القول في تأويل
قوله ( أو كالذي مر على قرية )
قال
أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بقوله : "
أو كالذي مر على قرية " نظير الذي عنى بقوله : "
ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه " من تعجيب
محمد - صلى الله عليه وسلم - منه .
وقوله : "
أو كالذي مر على قرية " عطف على قوله : "
ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه " وإنما عطف قوله : " أو كالذي " على قوله : "
إلى الذي حاج إبراهيم في ربه " وإن اختلف لفظاهما لتشابه معنييهما ؛ لأن قوله : "
ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه " بمعنى : هل رأيت يا
محمد كالذي حاج
إبراهيم في ربه ؟ ثم عطف عليه بقوله : " أو كالذي مر على قرية " ؛ لأن من شأن العرب العطف بالكلام على معنى نظير له قد تقدمه ، وإن خالف لفظه لفظه .
وقد زعم بعض نحويي
البصرة أن " الكاف " في قوله ، " أو كالذي مر على قرية " زائدة ، وأن المعنى : ألم ترى إلى الذي حاج
إبراهيم ، أو الذي مر على قرية .
وقد بينا قبل فيما مضى أنه غير جائز أن يكون في كتاب الله شيء لا معنى له ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
[ ص: 439 ]
واختلف أهل التأويل في " الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها " .
فقال بعضهم : هو
عزير .
ذكر من قال ذلك :
5882 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : حدثنا
عبد الرحمن قال : حدثنا
سفيان ، عن
أبي إسحاق ، عن
ناجية بن كعب . "
أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها " قال :
عزير .
5883 - حدثنا
ابن حميد . قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح قال : حدثنا
أبو خزيمة ، قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=16035سليمان بن بريدة في قوله : "
أو كالذي مر على قرية " قال : هو
عزير .
5884 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : "
أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها " قال : ذكر لنا أنه
عزير .
5885 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة [ مثله ] .
5886 - حدثت عن
عمار قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه قوله : "
أو كالذي مر على قرية " قال : قال
الربيع : ذكر لنا - والله أعلم - أن الذي أتى على القرية هو
عزير .
5887 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
عكرمة : "
أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها " قال :
عزير .
[ ص: 440 ]
5888 - حدثني
موسى قال : حدثنا
عمرو قال : حدثنا
أسباط عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
أو كالذي مر على قرية " قال :
عزير .
5889 - حدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد بن سليمان قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : "
أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها " إنه هو
عزير .
5890 - حدثني
يونس قال : قال لنا
سلم الخواص : كان
ابن عباس يقول : هو
عزير .
وقال آخرون : هو
أورميا بن حلقيا ، وزعم
محمد بن إسحاق أن
أورميا هو
الخضر .
5891 - حدثنا بذلك
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة قال : حدثنا
ابن إسحاق قال : اسم
الخضر فيما كان
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه يزعم عن
بني إسرائيل -
أورميا بن حلقيا ، وكان من سبط
هارون بن عمران .
ذكر من قال ذلك :
5892 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : حدثنا
عبد الصمد بن معقل أنه سمع
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه يقول في قوله : "
أنى يحيي هذه الله بعد موتها [ ص: 441 ] " أن
أورميا لما خرب
بيت المقدس وحرقت الكتب ، وقف في ناحية الجبل ، فقال : "
أنى يحيي هذه الله بعد موتها " .
5893 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة قال : حدثني
ابن إسحاق ، عمن لا يتهم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه قال : هو
أورميا .
5894 - حدثني
محمد بن عسكر قال : حدثنا
إسماعيل بن عبد الكريم قال : سمعت
عبد الصمد بن معقل ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه مثله .
5895 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم ، عن
عيسى بن ميمون ، عن
قيس بن سعد ، عن
عبد الله بن عبيد بن عمير في قول الله : "
أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها " قال : كان نبيا وكان اسمه
أورميا .
5896 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
قيس بن سعد ، عن
عبد الله بن عبيد مثله .
5897 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : أخبرني
بكر بن [ مضر ] قال : يقولون - والله أعلم - : إنه
أورميا .
قال
أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله - تعالى ذكره - عجب نبيه - صلى الله عليه وسلم - ممن قال - إذ رأى قرية خاوية على عروشها - " أنى يحيي هذه الله بعد موتها " مع علمه أنه ابتدأ خلقها من غير شيء ، فلم يقنعه علمه بقدرته على ابتدائها حتى قال : أنى يحييها الله بعد موتها . ولا بيان عندنا من الوجه الذي يصح من قبله البيان على اسم قائل ذلك . وجائز أن يكون ذلك
[ ص: 442 ] عزيرا ، وجائز أن يكون
أورميا ، ولا حاجة بنا إلى معرفة اسمه ، إذ لم يكن المقصود بالآية تعريف الخلق اسم قائل ذلك ، وإنما المقصود بها تعريف المنكرين قدرة الله - على إحيائه خلقه بعد مماتهم ، وإعادتهم بعد فنائهم ، وأنه الذي بيده الحياة والموت - من
قريش ، ومن كان يكذب بذلك من سائر العرب وتثبيت الحجة بذلك على من كان بين ظهراني مهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يهود
بني إسرائيل ، بإطلاعه نبيه
محمدا - صلى الله عليه وسلم - على ما يزيل شكهم في نبوته ، ويقطع عذرهم في رسالته ، إذ كانت هذه الأنباء التي أوحاها إلى نبيه
محمد - صلى الله عليه وسلم - في كتابه من الأنباء التي لم يكن يعلمها
محمد - صلى الله عليه وسلم - وقومه ، ولم يكن علم ذلك إلا عند أهل الكتاب ، ولم يكن
محمد - صلى الله عليه وسلم - وقومه منهم ، بل كان أميا وقومه أميون ، فكان معلوما بذلك عند أهل الكتاب من اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجره ، أن
محمدا - صلى الله عليه وسلم - لم يعلم ذلك إلا بوحي من الله إليه . ولو كان المقصود بذلك الخبر عن اسم قائل ذلك لكانت الدلالة منصوبة عليه نصبا يقطع العذر ويزيل الشك ، ولكن القصد كان إلى ذم قيله ، فأبان - تعالى ذكره - ذلك لخلقه .
واختلف أهل التأويل في " القرية " التي مر عليها القائل : " أنى يحيي هذه الله بعد موتها " .
فقال بعضهم : هي
بيت المقدس .
ذكر من قال ذلك :
5898 - حدثني
محمد بن سهل بن عسكر ومحمد بن عبد الملك ، قالا حدثنا
إسماعيل بن عبد الكريم قال : حدثني
عبد الصمد بن معقل أنه سمع
وهب بن [ ص: 443 ] منبه قال : لما رأى
أورميا هدم
بيت المقدس كالجبل العظيم ، قال : "
أنى يحيي هذه الله بعد موتها " .
5899 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
عبد الصمد بن معقل أنه سمع
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه قال : هي
بيت المقدس .
5900 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة قال : حدثني
ابن إسحاق عمن لا يتهم أنه سمع
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه يقول ذلك .
5901 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قال : ذكر لنا أنه
بيت المقدس أتى عليه
عزير بعد ما خربه
بختنصر البابلي .
5902 - حدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ قال : حدثنا
عبيد بن سليمان قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : "
أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها " أنه مر على الأرض المقدسة .
5903 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
عكرمة في قوله : "
أو كالذي مر على قرية " قال : القرية :
بيت المقدس ، مر بها
عزير بعد إذ خربها
بختنصر .
5904 - حدثت عن
عمار قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع : "
أو كالذي مر على قرية " قال : القرية
بيت المقدس ، مر عليها
عزير وقد خربها
بختنصر .
وقال آخرون : بل هي القرية التي كان الله أهلك فيها الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت ، فقال لهم الله موتوا .
ذكر من قال ذلك :
[ ص: 444 ]
5905 - حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قول الله - تعالى ذكره - : (
ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف ) قال : قرية كان نزل بها الطاعون ثم اقتص قصتهم التي ذكرناها في موضعها عنه ، إلى أن بلغ (
فقال لهم الله موتوا ) في المكان الذي ذهبوا يبتغون فيه الحياة ، فماتوا ثم أحياهم الله ، (
إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ) [ سورة البقرة : 243 ] . قال : ومر بها رجل وهي عظام تلوح ، فوقف ينظر ، فقال : " أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه " إلى قوله " لم يتسنه " .
قال
أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك كالقول في اسم القائل : "
أنى يحيي هذه الله بعد موتها " سواء لا يختلفان .