[ ص: 94 ] القول في
تأويل قوله تعالى ( وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة )
قال
أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأته القرأة في الأمصار جميعا ( كاتبا ) ، بمعنى : ولم تجدوا من يكتب لكم كتاب الدين الذي تداينتموه إلى أجل مسمى " فرهان مقبوضة " .
وقرأ جماعة من المتقدمين : (
ولم تجدوا كاتبا ) ، بمعنى : ولم يكن لكم إلى اكتتاب كتاب الدين سبيل ، إما بتعذر الدواة والصحيفة ، وإما بتعذر الكاتب وإن وجدتم الدواة والصحيفة .
والقراءة التي لا يجوز غيرها عندنا هي قراءة الأمصار : "
ولم تجدوا كاتبا " بمعنى : من يكتب ، لأن ذلك كذلك في مصاحف المسلمين .
[ قال
أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - ] : وإن كنتم ، أيها المتداينون في سفر بحيث لا تجدون كاتبا يكتب لكم ، ولم يكن لكم إلى اكتتاب كتاب الدين الذي تداينتموه إلى أجل مسمى بينكم الذي أمرتكم باكتتابه والإشهاد عليه سبيل ، فارتهنوا بديونكم التي تداينتموها إلى الأجل المسمى رهونا تقبضونها ممن تداينونه كذلك ، ليكون ثقة لكم بأموالكم .
ذكر من قال ما قلنا في ذلك :
6435 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
أبو زهير عن
جويبر عن
الضحاك قوله : "
وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة " فمن كان على سفر فبايع بيعا إلى أجل فلم يجد كاتبا ، فرخص له
[ ص: 95 ] في الرهان المقبوضة ، وليس له إن وجد كاتبا أن يرتهن .
6436 - حدثت عن
عمار قال : حدثنا
ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن
الربيع قوله : "
وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا " يقول : كاتبا يكتب لكم "
فرهان مقبوضة " .
6437 - حدثني
يحيى بن أبي طالب قال أخبرنا
يزيد قال أخبرنا
جويبر عن
الضحاك قال : ما كان من بيع إلى أجل ، فأمر الله - عز وجل - أن يكتب ويشهد عليه ، وذلك في المقام . فإن كان
قوم على سفر تبايعوا إلى أجل فلم يجدوا [ كاتبا ] ، فرهان مقبوضة .
ذكر قول من تأول ذلك على القراءة التي حكيناها :
6438 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
هشيم قال أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=17347يزيد بن أبي زياد عن
مقسم عن
ابن عباس : " فإن لم تجدوا كتابا " يعني بالكتاب الكاتب والصحيفة والدواة والقلم .
6439 - حدثني
يعقوب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية قال أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال أخبرني أبي ، عن
ابن عباس أنه قرأ : " فإن لم تجدوا كتابا " قال : ربما وجد الرجل الصحيفة ولم يجد كاتبا .
6440 - حدثني
يعقوب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية قال : حدثنا
ابن أبي نجيح عن
مجاهد ، كان يقرؤها : " فإن لم تجدوا كتابا " ويقول : ربما وجد الكاتب ولم توجد الصحيفة أو المداد ، ونحو هذا من القول .
6441 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد : "
وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كتابا " يقول : مدادا ، - يقرؤها كذلك - يقول : فإن لم تجدوا مدادا ، فعند ذلك تكون الرهون المقبوضة " فرهن مقبوضة " قال : لا يكون الرهن إلا في السفر .
[ ص: 96 ]
6442 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
الحجاج قال : حدثنا
حماد بن زيد عن
شعيب بن الحبحاب قال : إن
أبا العالية كان يقرؤها " فإن لم تجدوا كتابا " قال
أبو العالية : توجد الدواة ولا توجد الصحيفة .
قال
أبو جعفر : واختلف القرأة في قراءة قوله : " فرهان مقبوضة " .
فقرأ ذلك عامة قرأة
الحجاز والعراق : (
فرهان مقبوضة ) ، بمعنى جماع " رهن " كما " الكباش " جماع " كبش " و " البغال " جماع " بغل " و " النعال " جماع " نعل " .
وقرأ ذلك جماعة آخرون : ( فرهن مقبوضة ) على معنى جمع " رهان " " ورهن " جمع الجمع ، وقد وجهه بعضهم إلى أنها جمع " رهن " : ، مثل " سقف وسقف " .
وقرأه آخرون : ( فرهن ) مخففة الهاء على معنى جماع " رهن " كما تجمع " السقف سقفا " . قالوا : ولا نعلم اسما على " فعل " يجمع على " فعل وفعل " إلا " الرهن والرهن " . و " السقف والسقف " .
قال
أبو جعفر : والذي هو أولى بالصواب في ذلك قراءة من قرأه : "
فرهان مقبوضة " . لأن ذلك الجمع المعروف لما كان من اسم على " فعل " كما يقال : " حبل وحبال " و " كعب وكعاب " ونحو ذلك من الأسماء . فأما جمع " الفعل " على " الفعل أو الفعل " فشاذ قليل ، إنما جاء في أحرف يسيرة وقيل : " سقف وسقف وسقف " " وقلب وقلب وقلب " من : " قلب النخل " . " وجد وجد " للجد الذي هو بمعنى الحظ . وأما ما جاء من جمع " فعل " على " فعل "
[ ص: 97 ] ف " ثط ، وثط " و " ورد وورد " و " خود وخود " .
وإنما دعا الذي قرأ ذلك : " فرهن مقبوضة " إلى قراءته فيما أظن كذلك ، مع شذوذه في جمع " فعل " أنه وجد " الرهان " مستعملة في رهان الخيل ، فأحب صرف ذلك عن اللفظ الملتبس برهان الخيل ، الذي هو بغير معنى " الرهان " الذي هو جمع " رهن " ووجد " الرهن " مقولا في جمع " رهن " كما قال قعنب :
بانت سعاد وأمسى دونها عدن وغلقت عندها من قلبك الرهن