القول في تأويل قوله تعالى (
فإن خفتم فرجالا أو ركبانا )
قال
أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بذلك : وقوموا لله في صلاتكم مطيعين له لما قد بيناه من معناه ، فإن خفتم من عدو لكم ، أيها الناس ، تخشونهم على أنفسكم في حال التقائكم معهم أن تصلوا قياما على أرجلكم بالأرض قانتين لله فصلوا " رجالا " مشاة على أرجلكم ، وأنتم في حربكم وقتالكم وجهاد عدوكم " أو ركبانا " على ظهور دوابكم ، فإن ذلك يجزيكم حينئذ من القيام منكم ، قانتين .
ولما قلنا من أن معنى ذلك كذلك ، جاز نصب " الرجال " بالمعنى المحذوف . وذلك أن العرب تفعل ذلك في الجزاء خاصة ، لأن ثانيه شبيه بالمعطوف على أوله . ويبين ذلك أنهم يقولون : " إن خيرا فخيرا ، وإن شرا فشرا " بمعنى : إن تفعل خيرا تصب خيرا ، وإن تفعل شرا تصب شرا ، فيعطفون الجواب على الأول لانجزام الثاني بجزم الأول . فكذلك قوله : "
فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " بمعنى : إن خفتم أن تصلوا قياما بالأرض ، فصلوا رجالا .
" والرجال " جمع " راجل " و " رجل " وأما
أهل الحجاز فإنهم يقولون لواحد " الرجال " " رجل " مسموع منهم : " مشى فلان إلى بيت الله حافيا رجلا "
[ ص: 238 ] وقد سمع من بعض أحياء العرب في واحدهم " رجلان " كما قال بعض
بني عقيل :
علي إذا أبصرت ليلى بخلوة أن أزدار بيت الله رجلان حافيا
فمن قال " رجلان " للذكر ، قال للأنثى " رجلى " وجاز في جمع المذكر والمؤنث فيه أن يقال : " أتى القوم رجالى ورجالى " مثل " كسالى وكسالى " .
وقد حكي عن بعضهم أنه كان يقرأ ذلك : " فإن خفتم فرجالا " مشددة . وعن بعضهم أنه كان يقرأ : " فرجالا " وكلتا القراءتين غير جائزة القراءة بها عندنا ، لخلافها القراءة الموروثة المستفيضة في أمصار المسلمين .
وأما " الركبان " فجمع " راكب " يقال : " هو راكب ، وهم ركبان وركب وركبة وركاب وأركب وأركوب " يقال : " جاءنا أركوب من الناس وأراكيب " .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
5535 - حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا
هشيم قال : أخبرنا
مغيرة ، عن
إبراهيم قال : سألته عن قوله : "
فرجالا أو ركبانا " قال : عند المطاردة ، يصلي حيث كان وجهه ، راكبا أو راجلا ويجعل السجود أخفض من الركوع ، ويصلي ركعتين يومئ إيماء .
5536 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
سفيان ،
[ ص: 239 ] عن
مغيرة عن
إبراهيم في قوله : "
فرجالا أو ركبانا " قال : صلاة الضراب ركعتين ، يومئ إيماء .
5537 - حدثني
أحمد بن إسحاق قال : حدثنا
أبو أحمد ، عن
سفيان ، عن
مغيرة ، عن
إبراهيم قوله : "
فرجالا أو ركبانا " قال : يصلي ركعتين حيث كان وجهه ، يومئ إيماء .
5538 - حدثنا
أحمد بن إسحاق قال : حدثنا
أبو أحمد قال : حدثنا
إسرائيل ، عن
سالم ، عن
سعيد بن جبير . "
فرجالا أو ركبانا " قال : إذا طردت الخيل فأومئ إيماء .
5539 - حدثنا
أحمد قال : حدثنا
أبو أحمد قال : حدثنا
سفيان ، عن
مالك ، عن
سعيد قال : يومئ إيماء .
5540 - حدثنا
أحمد قال : حدثنا
أبو أحمد قال : حدثنا
هشيم ، عن
يونس ، عن
الحسن : "
فرجالا أو ركبانا " قال : إذا كان عند القتال صلى راكبا أو ماشيا حيث كان وجهه ، يومئ إيماء .
5541 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم ، عن
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله : "
فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " أصحاب
محمد - صلى الله عليه وسلم - في القتال على الخيل ، فإذا وقع الخوف فليصل الرجل على كل جهة قائما أو راكبا ، أو كما قدر على أن يومئ برأسه أو يتكلم بلسانه .
5542 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد بنحوه إلا أنه قال : أو راكبا لأصحاب
محمد - صلى الله عليه وسلم - . وقال أيضا : أو راكبا ، أو ما قدر أن يومئ برأسه ، وسائر الحديث مثله .
5543 - حدثنا
يحيى بن أبي طالب قال : حدثنا يزيد قال : أخبرنا
جويبر ،
[ ص: 240 ] عن
الضحاك في قوله : "
فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " قال : إذا التقوا عند القتال وطلبوا أو طلبوا أو طلبهم سبع ، فصلاتهم تكبيرتان إيماء ، أي جهة كانت .
5544 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16715عمرو بن عون قال : حدثنا
هشيم قال : أخبرنا
جويبر ، عن
الضحاك في قوله : "
فرجالا أو ركبانا " قال : ذلك عند القتال ، يصلي حيث كان وجهه ، راكبا أو راجلا إذا كان يطلب أو يطلبه سبع ، فليصل ركعة ، يومئ إيماء ، فإن لم يستطع فليكبر تكبيرتين .
5545 - حدثنا
سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
الفضل بن دلهم ، عن
الحسن : "
فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " قال : ركعة وأنت تمشي ، وأنت يوضع بك بعيرك ويركض بك فرسك ، على أي جهة كان .
5546 - حدثني
موسى قال : حدثنا
عمرو قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " أما " رجالا " فعلى أرجلكم ، إذا قاتلتم ، يصلي الرجل يومئ برأسه أينما توجه ، والراكب على دابته يومئ برأسه أينما توجه .
[ ص: 241 ] 5547 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : "
فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " الآية ، أحل الله لك إذا كنت خائفا عند القتال ، أن تصلي وأنت راكب ، وأنت تسعى ، تومئ برأسك من حيث كان وجهك ، إن قدرت على ركعتين ، وإلا فواحدة .
5548 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
ابن طاوس ، عن أبيه : "
فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " قال : ذاك عند المسايفة .
5549 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
سويد قال : أخبرنا
ابن المبارك ، عن
معمر ، عن
الزهري في قوله : "
فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " قال : إذا طلب الأعداء فقد حل لهم أن يصلوا قبل أي جهة كانوا ، رجالا أو ركبانا ، يومئون إيماء ركعتين وقال
قتادة : تجزئ ركعة .
5550 - حدثت عن
عمار قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع في قوله : "
فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " قال : كانوا إذا خشوا العدو صلوا ركعتين ، راكبا كان أو راجلا .
5551 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
جرير ، عن
مغيرة ، عن
إبراهيم في قوله : "
فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " قال : يصلي الرجل في القتال المكتوبة على دابته وعلى راحلته حيث كان وجهه ، يومئ إيماء عند كل ركوع وسجود ، ولكن السجود أخفض من الركوع . فهذا حين تأخذ السيوف بعضها بعضا ، هذا في المطاردة .
5552 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17105معاذ بن هشام قال : حدثني أبي قال : كان
قتادة يقول : إن استطاع ركعتين وإلا فواحدة ، يومئ إيماء ، إن شاء راكبا أو راجلا قال الله - تعالى ذكره - : "
فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " .
[ ص: 242 ] 5553 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17105معاذ بن هشام قال : حدثني أبي ، عن
قتادة ، عن
الحسن قال : في الخائف الذي يطلبه العدو ، قال : إن استطاع أن يصلي ركعتين ، وإلا صلى ركعة .
5554 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
عبد الرحمن قال : حدثنا
سفيان ، عن
يونس ، عن
الحسن قال : ركعة .
5555 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
عبد الرحمن قال : حدثنا
شعبة قال : سألت
الحكم وحمادا وقتادة عن صلاة المسايفة ، فقالوا : ركعة .
5556 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : حدثنا
عبد الرحمن قال : حدثنا
شعبة قال : سألت
الحكم وحمادا وقتادة ، عن صلاة المسايفة ، فقالوا : يومئ إيماء حيث كان وجهه .
5557 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : حدثنا
محمد بن جعفر ، عن
حماد والحكم وقتادة : أنهم سئلوا عن الصلاة عند المسايفة ، فقالوا : ركعة حيث وجهك .
5558 - حدثني
أبو السائب قال : حدثنا
ابن فضيل ، عن
أشعث بن سوار قال : سألت
ابن سيرين عن صلاة المنهزم فقال : كيف استطاع .
5559 - حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
سعيد بن يزيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12179أبي نضرة ، عن
جابر بن غراب قال : كنا نقاتل القوم وعلينا هرم بن حيان ، فحضرت الصلاة فقالوا : الصلاة ، الصلاة ! فقال هرم : يسجد الرجل حيث كان وجهه سجدة . قال : ونحن مستقبلو المشرق .
5560 - حدثني
يعقوب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
الجريري ، عن
أبي [ ص: 243 ] نضرة قال : كان
هرم بن حيان على جيش ، فحضروا العدو فقال : يسجد كل رجل منكم تحت جنته حيث كان وجهه سجدة ، أو ما استيسر فقلت لأبي نضرة : ما " ما استيسر " ؟ قال : يومئ .
5561 - حدثنا
سوار بن عبد الله قال : حدثنا
بشر بن المفضل قال : حدثنا
أبو مسلمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12179أبي نضرة قال : حدثني
جابر بن غراب قال : كنا مع
هرم بن حيان نقاتل العدو مستقبلي المشرق ، فحضرت الصلاة فقالوا : الصلاة! فقال : يسجد الرجل تحت جنته سجدة .
5562 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
سويد بن نصر قال : أخبرنا
ابن المبارك ، عن
عبد الملك بن أبي سليمان ، عن
عطاء في قوله : "
فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " قال : تصلي حيث توجهت راكبا وماشيا ، وحيث توجهت بك دابتك ، تومئ إيماء للمكتوبة .
5563 - حدثني
سعيد بن عمرو السكوني قال : حدثنا
بقية بن الوليد قال : حدثنا
المسعودي قال : حدثني
يزيد الفقير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال : صلاة الخوف ركعة .
[ ص: 244 ] 5564 - حدثنا
أحمد بن إسحاق قال : حدثنا
أبو أحمد قال : حدثنا
موسى بن محمد الأنصاري ، عن
عبد الملك ، عن
عطاء في هذه الآية قال : إذا كان خائفا صلى على أي حال كان . .
5565 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
مالك - وسألته عن قول الله : "
فرجالا أو ركبانا " - قال : راكبا وماشيا ، ولو كانت إنما عنى بها الناس ، لم يأت إلا " رجالا " وانقطعت الآية . إنما هي " رجال " : مشاة ، وقرأ : (
يأتوك رجالا وعلى كل ضامر ) [ سورة الحج : 87 ] ، قال : يأتون مشاة وركبانا .
قال
أبو جعفر :
الخوف الذي للمصلي أن يصلي من أجله المكتوبة ماشيا راجلا وراكبا جائلا الخوف على المهجة عند السلة والمسايفة في قتال من أمر
[ ص: 245 ] بقتاله ، من عدو للمسلمين ، أو محارب ، أو طلب سبع ، أو جمل صائل ، أو سيل سائل فخاف الغرق فيه . وكل ما الأغلب من شأنه هلاك المرء منه إن صلى صلاة الأمن ، فإنه إذا كان ذلك كذلك ، فله أن يصلي صلاة شدة الخوف حيث كان وجهه ، يومئ إيماء لعموم كتاب الله : "
فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " ولم يخص الخوف على ذلك على نوع من الأنواع ، بعد أن يكون الخوف ، صفته ما ذكرت .
وإنما قلنا : إن الخوف الذي يجوز للمصلي أن يصلي كذلك ، هو الذي الأغلب منه الهلاك بإقامة الصلاة بحدودها ، وذلك حال شدة الخوف ، لأن : -
5566 -
محمد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=16010وسفيان بن وكيع حدثاني قالا : حدثنا
جرير ، عن
عبد الله بن نافع ، عن أبيه ، عن
ابن عمر قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في
صلاة الخوف :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811329يقوم الأمير وطائفة من الناس معه فيسجدون سجدة واحدة ، ثم تكون طائفة منهم بينهم وبين العدو . ثم ينصرف الذين سجدوا سجدة مع أميرهم ، ثم يكونون مكان الذين لم يصلوا ، ويتقدم الذين لم يصلوا فيصلون مع أميرهم سجدة واحدة . ثم ينصرف أميرهم وقد قضى صلاته ، ويصلي بعد صلاته كل واحد من الطائفتين سجدة لنفسه ، وإن كان خوف أشد من ذلك " فرجالا أو ركبانا " .
[ ص: 246 ] 5567 - حدثني
سعيد بن يحيى الأموي قال : حدثني أبي قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة ، عن
نافع ، عن
ابن عمر قال : إذا اختلطوا - يعني في القتال - فإنما هو الذكر ، وإشارة بالرأس . قال
ابن عمر : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810219وإن كانوا أكثر من ذلك ، فيصلون قياما وركبانا " .
ففصل النبي صلى الله عليه وسلم بين حكم
صلاة الخوف في غير حال المسايفة والمطاردة ، وبين حكم
صلاة الخوف في حال شدة الخوف والمسايفة ، على ما روينا عن
ابن عمر . فكان معلوما بذلك أن قوله - تعالى ذكره - : "
فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " إنما عنى به الخوف الذي وصفنا صفته .
[ ص: 247 ] وبنحو الذي روى
ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - روي عن
ابن عمر أنه كان يقول :
5568 - حدثني
يعقوب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
أيوب ، عن
نافع ، عن
ابن عمر أنه قال : في صلاة الخوف : يصلي بطائفة من القوم ركعة ، وطائفة تحرس . ثم ينطلق هؤلاء الذين صلى بهم ركعة حتى يقوموا مقام أصحابهم . ثم يجيء أولئك فيصلي بهم ركعة ، ثم يسلم ، وتقوم كل طائفة فتصلي ركعة . قال : فإن كان خوف أشد من ذلك "
فرجالا أو ركبانا " .
وأما
عدد الركعات في تلك الحال من الصلاة ، فإني أحب أن لا يقصر من عددها في حال الأمن . وإن قصر عن ذلك فصلى ركعة ، رأيتها مجزئة ، لأن : -
5569 -
بشر بن معاذ حدثني قال : حدثنا
أبو عوانة ، عن
بكير بن الأخنس ، عن
مجاهد ، عن
ابن عباس قال : فرض الله الصلاة على لسان نبيكم - صلى الله عليه وسلم - في الحضر أربعا ، وفي السفر ركعتين ، وفي الخوف ركعة .