القول في تأويل قوله ( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا )
قال
أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بذلك : وما يعلم وقت قيام الساعة ، وانقضاء مدة أكل
محمد وأمته ، وما هو كائن ، إلا الله ، دون من سواه من البشر الذين أملوا إدراك علم ذلك من قبل الحساب والتنجيم والكهانة . وأما الراسخون في العلم فيقولون : "
آمنا به كل من عند ربنا " - لا يعلمون ذلك ، ولكن فضل علمهم في ذلك على غيرهم ، العلم بأن الله هو العالم بذلك دون من سواه من خلقه .
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، وهل " الراسخون " معطوف على اسم " الله " ، بمعنى إيجاب العلم لهم بتأويل المتشابه ، أم هم مستأنف ذكرهم ، بمعنى الخبر عنهم أنهم يقولون : آمنا بالمتشابه وصدقنا أن علم ذلك لا يعلمه إلا الله ؟
فقال بعضهم : معنى ذلك : وما يعلم تأويل ذلك إلا الله وحده منفردا بعلمه . وأما الراسخون في العلم ، فإنهم ابتدئ الخبر عنهم بأنهم يقولون : آمنا بالمتشابه والمحكم ، وأن جميع ذلك من عند الله .
ذكر من قال ذلك :
[ ص: 202 ]
6626 - حدثني
محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدثنا
خالد بن نزار عن
نافع عن
nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة عن
عائشة قوله : "
والراسخون في العلم يقولون آمنا به " قالت : كان من رسوخهم في العلم أن آمنوا بمحكمه ومتشابهه ، ولم يعلموا تأويله .
6627 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال أخبرنا
عبد الرزاق قال أخبرنا
معمر عن
ابن طاوس عن أبيه قال : كان
ابن عباس يقول : (
وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون [ في العلم ] آمنا به )
6628 - حدثني
يونس قال أخبرنا
ابن وهب قال أخبرني
ابن أبي الزناد قال قال
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة : كان أبي يقول في هذه الآية "
وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم " أن الراسخين في العلم لا يعلمون تأويله ، ولكنهم يقولون : "
آمنا به كل من عند ربنا " .
6629 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح قال : حدثنا
عبيد الله عن
أبي نهيك الأسدي قوله : "
وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم " فيقول : إنكم تصلون هذه الآية ، وإنها مقطوعة : "
وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا " فانتهى علمهم إلى قولهم الذي قالوا .
[ ص: 203 ]
6630 - حدثنا
المثنى قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12180ابن دكين قال : حدثنا
عمرو بن عثمان بن عبد الله بن موهب قال : سمعت
عمر بن عبد العزيز يقول : " والراسخون في العلم " انتهى علم الراسخين في العلم بتأويل القرآن إلى أن قالوا "
آمنا به كل من عند ربنا " .
6631 - حدثني
يونس قال أخبرنا
أشهب عن
مالك في قوله : "
وما يعلم تأويله إلا الله " قال : ثم ابتدأ فقال : "
والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا " وليس يعلمون تأويله .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ، وهم مع علمهم بذلك ورسوخهم في العلم يقولون : " آمنا به كل من عند ربنا " .
ذكر من قال ذلك :
6632 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم عن
عيسى عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد عن
ابن عباس أنه قال : أنا ممن يعلم تأويله .
6633 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم عن
عيسى عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد : " والراسخون في العلم " يعلمون تأويله ، ويقولون : " آمنا به " .
6634 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد : " والراسخون في العلم يعلمون تأويله ، ويقولون : " آمنا به " .
6635 - حدثت عن
عمار بن الحسن قال : حدثنا
ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن
الربيع : " والراسخون في العلم " يعلمون تأويله ويقولون : " آمنا به " .
6636 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة عن
ابن إسحاق عن
محمد بن جعفر بن الزبير : " وما يعلم تأويله " الذي أراد ، ما أراد "
إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا " فكيف يختلف ، وهو قول واحد
[ ص: 204 ] من رب واحد ؟ ثم ردوا تأويل المتشابه على ما عرفوا من تأويل المحكمة التي لا تأويل لأحد فيها إلا تأويل واحد ، فاتسق بقولهم الكتاب وصدق بعضه بعضا ، فنفذت به الحجة ، وظهر به العذر ، وزاح به الباطل ، ودمغ به الكفر .
قال
أبو جعفر : فمن قال القول الأول في ذلك ، وقال : إن الراسخين لا يعلمون تأويل ذلك ، وإنما أخبر الله عنهم بإيمانهم وتصديقهم بأنه من عند الله ، فإنه يرفع " الراسخين في العلم " بالابتداء في قول
البصريين ، ويجعل خبره : " يقولون آمنا به " . وأما في قول بعض
الكوفيين ، فبالعائد من ذكرهم في " يقولون " . وفي قول بعضهم : بجملة الخبر عنهم ، وهي : " يقولون " .
ومن قال القول الثاني ، وزعم أن الراسخين يعلمون تأويله ، عطف ب " الراسخين " على اسم " الله " فرفعهم بالعطف عليه .
قال
أبو جعفر : والصواب عندنا في ذلك أنهم مرفوعون بجملة خبرهم بعدهم وهو : " يقولون " لما قد بينا قبل من أنهم لا يعلمون تأويل المتشابه الذي ذكره الله - عز وجل - في هذه الآية ، وهو فيما بلغني مع ذلك في قراءة
أبي : ( ويقول الراسخون في العلم ) كما ذكرناه عن
ابن عباس أنه كان يقرؤه . وفي قراءة
عبد الله : ( إن تأويله إلا عند الله والراسخون في العلم يقولون ) .
قال
أبو جعفر : وأما معنى " التأويل " في كلام العرب ، فإنه التفسير والمرجع والمصير . وقد أنشد بعض الرواة بيت
الأعشى :
[ ص: 205 ] على أنها كانت تأول حبها تأول ربعي السقاب فأصحبا
وأصله من : " آل الشيء إلى كذا " - إذا صار إليه ورجع " يئول أولا " و " أولته أنا " صيرته إليه . وقد قيل إن قوله : (
وأحسن تأويلا ) [ سورة النساء : 59 \ سورة الإسراء : 35 ] أي جزاء . وذلك أن " الجزاء " هو الذي آل إليه أمر القوم وصار إليه .
ويعني بقوله : " تأول حبها " : تفسير حبها ومرجعه . وإنما يريد بذلك أن حبها كان صغيرا في قلبه ، فآل من الصغر إلى العظم ، فلم يزل ينبت حتى أصحب ، فصار قديما ، كالسقب الصغير الذي لم يزل يشب حتى أصحب فصار كبيرا مثل أمه .
[ ص: 206 ] وقد ينشد هذا البيت :
على أنها كانت توابع حبها
توالي ربعي السقاب فأصحبا