن ذلك ليس من قيل أحد ممن تأول الآية أن " السر " هاهنا بمعنى المعاهدة أن لا تنكح غير المعاهد .
وإن قال : ذلك غير جائز .
قيل له : فقد بطل أن يكون معنى ذلك : إسرار الرجل إلى المرأة بالمواعدة . لأن معنى ذلك ، لو كان كذلك ، لم يحرم عليه مواعدتها مجاهرة وعلانية . وفي كون ذلك عليه محرما سرا وعلانية ، ما أبان أن معنى " السر " في هذا الموضع ، غير معنى إسرار الرجل إلى المرأة بالمعاهدة أن لا تنكح غيره إذا انقضت عدتها أو يكون ، إذا بطل هذا الوجه ، معنى ذلك : الخطبة والنكاح الذي وعدت المرأة الرجل أن لا تعدوه إلى غيره . فذلك إذا كان ، فإنما يكون بولي وشهود علانية غير سر . وكيف يجوز أن يسمى سرا ، وهو علانية لا يجوز إسراره؟
وفي بطول هذه الأوجه أن يكون تأويلا لقوله : "
ولكن لا تواعدوهن سرا " بما عليه دللنا من الأدلة ، وضوح صحة تأويل ذلك أنه بمعنى الغشيان والجماع .
وإذ كان ذلك صحيحا ، فتأويل الآية : ولا جناح عليكم ، أيها الناس ، فيما
[ ص: 113 ] عرضتم به للمعتدات من وفاة أزواجهن ، من خطبة النساء ، وذلك حاجتكم إليهن ، فلم تصرحوا لهن بالنكاح والحاجة إليهن ، إذا أكننتم في أنفسكم ، فأسررتم حاجتكم إليهن وخطبتكم إياهن في أنفسكم ، ما دمن في عددهن; علم الله أنكم ستذكرون خطبتهن وهن في عددهن ، فأباح لكم التعريض بذلك لهن ، وأسقط الحرج عما أضمرته نفوسكم - حكم منه - ولكن حرم عليكم أن تواعدوهن جماعا في عددهن ، بأن يقول أحدكم لإحداهن في عدتها : " قد تزوجتك في نفسي ، وإنما أنتظر انقضاء عدتك " فيسألها بذلك القول إمكانه من نفسها الجماع والمباضعة ، فحرم الله - تعالى ذكره - ذلك .