[ ص: 101 ] القول في
تأويل قوله تعالى ( لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء )
قال
أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : " لله ما في السماوات وما في الأرض " لله ملك كل ما في السماوات وما في الأرض من صغير وكبير ، وإليه تدبير جميعه ، وبيده صرفه وتقليبه ، لا يخفى عليه منه شيء ، لأنه مدبره ومالكه ومصرفه .
وإنما عنى بذلك - جل ثناؤه -
كتمان الشهود الشهادة ، يقول : لا تكتموا الشهادة أيها الشهود ، ومن يكتمها يفجر قلبه ، ولن يخفى علي كتمانه ذلك ، لأني بكل شيء عليم ، وبيدي صرف كل شيء في السماوات والأرض وملكه ، أعلم خفي ذلك وجليه ، فاتقوا عقابي إياكم على كتمانكم الشهادة وعيدا من الله بذلك من كتمها ، وتخويفا منه له به . ثم أخبرهم عما هو فاعل بهم في آخرتهم وبمن كان من نظرائهم ممن انطوى كشحا على معصية فأضمرها ، أو أظهر موبقة فأبداها من نفسه - من المحاسبة عليها فقال : "
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه " يقول : وإن تظهروا فيما عندكم من الشهادة على حق رب المال الجحود والإنكار ، أو تخفوا ذلك فتضمروه في أنفسكم ، وغير ذلك من سيئ أعمالكم "
يحاسبكم به الله " يعني
[ ص: 102 ] بذلك : يحتسب به عليكم من أعمالكم ، فمجاز من شاء منكم من المسيئين بسوء عمله ، وغافر لمن شاء منكم من المسيئين .
ثم اختلف أهل التأويل فيما عنى بقوله : "
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " .
فقال بعضهم بما قلنا : من أنه عنى به الشهود في كتمانهم الشهادة ، وأنه لاحق بهم كل من كان من نظرائهم ممن أضمر معصية أو أبداها .
ذكر من قال ذلك :
6449 - حدثني
أبو زائدة زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال : حدثنا
ابن فضيل عن
nindex.php?page=showalam&ids=17347يزيد بن أبي زياد عن
مجاهد عن
ابن عباس في قوله : "
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " يقول : يعني في الشهادة .
6450 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
أبو أحمد قال : حدثنا
سفيان عن
nindex.php?page=showalam&ids=17347يزيد بن أبي زياد عن
مقسم ، عن
ابن عباس في قوله : "
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه " قال : في الشهادة .
6451 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى قال : حدثنا
عبد الأعلى قال : سئل
داود عن قوله : "
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " فحدثنا عن
[ ص: 103 ] عكرمة قال : هي الشهادة إذا كتمتها .
6452 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : حدثنا
محمد بن جعفر قال : حدثنا
شعبة عن
عمرو وأبي سعيد : أنه سمع
عكرمة يقول في هذه الآية : "
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه " قال : في الشهادة .
6453 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
أبو أحمد قال : حدثنا
سفيان عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي عن
الشعبي في قوله : "
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه " قال : في الشهادة .
6454 - حدثنا
يعقوب قال : حدثنا
هشيم قال أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=17347يزيد بن أبي زياد عن
مقسم عن
ابن عباس أنه قال في هذه الآية "
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " قال : نزلت في كتمان الشهادة وإقامتها .
6455 - حدثني
يحيى بن أبي طالب قال أخبرنا
يزيد قال أخبرنا
جويبر عن
عكرمة في قوله : "
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " يعني كتمان الشهادة وإقامتها على وجهها .
وقال آخرون : " بل نزلت هذه الآية إعلاما من الله تبارك وتعالى عباده أنه مؤاخذهم بما كسبته أيديهم وحدثتهم به أنفسهم مما لم يعملوه " .
ثم اختلف متأولو ذلك كذلك .
فقال بعضهم : " ثم نسخ الله ذلك بقوله : (
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) [ سورة البقرة : 286 ] "
ذكر من قال ذلك :
6456 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
إسحاق بن سليمان عن
مصعب بن [ ص: 104 ] ثابت عن
العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال :
لما نزلت : " لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " اشتد ذلك على القوم ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا لمؤاخذون بما نحدث به أنفسنا ! هلكنا ! فأنزل الله - عز وجل - : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) الآية إلى قوله : ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) ، قال أبي : قال nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قال الله : نعم ( ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ) إلى آخر الآية قال أبي : قال nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قال الله - عز وجل - : نعم .
6457 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع وحدثنا
سفيان بن وكيع [ ص: 105 ] قال : حدثنا أبي قال : حدثنا
سفيان عن
آدم بن سليمان مولى خالد بن خالد قال : سمعت
سعيد بن جبير يحدث عن
ابن عباس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811340لما نزلت هذه الآية : " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء " دخل قلوبهم منها شيء لم يدخلها من شيء ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " سمعنا وأطعنا وسلمنا . قال : فألقى الله - عز وجل - الإيمان في قلوبهم ، قال : فأنزل الله - عز وجل - : ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه ) قال أبو كريب : فقرأ : ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) قال فقال : قد فعلت ( ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ) قال : قد فعلت ( ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) قال : قال : قد فعلت ( واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ) قال : قد فعلت .
[ ص: 106 ]
6458 - حدثني
أبو الرداد المصري عبد الله بن عبد السلام قال : حدثنا
أبو زرعة وهب الله بن راشد عن
حيوة بن شريح قال سمعت
يزيد بن أبي حبيب يقول : قال
ابن شهاب حدثني
سعيد ابن مرجانة قال : جئت
عبد الله بن عمر فتلا هذه الآية : "
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء " . ثم قال
ابن عمر : لئن آخذنا بهذه الآية ، لنهلكن ! ثم بكى
ابن عمر حتى سالت دموعه . قال ثم جئت
عبد الله بن العباس فقلت : يا
أبا عباس ، إني جئت
ابن عمر فتلا هذه الآية : "
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه " الآية ، ثم قال : لئن واخذنا بهذه الآية لنهلكن ! ثم بكى حتى سالت دموعه ! فقال
ابن عباس : يغفر الله
nindex.php?page=showalam&ids=12لعبد الله بن عمر ! لقد فرق أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها كما فرق
ابن عمر منها ،
فأنزل الله : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) ، فنسخ الله الوسوسة ، وأثبت القول والفعل .
6459 - حدثني
يونس قال أخبرنا
ابن وهب قال أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=17423يونس بن يزيد عن
ابن شهاب عن
سعيد بن مرجانة يحدث : أنه بينا هو جالس سمع
عبد الله بن عمر تلا هذه الآية "
لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه " الآية ، فقال : والله لئن آخذنا الله بهذا لنهلكن ! ثم بكى
ابن عمر حتى سمع نشيجه ، فقال
ابن مرجانة : فقمت حتى أتيت
ابن عباس [ ص: 107 ] فذكرت له ما تلا
ابن عمر ، وما فعل حين تلاها ، فقال عبد
الله بن عباس : يغفر الله
لأبي عبد الرحمن ! لعمري لقد وجد المسلمون منها حين أنزلت مثل ما وجد
عبد الله بن عمر ، فأنزل الله بعدها (
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) إلى آخر السورة . قال
ابن عباس : فكانت هذه الوسوسة مما لا طاقة للمسلمين بها ، وصار الأمر إلى أن قضى الله - عز وجل - أن للنفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت في القول والفعل .
6460 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال أخبرنا
عبد الرزاق قال أخبرنا
معمر قال سمعت
الزهري يقول في قوله : "
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه " قال : قرأها
ابن عمر فبكى وقال : إنا لمؤاخذون بما نحدث به أنفسنا ! فبكى حتى سمع نشيجه ، فقام رجل من عنده فأتى
ابن عباس فذكر ذلك له ، فقال : رحم الله
ابن عمر ! لقد وجد المسلمون نحوا مما وجد ، حتى نزلت : (
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) .
6461 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
عبد الرزاق عن
جعفر بن سليمان عن
حميد الأعرج عن
مجاهد قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811341كنت عند ابن عمر فقال : " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه " الآية ، فبكى . فدخلت على ابن عباس فذكرت له ذلك ، فضحك ابن عباس فقال : يرحم الله ابن عمر ! [ ص: 108 ] أوما يدري فيم أنزلت ؟ إن هذه الآية حين أنزلت غمت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غما شديدا وقالوا : يا رسول الله ، هلكنا ! فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قولوا : " سمعنا وأطعنا " فنسختها : ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله ) إلى قوله : ( وعليها ما اكتسبت ) فتجوز لهم من حديث النفس ، وأخذوا بالأعمال .
6462 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون عن
سفيان بن حسين عن
الزهري عن
سالم : أن أباه قرأ : "
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " فدمعت عينه ، فبلغ صنيعه
ابن عباس ، فقال : يرحم الله
أبا عبد الرحمن ! لقد صنع كما صنع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أنزلت ، فنسختها الآية التي بعدها : (
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) .
[ ص: 109 ]
6463 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : حدثنا
أبو أحمد قال : حدثنا
سفيان عن
عطاء بن السائب عن
سعيد بن جبير قال : نسخت هذه الآية : "
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه " - (
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) .
6464 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
أبو أحمد قال : حدثنا
سفيان عن
آدم بن سليمان عن
سعيد بن جبير قال : لما نزلت هذه الآية : "
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه " قالوا : أنؤاخذ بما حدثنا به أنفسنا ، ولم تعمل به جوارحنا ؟ قال : فنزلت هذه الآية : (
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) ، قال : ويقول : قد فعلت . قال : فأعطيت هذه الأمة خواتيم " سورة البقرة " لم تعطها الأمم قبلها .
[ ص: 110 ]
6465 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
جابر بن نوح قال : حدثنا
إسماعيل عن
عامر : "
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء " قال : فنسختها الآية بعدها ، قوله : (
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) .
6466 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
جرير عن
مغيرة عن
الشعبي : "
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " قال : نسختها الآية التي بعدها : (
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) وقوله : " وإن تبدوا " قال : يحاسب بما أبدى من سر أو أخفى من سر ، فنسختها التي بعدها .
6467 - حدثني
يعقوب قال : حدثنا
هشيم قال أخبرنا
سيار عن
الشعبي قال : لما نزلت هذه الآية : "
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء " قال : فكان فيها شدة ، حتى نزلت هذه الآية التي بعدها : (
لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) ، قال : فنسخت ما كان قبلها .
6468 - حدثني
يعقوب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية عن
ابن عون قال : ذكروا عند
الشعبي : "
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه " حتى بلغ (
لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) ، قال : فقال
الشعبي : إلى هذا صار ، رجعت إلى آخر الآية .
6469 - حدثني
يحيى بن أبي طالب قال أخبرنا
يزيد قال أخبرنا
جويبر عن
الضحاك في قوله : "
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه " قال : قال
ابن مسعود : كانت المحاسبة قبل أن تنزل : (
لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) ، فلما نزلت نسخت الآية التي كانت قبلها .
6470 - حدثت عن
الحسين قال سمعت
أبا معاذ يقول : حدثنا
عبيد [ ص: 111 ] قال سمعت
الضحاك يذكر ، عن
ابن مسعود نحوه .
6471 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
جرير عن بيان ، عن
الشعبي قال : نسخت "
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه " (
لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) .
6472 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
موسى بن عبيدة عن
محمد بن كعب وسفيان عن
جابر عن
مجاهد وعن
إبراهيم بن مهاجر عن
مجاهد قالوا : نسخت هذه الآية (
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) "
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه " الآية .
6473 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
إسرائيل عن
جابر عن
عكرمة وعامر بمثله .
6474 - حدثنا
المثنى قال : حدثنا
الحجاج قال : حدثنا
حماد عن
حميد عن
الحسن في قوله : " وإن
تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه " إلى آخر الآية ، قال : محتها : (
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) .
6475 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد عن
قتادة : أنه قال : نسخت هذه الآية يعني قوله : (
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) الآية التي كانت قبلها : "
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " .
6476 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال أخبرنا
عبد الرزاق قال أخبرنا
معمر عن
قتادة في قوله : "
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " قال : نسختها قوله : (
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) .
6477 - حدثني
يونس قال أخبرنا
ابن وهب قال حدثني
ابن زيد قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=812004لما نزلت هذه الآية : " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " إلى آخر [ ص: 112 ] الآية ، اشتدت على المسلمين ، وشقت مشقة شديدة ، فقالوا : يا رسول الله ، لو وقع في أنفسنا شيء لم نعمل به وأخذنا الله به ؟ قال : " فلعلكم تقولون كما قال بنو إسرائيل : " سمعنا وعصينا " ! قالوا : بل سمعنا وأطعنا يا رسول الله ! قال : فنزل القرآن يفرجها عنهم : " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله " إلى قوله : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) ، قال : فصيره إلى الأعمال ، وترك ما يقع في القلوب .
6478 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
الحجاج قال : حدثنا
هشيم عن
سيار عن
أبي الحكم عن
الشعبي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12077أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود في قوله : "
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " قال : نسخت هذه الآية التي بعدها : (
لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) .
6479 - حدثني
موسى قال : حدثنا
عمرو قال : حدثنا
أسباط عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي nindex.php?page=hadith&LINKID=812005قوله : " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " قال : يوم نزلت هذه الآية كانوا يؤاخذون بما وسوست به أنفسهم وما عملوا ، فشكوا ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : إن عمل أحدنا وإن لم يعمل أخذنا به ؟ والله ما نملك الوسوسة ! ! فنسخها الله بهذه الآية التي بعد بقوله : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) الآية ، فكان حديث النفس مما لم تطيقوا .
6480 - حدثت عن
عمار قال : حدثنا
ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن
قتادة أن
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : نسختها قوله : (
لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) .
[ ص: 113 ]
وقال آخرون ممن قال معنى ذلك : " الإعلام من الله - عز وجل - عباده أنه مؤاخذهم بما كسبته أيديهم وعملته جوارحهم ، وبما حدثتهم به أنفسهم مما لم يعملوه " " هذه الآية محكمة غير منسوخة ، والله - عز وجل - محاسب خلقه على ما عملوا من عمل وعلى ما لم يعملوه مما أسروه في أنفسهم ونووه وأرادوه ، فيغفره للمؤمنين ، ويؤاخذ به أهل الكفر والنفاق " .
ذكر من قال ذلك :
6481 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عبد الله بن صالح قال حدثني
معاوية عن
علي عن
ابن عباس قوله : "
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " فإنها لم تنسخ ، ولكن الله - عز وجل - إذا جمع الخلائق يوم القيامة ، يقول الله - عز وجل - : " إني أخبركم بما أخفيتم في أنفسكم مما لم تطلع عليه ملائكتي " فأما المؤمنون فيخبرهم ويغفر لهم ما حدثوا به أنفسهم ، وهو قوله : "
يحاسبكم به الله " يقول : يخبركم . وأما أهل الشك والريب ، فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب ، وهو قوله : (
ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ) [ سورة البقرة : 225 ] ، من الشك والنفاق .
6482 - حدثني
محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي قال حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس : "
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " فذلك سر عملكم وعلانيته ، يحاسبكم به الله ، فليس من عبد
[ ص: 114 ] مؤمن يسر في نفسه خيرا ليعمل به ، فإن عمل به كتبت له به عشر حسنات ، وإن هو لم يقدر له أن يعمل به كتبت له به حسنة من أجل أنه مؤمن ، والله يرضى سر المؤمنين وعلانيتهم . وإن كان سوءا حدث به نفسه ، اطلع الله عليه وأخبره به يوم تبلى السرائر ، وإن هو لم يعمل به لم يؤاخذه الله به حتى يعمل به ، فإن هو عمل به تجاوز الله عنه ، كما قال : (
أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم ) [ سورة الأحقاف : 16 ] .
6483 - حدثني
يحيى بن أبي طالب قال أخبرنا
يزيد قال أخبرنا
جويبر عن
الضحاك في قوله : (
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ) ، الآية ، قال : قال
ابن عباس : إن الله يقول يوم القيامة : " إن كتابي لم يكتبوا من أعمالكم إلا ما ظهر منها ، فأما ما أسررتم في أنفسكم فأنا أحاسبكم به اليوم ، فأغفر لمن شئت وأعذب من شئت " .
6484 - حدثني
يحيى بن أبي طالب قال أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=16627علي بن عاصم قال أخبرنا
بيان عن
بشر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16834قيس بن أبي حازم قال : إذا كان يوم القيامة قال الله - عز وجل - يسمع الخلائق : " إنما كان كتابي يكتبون عليكم ما ظهر منكم ، فأما ما أسررتم فلم يكونوا يكتبونه ولا يعلمونه ، أنا الله أعلم بذلك كله منكم ، فأغفر لمن شئت ، وأعذب من شئت " .
6485 - حدثت عن
الحسين قال سمعت
أبا معاذ قال أخبرنا
عبيد قال سمعت
الضحاك يقول في قوله : " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " كان
ابن عباس يقول : إذا دعي الناس للحساب أخبرهم الله بما كانوا يسرون في أنفسهم مما لم يعملوه فيقول : " إنه كان لا يعزب عني شيء ، وإني مخبركم بما كنتم تسرون من السوء ، ولم تكن حفظتكم عليكم مطلعين عليه " . فهذه المحاسبة .
[ ص: 115 ]
6486 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثنا
أبو تميلة عن
عبيد بن سليمان عن
الضحاك عن
ابن عباس نحوه .
6487 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن
الربيع في قوله : " وإن
تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " قال : هي محكمة ، لم ينسخها شيء يقول : "
يحاسبكم به الله " يقول : يعرفه الله يوم القيامة : " إنك أخفيت في صدرك كذا وكذا " ! لا يؤاخذه .
6488 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16711عمرو بن عبيد عن
الحسن قال : هي محكمة لم تنسخ .
6489 - حدثني
يعقوب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية قال : حدثنا
ابن أبي نجيح عن
مجاهد في قوله : "
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " قال : من الشك واليقين .
6490 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم عن
عيسى عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد في قول الله - عز وجل - : "
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " يقول : في الشك واليقين .
6491 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد مثله .
قال
أبو جعفر : فتأويل هذه الآية على قول
ابن عباس الذي رواه
علي بن أبي طلحة : وإن تبدوا ما في أنفسكم من شيء من الأعمال فتظهروه بأبدانكم وجوارحكم ، أو تخفوه فتسروه في أنفسكم ، فلم يطلع عليه أحد من خلقي ، أحاسبكم به ، فأغفر كل ذلك لأهل الإيمان ، وأعذب أهل الشرك والنفاق في ديني .
[ ص: 116 ]
وأما على الرواية التي رواها عنه
الضحاك من رواية
عبيد بن سليمان عنه ، وعلى ما قاله
الربيع بن أنس ، فإن تأويلها : إن تظهروا ما في أنفسكم فتعملوه من المعاصي ، أو تضمروا إرادته في أنفسكم فتخفوه ، يعلمكم به الله يوم القيامة ، فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء .
وأما قول
مجاهد ، فشبيه معناه بمعنى قول
ابن عباس الذي رواه
علي بن أبي طلحة .
وقال آخرون ممن قال : " هذه الآية محكمة ، وهي غير منسوخة " ووافقوا الذين قالوا : " معنى ذلك : أن الله - عز وجل - أعلم عباده ما هو فاعل بهم فيما أبدوا وأخفوا من أعمالهم " معناها : إن الله محاسب جميع خلقه بجميع ما أبدوا من سيئ أعمالهم ، وجميع ما أسروه ، ومعاقبهم عليه . غير أن عقوبته إياهم على ما أخفوه مما لم يعملوه ، ما يحدث لهم في الدنيا من المصائب والأمور التي يحزنون عليها ويألمون منها .
ذكر من قال ذلك :
6492 - حدثني
يحيى بن أبي طالب قال : حدثنا
يزيد قال أخبرنا
جويبر عن
الضحاك في قوله : "
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " الآية ، قال : كانت
عائشة رضي الله عنها تقول : من هم بسيئة فلم يعملها ، أرسل الله عليه من الهم والحزن مثل الذي هم به من السيئة فلم يعملها ، فكانت كفارته .
6493 - حدثت عن
الحسين قال سمعت
أبا معاذ قال أخبرنا
عبيد قال
[ ص: 117 ] سمعت
الضحاك يقول في قوله : "
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " قال : كانت
عائشة تقول : كل عبد يهم بمعصية ، أو يحدث بها نفسه ، حاسبه الله بها في الدنيا ، يخاف ويحزن ويهتم .
6494 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال حدثني
أبو تميلة عن
عبيد عن
الضحاك قال : قالت
عائشة في ذلك : كل عبد هم بسوء ومعصية ، وحدث نفسه به ، حاسبه الله في الدنيا ، يخاف ويحزن ويشتد همه ، لا يناله من ذلك شيء ، كما هم بالسوء ولم يعمل منه شيئا .
6495 - حدثنا
الربيع قال : حدثنا
أسد بن موسى قال : حدثنا
حماد بن سلمة عن
علي بن زيد عن
أمية أنها سألت
عائشة عن هذه الآية : "
وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " و (
من يعمل سوءا يجز به ) [ سورة النساء : 123 ] فقالت : ما سألني عنها أحد مذ سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا
عائشة ، هذه متابعة الله العبد بما يصيبه من الحمى والنكبة والشوكة ، حتى البضاعة يضعها في كمه فيفقدها فيفزع لها فيجدها في ضبنه ، حتى إن المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكير .
[ ص: 118 ]
قال
أبو جعفر : وأولى الأقوال التي ذكرناها بتأويل الآية قول من قال : " إنها محكمة ، وليست بمنسوخة " . وذلك أن النسخ لا يكون في حكم إلا بنفيه بآخر ، هو له ناف من كل وجوهه . وليس في قوله جل وعز : "
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت " نفي الحكم الذي أعلم عباده بقوله : "
أو تخفوه يحاسبكم به الله " . لأن المحاسبة ليست بموجبة عقوبة ، ولا مؤاخذة بما حوسب عليه العبد من ذنوبه .
وقد أخبر الله - عز وجل - عن المجرمين أنهم حين تعرض عليهم كتب أعمالهم يوم القيامة يقولون : (
يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها )
[ ص: 119 ] [ سورة الكهف : 49 ] . فأخبر أن كتبهم محصية عليهم صغائر أعمالهم وكبائرها ، فلم تكن الكتب - وإن أحصت صغائر الذنوب وكبائرها - بموجب إحصاؤها على أهل الإيمان بالله ورسوله ، وأهل الطاعة له ، أن يكونوا بكل ما أحصته الكتب من الذنوب معاقبين ؛ لأن الله - عز وجل - وعدهم العفو عن الصغائر باجتنابهم الكبائر فقال في تنزيله : (
إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ) [ سورة النساء : 31 ] . فذلك محاسبة الله عباده المؤمنين بما هو محاسبهم به من الأمور التي أخفتها أنفسهم ، غير موجب لهم منه عقوبة ، بل محاسبته إياهم - إن شاء الله - عليها ، ليعرفهم تفضله عليهم بعفوه لهم عنها ، كما بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخبر الذي : -
6496 - حدثني به
nindex.php?page=showalam&ids=12235أحمد بن المقدام قال : حدثنا
المعتمر بن سليمان قال سمعت أبي ، عن
قتادة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16232صفوان بن محرز عن
ابن عمر عن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811342يدني الله عبده المؤمن يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه ، فيقرره بسيئاته يقول : هل تعرف ؟ فيقول : نعم ! فيقول : سترتها في الدنيا وأغفرها اليوم ! ثم يظهر له حسناته فيقول : ( هاؤم اقرءوا كتابيه ) [ سورة الحاقة : 19 ] أو كما قال وأما الكافر فإنه ينادي به على رءوس الأشهاد .
6497 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
ابن أبي عدي عن
سعيد ، وهشام وحدثني
يعقوب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية قال أخبرنا
هشام قالا جميعا في حديثهما عن
[ ص: 120 ] قتادة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16232صفوان بن محرز قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810235بينما نحن نطوف بالبيت مع عبد الله بن عمر وهو يطوف ، إذ عرض له رجل فقال : يا ابن عمر ، أما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في النجوى ؟ فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : يدنو المؤمن من ربه حتى يضع عليه كنفه ، فيقرره بذنوبه فيقول : " هل تعرف كذا " ؟ فيقول : " رب اغفر " - مرتين - حتى إذا بلغ به ما شاء الله أن يبلغ قال : " فإني قد سترتها عليك في الدنيا ، وأنا أغفرها لك اليوم " . قال : فيعطى صحيفة حسناته - أو : كتابه - بيمينه ، وأما الكفار والمنافقون فينادي بهم على رءوس الأشهاد : ( هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ) . [ سورة هود : 18 ] .
[ ص: 121 ]
أن الله يفعل بعبده المؤمن من تعريفه إياه سيئات أعماله ، حتى يعرفه تفضله عليه بعفوه له عنها . فكذلك فعله - تعالى ذكره - في محاسبته إياه بما أبداه من نفسه وبما أخفاه من ذلك ، ثم يغفر له كل ذلك بعد تعريفه تفضله وتكرمه عليه ، فيستره عليه . وذلك هو المغفرة التي وعد الله عباده المؤمنين فقال : " فيغفر لمن يشاء " .
قال
أبو جعفر : فإن قال قائل : فإن قوله : "
لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت " ينبئ عن أن جميع الخلق غير مؤاخذين إلا بما كسبته أنفسهم من ذنب ، ولا مثابين إلا بما كسبته من خير ؟
قيل : إن ذلك كذلك ،
وغير مؤاخذ العبد بشيء من ذلك إلا بفعل ما نهي عن فعله ، أو ترك ما أمر بفعله .
فإن قال : فإذ كان ذلك كذلك ، فما معنى وعيد الله - عز وجل - إيانا على ما أخفته أنفسنا بقوله : " ويعذب من يشاء " إن كان لها ما كسبت وعليها
[ ص: 122 ] ما اكتسبت ، وما أضمرته قلوبنا وأخفته أنفسنا - : من هم بذنب ، أو إرادة لمعصية - لم تكتسبه جوارحنا ؟
قيل له : إن الله - جل ثناؤه - قد وعد المؤمنين أن يعفو لهم عما هو أعظم مما هم به أحدهم من المعاصي فلم يفعله ، وهو ما ذكرنا من وعده إياهم العفو عن صغائر ذنوبهم إذا هم اجتنبوا كبائرها ، وإنما الوعيد من الله - عز وجل - بقوله : " ويعذب من يشاء " على ما أخفته نفوس الذين كانت أنفسهم تخفي الشك في الله ، والمرية في وحدانيته ، أو في نبوة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به من عند الله ، أو في المعاد والبعث - من المنافقين ، على نحو ما قال
ابن عباس ومجاهد ، ومن قال بمثل قولهما إن تأويل قوله : "
أو تخفوه يحاسبكم به الله " على الشك واليقين .
غير أنا نقول إن المتوعد بقوله : "
ويعذب من يشاء " هو من كان إخفاء نفسه ما تخفيه الشك والمرية في الله ، وفيما يكون الشك فيه بالله كفرا والموعود الغفران بقوله : "
فيغفر لمن يشاء " هو الذي إخفاء ما يخفيه الهمة بالتقدم على بعض ما نهاه الله عنه من الأمور التي كان جائزا ابتداء تحليله وإباحته ، فحرمه على خلقه - جل ثناؤه - أو على ترك بعض ما أمر الله بفعله ، مما كان جائزا ابتداء إباحة تركه ، فأوجب فعله على خلقه . فإن الذي يهم بذلك من المؤمنين - إذا هو لم يصحح همه بما يهم به ، ويحقق ما أخفته نفسه من ذلك
[ ص: 123 ] بالتقدم عليه - لم يكن مأخوذا به ، كما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
6498 - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=810236من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه " .
فهذا الذي وصفنا هو الذي يحاسب الله به مؤمني عباده ، ثم لا يعاقبهم عليه . فأما من كان ما أخفته نفسه شكا في الله وارتيابا في نبوة أنبيائه ، فذلك هو الهالك المخلد في النار الذي أوعده - جل ثناؤه - العذاب الأليم بقوله : "
ويعذب من يشاء " .
قال
أبو جعفر : فتأويل الآية إذا : "
وإن تبدوا ما في أنفسكم " أيها الناس ، فتظهروه "
أو تخفوه " فتنطوي عليه نفوسكم "
يحاسبكم به الله " فيعرف مؤمنكم تفضله بعفوه عنه ومغفرته له فيغفره له ، ويعذب منافقكم على الشك الذي انطوت عليه نفسه في وحدانية خالقه ونبوة أنبيائه .