[ ص: 535 ] القول في
تأويل قوله تعالى ( كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل )
قال
أبو جعفر : يعني بذلك جل وعز : ومثل الذين ينفقون أموالهم ، فيتصدقون بها ، ويسبلونها في طاعة الله بغير من على من تصدقوا بها عليه ، ولا أذى منهم لهم بها ، ابتغاء رضوان الله وتصديقا من أنفسهم بوعده (
كمثل جنة ) .
" والجنة " : البستان . وقد دللنا فيما مضى على أن " الجنة " البستان ، بما فيه الكفاية من إعادته .
( بربوة ) والربوة من الأرض : ما نشز منها فارتفع عن السيل . وإنما وصفها بذلك - جل ثناؤه - لأن ما ارتفع عن المسايل والأودية أغلظ ، وجنان ما غلظ من الأرض أحسن وأزكى ثمرا وغرسا وزرعا مما رق منها ، ولذلك قال
أعشى بني ثعلبة في وصف روضة :
ما روضة من رياض الحزن معشبة خضراء جاد عليها مسبل هطل
[ ص: 536 ]
فوصفها بأنها من رياض الحزن ؛ لأن الحزون : غروسها ونباتها أحسن وأقوى من غروس الأودية والتلاع وزروعها .
وفي " الربوة " لغات ثلاث ، وقد قرأ بكل لغة منهن جماعة من القرأة ، وهي " ربوة " بضم الراء ، وبها قرأت عامة قرأة أهل
المدينة والحجاز والعراق .
و " ربوة " بفتح الراء ، وبها قرأ بعض أهل الشام ، وبعض أهل
الكوفة ، ويقال إنها لغة
لتميم . " وربوة " بكسر الراء ، وبها قرأ - فيما ذكر -
ابن عباس .
قال
أبو جعفر : وغير جائز عندي أن يقرأ ذلك إلا بإحدى اللغتين : إما بفتح " الراء " وإما بضمها ؛ لأن قراءة الناس في أمصارهم بإحداهما . وأنا لقراءتها بضمها أشد إيثارا مني بفتحها ؛ لأنها أشهر اللغتين في العرب . فأما الكسر فإن في رفض القراءة به دلالة واضحة على أن القراءة به غير جائزة .
وإنما سميت " الربوة " لأنها " ربت " فغلظت وعلت ، من قول القائل : " ربا هذا الشيء يربو " إذا انتفخ فعظم .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
6074 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله : (
كمثل جنة بربوة ) ، قال : الربوة المكان الظاهر المستوي .
[ ص: 537 ]
6075 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر قال : قال
مجاهد : هي الأرض المستوية المرتفعة .
6076 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : (
كمثل جنة بربوة ) يقول بنشز من الأرض .
6077 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
أبو زهير ، عن
جويبر ، عن
الضحاك : (
كمثل جنة بربوة ) والربوة : المكان المرتفع الذي لا تجري فيه الأنهار ، والذي فيه الجنان .
6078 - حدثني
موسى قال : حدثنا
عمرو قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قوله : ( بربوة ) برابية من الأرض .
6079 - حدثت عن
عمار قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع : (
كمثل جنة بربوة ) ، والربوة النشز من الأرض .
6080 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال
ابن عباس : (
كمثل جنة بربوة ) قال : المكان المرتفع الذي لا تجري فيه الأنهار .
وكان آخرون يقولون : هي المستوية .
ذكر من قال ذلك :
6081 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
الحسن في قوله : (
كمثل جنة بربوة ) قال : هي الأرض المستوية التي تعلو فوق المياه .
قال
أبو جعفر : وأما قوله : (
أصابها وابل ) فإنه يعني جل ثناؤه : أصاب
[ ص: 538 ] الجنة التي بالربوة من الأرض وابل من المطر ، وهو الشديد العظيم القطر منه .
وقوله : (
فآتت أكلها ضعفين ) ، فإنه يعني الجنة : أنها أضعف ثمرها ضعفين حين أصابها الوابل من المطر .
" والأكل " : هو الشيء المأكول ، وهو مثل " الرعب والهزء " وما أشبه ذلك من الأسماء التي تأتي على " فعل " . وأما " الأكل " بفتح " الألف " وتسكين " الكاف " فهو فعل الآكل ، يقال منه : " أكلت أكلا وأكلت أكلة واحدة " كما قال الشاعر :
وما أكلة إن نلتها بغنيمة ولا جوعة إن جعتها بغرام
ففتح " الألف " لأنها بمعنى الفعل . ويدلك على أن ذلك كذلك قوله : " ولا جوعة " . وإن ضمت الألف من " الأكلة " كان معناه : الطعام الذي أكلته ، فيكون معنى ذلك حينئذ : ما طعام أكلته بغنيمة .
[ ص: 539 ]
وأما قوله : (
فإن لم يصبها وابل فطل ) فإن " الطل " هو الندى واللين من المطر كما : -
6082 - حدثنا
عباس بن محمد قال : حدثنا
حجاج قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : ( فطل ) ندى عن
nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني ، عن
ابن عباس .
6083 - حدثني
موسى قال : حدثنا
عمرو قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : أما " الطل " فالندى .
6084 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : (
فإن لم يصبها وابل فطل ) ، أي طش .
6085 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
أبو زهير ، عن
جويبر ، عن
الضحاك : ( فطل ) قال : الطل : الرذاذ من المطر ، يعني : اللين منه .
6086 - حدثت عن
عمار قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع : ( فطل ) أي طش .
قال
أبو جعفر : وإنما يعني - تعالى ذكره - بهذا المثل : كما ضعفت ثمرة هذه الجنة التي وصفت صفتها حين جاد الوابل ، فإن أخطأ هذا الوابل فالطل كذلك يضعف الله صدقة المتصدق والمنفق ماله ابتغاء مرضاته وتثبيتا من نفسه من غير من ولا أذى ، قلت نفقته أو كثرت ، لا تخيب ولا تخلف نفقته ، كما تضعف الجنة التي وصف جل ثناؤه صفتها ، قل ما أصابها من المطر أو كثر لا يخلف خيرها بحال من الأحوال .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
6087 - حدثني
موسى قال : حدثنا
عمرو قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قوله : (
فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل ) يقول : كما أضعفت
[ ص: 540 ] ثمرة تلك الجنة ، فكذلك تضاعف ثمرة هذا المنفق ضعفين .
6088 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : (
فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل ) هذا مثل ضربه الله لعمل المؤمن ، يقول : ليس لخيره خلف ، كما ليس لخير هذه الجنة خلف على أي حال ، إما وابل ، وإما طل .
6089 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
أبو زهير ، عن
جويبر ، عن
الضحاك قال : هذا مثل من أنفق ماله ابتغاء مرضاة الله .
6090 - حدثت عن
عمار قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع قوله : (
الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله ) . الآية ، قال : هذا مثل ضربه الله لعمل المؤمن .
فإن قال قائل : وكيف قيل : (
فإن لم يصبها وابل فطل ) وهذا خبر عن أمر قد مضى ؟
قيل : يراد فيه " كان " ومعنى الكلام : فآتت أكلها ضعفين ، فإن لم يكن الوابل أصابها ، أصابها طل . وذلك في الكلام نحو قول القائل : " حبست فرسين ، فإن لم أحبس اثنين فواحدا بقيمته " بمعنى : " إلا أكن " - لا بد من إضمار " كان " لأنه خبر . ومنه قول الشاعر : .
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة ولم تجدي من أن تقري بها بدا