القول في
تأويل قوله ( ويكفر عنكم من سيئاتكم )
قال
أبو جعفر : اختلف القرأة في قراءة ذلك .
فروي عن
ابن عباس أنه كان يقرؤه : " وتكفر عنكم " بالتاء .
ومن قرأه كذلك ، فإنه يعني به : وتكفر الصدقات عنكم من سيئاتكم .
وقرأ آخرون : (
ويكفر عنكم ) بالياء ، بمعنى : ويكفر الله عنكم بصدقاتكم - على ما ذكر في الآية - من سيئاتكم .
[ ص: 585 ]
وقرأ ذلك بعد عامة قراء أهل
المدينة والكوفة والبصرة ، " ونكفر عنكم " بالنون وجزم الحرف ، يعني : وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء نكفر عنكم من سيئاتكم بمعنى : مجازاة الله - عز وجل - مخفي الصدقة بتكفير بعض سيئاته بصدقته التي أخفاها .
قال
أبو جعفر : وأولى القراءات في ذلك عندنا بالصواب قراءة من قرأ : " ونكفر عنكم " بالنون وجزم الحرف ، على معنى الخبر من الله عن نفسه أنه يجازي المخفي صدقته من التطوع ابتغاء وجهه من صدقته بتكفير سيئاته . وإذا قرئ كذلك فهو مجزوم على موضع " الفاء " في قوله : " فهو خير لكم " ؛ لأن " الفاء " هنالك حلت محل جواب الجزاء .
فإن قال لنا قائل : وكيف اخترت الجزم على النسق على موضع " الفاء " وتركت اختيار نسقه على ما بعد الفاء ، وقد علمت أن الأفصح من الكلام في النسق على جواب الجزاء الرفع ، وإنما الجزم تجويزه ؟ .
قيل : اخترنا ذلك ليؤذن بجزمه أن التكفير - أعني
تكفير الله من سيئات المصدق لا محالة داخل فيما وعد الله المصدق أن يجازيه به على صدقته ؛ لأن ذلك إذا جزم مؤذن بما قلنا لا محالة ، ولو رفع كان قد يحتمل أن يكون داخلا فيما وعده الله أن يجازيه به ، وأن يكون خبرا مستأنفا أنه يكفر من سيئات عباده المؤمنين ، على غير المجازاة لهم بذلك على صدقاتهم ؛ لأن ما بعد " الفاء " في جواب الجزاء استئناف ، فالمعطوف على الخبر المستأنف في حكم المعطوف عليه في أنه غير داخل في الجزاء ، ولذلك من العلة ، اخترنا جزم " نكفر " عطفا به على موضع
[ ص: 586 ] الفاء من قوله : "
فهو خير لكم " وقراءته بالنون .
فإن قال قائل : وما وجه دخول " من " في قوله : " ونكفر عنكم من سيئاتكم " قيل : وجه دخولها في ذلك بمعنى : ونكفر عنكم من سيئاتكم ما نشاء تكفيره منها دون جميعها ؛ ليكون العباد على وجل من الله فلا يتكلوا على وعده ما وعد على الصدقات التي يخفيها المتصدق فيجترئوا على حدوده ومعاصيه .
وقال بعض نحويي
البصرة : معنى " من " الإسقاط من هذا الموضع ، ويتأول معنى ذلك : ونكفر عنكم سيئاتكم .