القول في
تأويل قوله : ( وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه وما للظالمين من أنصار ( 270 ) )
قال
أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : وأي نفقة أنفقتم - يعني : أي صدقة تصدقتم - أو أي نذر نذرتم - يعني " بالنذر " ما أوجبه المرء على نفسه تبررا في طاعة الله ، وتقربا به إليه - من صدقة أو عمل خير " فإن الله يعلمه "
[ ص: 581 ] أي إن جميع ذلك بعلم الله ، لا يعزب عنه منه شيء ، ولا يخفى عليه منه قليل ولا كثير ، ولكنه يحصيه أيها الناس عليكم حتى يجازيكم جميعكم على جميع ذلك .
فمن كانت نفقته منكم وصدقته ونذره ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من نفسه ، جازاه بالذي وعده من التضعيف ، ومن كانت نفقته وصدقته رئاء الناس ونذوره للشيطان ، جازاه بالذي أوعده من العقاب وأليم العذاب كالذي : -
6193 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم ، عن
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله - عز وجل - : "
وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه " ويحصيه .
6194 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد مثله .
ثم أوعد - جل ثناؤه - من كانت نفقته رياء ونذوره طاعة للشيطان فقال : "
وما للظالمين من أنصار " يعني : وما لمن أنفق ماله رئاء الناس وفي معصية الله ، وكانت نذوره للشيطان وفي طاعته " من أنصار " وهم جمع " نصير" كما " الأشراف " جمع " شريف " . ويعني بقوله : " من أنصار " من ينصرهم من الله يوم القيامة ، فيدفع عنهم عقابه يومئذ بقوة وشدة بطش ، ولا بفدية .
وقد دللنا على أن " الظالم " هو الواضع للشيء في غير موضعه .
وإنما سمى الله
المنفق رياء الناس ، والناذر في غير طاعته ظالما ؛ لوضعه إنفاق ماله في غير موضعه ، ونذره في غير ما له وضعه فيه ، فكان ذلك ظلمه .
[ ص: 582 ]
قال
أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : فكيف قال : " فإن الله يعلمه " ولم يقل : " يعلمهما " وقد ذكر النذر والنفقة .
قيل : إنما قال : " فإن الله يعلمه " لأنه أراد : فإن الله يعلم ما أنفقتم أو نذرتم ، فلذلك وحد الكناية .