القول في تأويل قوله تعالى ( فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله )
قال
أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : ( فإن لم تفعلوا ) فإن لم تذروا ما بقي من الربا .
واختلف القرأة في قراءة قوله : "
فأذنوا بحرب من الله ورسوله " .
فقرأته عامة قرأة
أهل المدينة : " فأذنوا " بقصر الألف من " فآذنوا " وفتح ذالها ، بمعنى كونوا على علم وإذن .
وقرأه آخرون وهي قراءة عامة قرأة
الكوفيين : " فآذنوا " بمد الألف من قوله : " فأذنوا " وكسر ذالها ، بمعنى فآذنوا غيركم ، أعلموهم وأخبروهم بأنكم على حربهم .
قال
أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب في ذلك قراءة من قرأ : " فأذنوا " بقصر ألفها وفتح ذالها ، بمعنى اعلموا ذلك واستيقنوه ، وكونوا على إذن من الله - عز وجل - لكم بذلك .
وإنما اخترنا ذلك ، لأن الله - عز وجل - أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن ينبذ إلى من أقام على شركه الذي لا يقر على المقام عليه ، وأن يقتل المرتد عن الإسلام منهم بكل حال إلا أن يراجع الإسلام ، آذنه المشركون بأنهم على حربه أو لم يؤذنوه . فإذ كان المأمور بذلك لا يخلو من أحد أمرين ، إما أن يكون كان مشركا مقيما
[ ص: 25 ] على شركه الذي لا يقر عليه ، أو يكون كان مسلما فارتد وأذن بحرب . فأي الأمرين كان ، فإنما نبذ إليه بحرب ، لا أنه أمر بالإيذان بها إن عزم على ذلك . لأن الأمر إن كان إليه فأقام على أكل الربا مستحلا له ولم يؤذن المسلمون بالحرب ، لم يلزمهم حربه ، وليس ذلك حكمه في واحدة من الحالين ، فقد علم أنه المأذون بالحرب لا الآذن بها .
وعلى هذا التأويل تأوله أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
6261 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عبد الله بن صالح قال حدثني
معاوية عن
علي عن
ابن عباس في قوله : (
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا " إلى قوله : (
فأذنوا بحرب من الله ورسوله ) : فمن كان مقيما على الربا لا ينزع عنه ، فحق على إمام المسلمين أن يستتيبه ، فإن نزع ، وإلا ضرب عنقه .
6262 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا
ربيعة بن كلثوم قال حدثني أبي ، عن
سعيد بن جبير عن
ابن عباس قال : يقال يوم القيامة لآكل الربا : " خذ سلاحك للحرب " .
6263 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
الحجاج قال : حدثنا
ربيعة بن كلثوم قال : حدثنا أبي ، عن
سعيد بن جبير عن
ابن عباس مثله .
6264 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد عن
قتادة قوله : (
وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ) أوعدهم الله بالقتل كما تسمعون ، فجعلهم بهرجا أينما ثقفوا .
[ ص: 26 ]
6265 - حدثني
يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية عن
nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة عن
قتادة ، مثله .
6266 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن
الربيع : "
فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله " أوعد الآكل الربا بالقتل .
6267 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال حدثني
حجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : قال
ابن عباس : قوله : (
فأذنوا بحرب من الله ورسوله ) فاستيقنوا بحرب من الله ورسوله .
قال
أبو جعفر : وهذه الأخبار كلها تنبئ عن أن قوله : (
فأذنوا بحرب من الله ) إيذان من الله - عز وجل - لهم بالحرب والقتل ، لا أمر لهم بإيذان غيرهم .