[ ص: 248 ] القول في تأويل
قوله ( فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ( 239 ) )
قال
أبو جعفر : وتأويل ذلك : " فإذا أمنتم " أيها المؤمنون ، من عدوكم أن يقدر على قتلكم في حال اشتغالكم بصلاتكم التي فرضها عليكم - ومن غيره ممن كنتم تخافونه على أنفسكم في حال صلاتكم - فاطمأننتم ، " فاذكروا الله " في صلاتكم وفي غيرها بالشكر له والحمد والثناء عليه ، على ما أنعم به عليكم من التوفيق لإصابة الحق الذي ضل عنه أعداؤكم من أهل الكفر بالله ، كما ذكركم بتعليمه إياكم من أحكامه ، وحلاله وحرامه ، وأخبار من قبلكم من الأمم السالفة ، والأنباء الحادثة بعدكم - في عاجل الدنيا وآجل الآخرة ، التي جهلها غيركم وبصركم ، من ذلك وغيره ، إنعاما منه عليكم بذلك ، فعلمكم منه ما لم تكونوا من قبل تعليمه إياكم تعلمون .
وكان
مجاهد يقول في قوله : " فإذا أمنتم " ما : -
5570 - حدثنا به
أبو كريب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
سفيان ، عن
ليث ، عن
مجاهد : "
فإذا أمنتم " قال : خرجتم من دار السفر إلى دار الإقامة .
وبمثل الذي قلنا من ذلك قال
ابن زيد :
5571 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : "
فإذا أمنتم فاذكروا الله " قال :
فإذا أمنتم فصلوا الصلاة كما افترض الله عليكم - إذا جاء الخوف كانت لهم رخصة .
وقوله ها هنا : " فاذكروا الله " قال : الصلاة ، "
كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون " .
[ ص: 249 ] قال
أبو جعفر : وهذا القول الذي ذكرنا عن
مجاهد ، قول غيره أولى بالصواب منه ، لإجماع الجميع على أن الخوف متى زال ، فواجب على المصلي المكتوبة - وإن كان في سفر - أداؤها بركوعها وسجودها وحدودها ، وقائما بالأرض غير ماش ولا راكب ، كالذي يجب عليه من ذلك إذا كان مقيما في مصره وبلده ، إلا ما أبيح له من القصر فيها في سفره . ولم يجر في هذه الآية للسفر ذكر ، فيتوجه قوله : "
فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون " إليه . وإنما جرى ذكر الصلاة في حال الأمن ، وحال شدة الخوف ، فعرف الله سبحانه وتعالى عباده صفة الواجب عليهم من الصلاة فيهما . ثم قال : "
فإذا أمنتم " فزال الخوف ، فأقيموا صلاتكم
[ ص: 250 ] وذكري فيها وفي غيرها ، مثل الذي أوجبته عليكم قبل حدوث حال الخوف .
وبعد ، فإن كان جرى للسفر ذكر ، ثم أراد الله - تعالى ذكره - تعريف خلقه صفة الواجب عليهم من الصلاة بعد مقامهم ، لقال : فإذا أقمتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ولم يقل : " فإذا أمنتم " .
وفي قوله - تعالى ذكره - : " فإذا أمنتم " الدلالة الواضحة على صحة قول من وجه تأويل ذلك إلى الذي قلنا فيه ، وخلاف قول
مجاهد .