القول في
تأويل قوله : ( فهم لا يرجعون ( 18 ) )
قال
أبو جعفر : وقوله "
فهم لا يرجعون " إخبار من الله جل ثناؤه عن هؤلاء
المنافقين - الذين نعتهم الله باشترائهم الضلالة بالهدى ، وصممهم عن سماع الخير والحق ، وبكمهم عن القيل بهما ، وعماهم عن إبصارهما ، أنهم لا يرجعون إلى الإقلاع عن ضلالتهم ، ولا يتوبون إلى الإنابة من نفاقهم . فآيس المؤمنين من أن يبصر هؤلاء رشدا ، أو يقولوا حقا ، أو يسمعوا داعيا إلى الهدى ، أو أن يذكروا فيتوبوا من ضلالتهم ، كما آيس من
توبة قادة كفار أهل الكتاب [ ص: 332 ] والمشركين وأحبارهم الذين وصفهم بأنه قد ختم على قلوبهم وعلى سمعهم وغشى على أبصارهم .
وبمثل الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
402 - حدثنا
بشر بن معاذ ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع ، عن
سعيد ، عن
قتادة : "
فهم لا يرجعون " أي : لا يتوبون ولا يذكرون .
403 - وحدثني
موسى بن هارون ، قال : حدثنا
عمرو بن حماد ، قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي في خبر ذكره ، عن
أبي مالك ، وعن
أبي صالح ، عن
ابن عباس ، وعن
مرة ، عن
ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : "
فهم لا يرجعون " : فهم لا يرجعون إلى الإسلام .
وقد روي عن
ابن عباس قول يخالف معناه معنى هذا الخبر ، وهو ما :
404 - حدثنا به
ابن حميد ، قال : حدثنا
سلمة ، عن
محمد بن إسحاق ، عن
محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن
عكرمة ، أو عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس : "
فهم لا يرجعون " أي : فلا يرجعون إلى الهدى ولا إلى خير ، فلا يصيبون نجاة ما كانوا على ما هم عليه .
وهذا تأويل ظاهر التلاوة بخلافه . وذلك أن الله جل ثناؤه أخبر عن القوم أنهم لا يرجعون - عن اشترائهم الضلالة بالهدى - إلى ابتغاء الهدى وإبصار الحق ، من غير حصر منه جل ذكره ذلك من حالهم على وقت دون وقت وحال دون حال . وهذا الخبر الذي ذكرناه عن
ابن عباس ، ينبئ أن ذلك من صفتهم محصور على وقت وهو ما كانوا على أمرهم مقيمين ، وأن لهم السبيل إلى الرجوع
[ ص: 333 ] عنه . وذلك من التأويل دعوى باطلة ، لا دلالة عليها من ظاهر ولا من خبر تقوم بمثله الحجة فيسلم لها .