القول في
تأويل قوله ( لا يسألون الناس إلحافا )
قال
أبو جعفر : يقال : " قد ألحف السائل في مسألته " إذا ألح " فهو يلحف فيها إلحافا " .
[ ص: 598 ]
فإن قال قائل : أفكان هؤلاء القوم يسألون الناس غير إلحاف ؟
قيل : غير جائز أن يكون كانوا يسألون الناس شيئا على وجه الصدقة إلحافا أو غير إلحاف ، وذلك أن الله - عز وجل - وصفهم بأنهم كانوا أهل تعفف ، وأنهم إنما كانوا يعرفون بسيماهم . فلو كانت المسألة من شأنهم ، لم تكن صفتهم التعفف ، ولم يكن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى علم معرفتهم بالأدلة والعلامة حاجة ، وكانت المسألة الظاهرة تنبئ عن حالهم وأمرهم .
وفي الخبر الذي : -
6228 - حدثنا به
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة ، عن
هلال بن حصن ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=812000أعوزنا مرة فقيل لي : لو أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألته ! فانطلقت إليه معنقا ، فكان أول ما واجهني به : " من استعف أعفه الله ، ومن استغنى أغناه الله ، ومن سألنا لم ندخر عنه شيئا نجده " . قال : فرجعت إلى نفسي ، فقلت : ألا أستعف فيعفني الله ! فرجعت ، فما سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا بعد ذلك من أمر حاجة ، حتى مالت علينا الدنيا فغرقتنا ، إلا من عصم الله .
[ ص: 599 ]
.
الدلالة الواضحة على أن التعفف معنى ينفي معنى المسألة من الشخص الواحد ، وأن من كان موصوفا بالتعفف فغير موصوف بالمسألة إلحافا أو غير إلحاف .
فإن قال قائل : فإن كان الأمر على ما وصفت ، فما وجه قوله : "
لا يسألون الناس إلحافا " وهم لا يسألون الناس إلحافا أو غير إلحاف .
قيل له : وجه ذلك أن الله - تعالى ذكره - لما وصفهم بالتعفف ، وعرف عباده أنهم ليسوا أهل مسألة بحال بقوله : "
يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف " وأنهم إنما يعرفون بالسيما - زاد عباده إبانة لأمرهم ، وحسن ثناء عليهم ، بنفي الشره والضراعة التي تكون في الملحين من السؤال عنهم .
وقد كان بعض القائلين يقول : ذلك نظير قول القائل : " قلما رأيت مثل
[ ص: 600 ] فلان " ! ولعله لم ير مثله أحدا ولا نظيرا .
وبنحو الذي قلنا في معنى الإلحاف قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
6229 - حدثني
موسى بن هارون قال : حدثنا
عمرو قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
لا يسألون الناس إلحافا " قال : لا يلحفون في المسألة .
6230 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : " لا
يسألون الناس إلحافا " قال : هو الذي يلح في المسألة .
6231 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : "
لا يسألون الناس إلحافا " ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=812001إن الله يحب الحليم الغني المتعفف ، ويبغض الغني الفاحش البذىء السائل الملحف قال : وذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810226إن الله - عز وجل - كره لكم ثلاثا : قيلا وقالا وإضاعة المال ، وكثرة السؤال . فإذا شئت رأيته في قيل وقال يومه أجمع وصدر ليلته ، حتى يلقى جيفة على فراشه ، لا يجعل الله له من نهاره ولا ليلته نصيبا . وإذا شئت رأيته ذا مال [ ينفقه ] في شهوته ولذاته وملاعبه ويعدله عن حق الله ، فذلك إضاعة المال ، وإذا شئت رأيته باسطا ذراعيه ، يسأل الناس في كفيه ، فإذا أعطي أفرط في مدحهم ، وإن منع أفرط في ذمهم .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .