القول في
تأويل قوله ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة )
قال
أبو جعفر : وهذه الآية مردودة إلى قوله : (
من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون ) [ البقرة : 245 ] والآيات التي بعدها إلى قوله : (
مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ) ، من قصص
بني إسرائيل وخبرهم مع
طالوت وجالوت ، وما بعد ذلك من نبإ الذي حاج
إبراهيم مع
إبراهيم ، وأمر الذي مر على القرية الخاوية على عروشها ، وقصة
إبراهيم ومسألته ربه ما سأل ، مما قد ذكرناه قبل - اعتراض من الله - تعالى ذكره - بما اعترض به من قصصهم بين ذلك ، احتجاجا منه ببعضه على المشركين الذين كانوا يكذبون بالبعث وقيام الساعة وحضا منه ببعضه للمؤمنين على الجهاد في سبيله الذي أمرهم به في قوله : (
وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم ) [ البقرة : 244 ] يعرفهم فيه أنه ناصرهم وإن قل عددهم وكثر عدد عدوهم ، ويعدهم النصرة عليهم ، ويعلمهم سنته فيمن كان على منهاجهم من ابتغاء رضوان الله أنه مؤيدهم ، وفيمن كان على سبيل أعدائهم من الكفار بأنه خاذلهم ومفرق جمعهم وموهن كيدهم وقطعا منه ببعض عذر
اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما أطلع نبيه عليه من خفي أمورهم ،
[ ص: 513 ] ومكتوم أسرار أوائلهم وأسلافهم التي لم يعلمها سواهم ؛ ليعلموا أن ما آتاهم به
محمد - صلى الله عليه وسلم - من عند الله ، وأنه ليس بتخرص ولا اختلاق ، وإعذارا منه به إلى أهل النفاق منهم ؛ ليحذروا بشكهم في أمر
محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يحل بهم من بأسه وسطوته مثل الذي أحلهما بأسلافهم الذين كانوا في القرية التي أهلكها ، فتركها خاوية على عروشها .
ثم عاد - تعالى ذكره - إلى الخبر عن (
الذي يقرض الله قرضا حسنا ) وما عنده له من الثواب على قرضه فقال : (
مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ) يعني بذلك مثل الذين ينفقون أموالهم على أنفسهم في جهاد أعداء الله بأنفسهم وأموالهم ( كمثل حبة ) من حبات الحنطة أو الشعير ، أو غير ذلك من نبات الأرض التي تسنبل ريعها بذرها زارع . " فأنبتت " يعني : فأخرجت (
سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ) يقول : فكذلك المنفق ماله على نفسه في سبيل الله ، له أجره سبعمائة ضعف على الواحد من نفقته . كما : -
6028 - حدثني
موسى بن هارون قال : حدثنا
عمرو بن حماد قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ) فهذا لمن أنفق في سبيل الله ، فله أجره سبعمائة . .
6029 - حدثنا
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : (
مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء ) قال : هذا الذي ينفق على نفسه في سبيل الله ويخرج .
[ ص: 514 ]
6030 - حدثت عن
عمار قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع قوله : (
مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ) الآية ، فكان من بايع النبي - صلى الله عليه وسلم - على الهجرة ، ورابط مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة ، ولم يلق وجها إلا بإذنه ، كانت الحسنة له بسبعمائة ضعف ، ومن بايع على الإسلام كانت الحسنة له عشر أمثالها .
قال
أبو جعفر : فإن قال قائل : وهل رأيت سنبلة فيها مائة حبة أو بلغتك فضرب بها مثل المنفق في سبيل الله ماله ؟ .
قيل : إن يكن ذلك موجودا فهو ذاك ، وإلا فجائز أن يكون معناه : كمثل سنبلة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ، إن جعل الله ذلك فيها .
ويحتمل أن يكون معناه : في كل سنبلة مائة حبة ، يعني أنها إذا هي بذرت أنبتت مائة حبة فيكون ما حدث عن البذر الذي كان منها من المائة الحبة ، مضافا إليها ،
[ ص: 515 ] لأنه كان عنها . وقد تأول ذلك على هذا الوجه بعض أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
6031 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
أبو زهير ، عن
جويبر ، عن
الضحاك قوله : (
مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ) ، قال : كل سنبلة أنبتت مائة حبة ، فهذا لمن أنفق في سبيل الله : (
والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ) .