[ ص: 226 ] القول في
تأويل قوله ( قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد ( 12 ) )
قال
أبو جعفر : اختلفت القرأة في ذلك .
فقرأه بعضهم : (
قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون ) بالتاء ، على وجه الخطاب للذين كفروا بأنهم سيغلبون . واحتجوا لاختيارهم قراءة ذلك بالتاء بقوله : (
قد كان لكم آية في فئتين ) . قالوا : ففي ذلك دليل على أن قوله : " ستغلبون " كذلك ، خطاب لهم . وذلك هو قراءة عامة قرأة
الحجاز والبصرة وبعض
الكوفيين . وقد يجوز لمن كانت نيته في هذه الآية : أن الموعودين بأن يغلبوا ، هم الذين أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يقول ذلك لهم أن يقرأه بالياء والتاء . لأن الخطاب بالوحي حين نزل لغيرهم ، فيكون نظير قول القائل في الكلام : " قلت للقوم : إنكم مغلوبون " و " قلت لهم : إنهم مغلوبون " . وقد ذكر أن في قراءة
عبد الله : ( " قل للذين كفروا إن تنتهوا يغفر لكم " ) [ سورة الأنفال : 38 ] ، وهي في قراءتنا : (
إن ينتهوا يغفر لهم ) .
وقرأت ذلك جماعة من قرأة
أهل الكوفة : ( سيغلبون ويحشرون ) ، على معنى : قل
لليهود : سيغلب مشركو العرب ويحشرون إلى جهنم . ومن قرأ ذلك
[ ص: 227 ] كذلك على هذا التأويل ، لم يجز في قراءته غير الياء .
قال
أبو جعفر : والذي نختار من القراءة في ذلك قراءة من قرأه بالتاء ، بمعنى : قل يا
محمد للذين كفروا من
يهود بني إسرائيل الذين يتبعون ما تشابه من آي الكتاب الذي أنزلته إليك ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله : "
ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد " .
وإنما اخترنا قراءة ذلك كذلك ، على قراءته بالياء ، لدلالة قوله : (
قد كان لكم آية في فئتين ) ، على أنهم بقوله : " ستغلبون " مخاطبون خطابهم بقوله : " قد كان لكم " فكان إلحاق الخطاب بمثله من الخطاب أولى من الخطاب بخلافه من الخبر عن غائب .
وأخرى أن : -
6666 -
أبا كريب حدثنا قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17416يونس بن بكير عن
محمد بن إسحاق قال حدثني
محمد بن أبي محمد مولى زيد عن
سعيد بن جبير أو
عكرمة عن
ابن عباس قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=810252لما أصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشا يوم بدر فقدم المدينة ، جمع يهود في سوق بني قينقاع . فقال : يا معشر يهود ، أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشا ! فقالوا : يا محمد ، لا تغرنك نفسك أنك قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا لا يعرفون القتال ، إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس ، وأنك لم تأت مثلنا ! ! فأنزل الله - عز وجل - في ذلك من قولهم : " قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد " إلى قوله : " لأولي الأبصار " . [ ص: 228 ]
6667 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة قال : حدثنا
محمد بن إسحاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=16276عاصم بن عمر بن قتادة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810253لما أصاب الله قريشا يوم بدر ، جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهود في سوق بني قينقاع حين قدم المدينة ثم ذكر نحو حديث
أبي كريب عن
يونس .
6668 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة عن
ابن إسحاق قال :
كان من أمر بني قينقاع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمعهم بسوق بني قينقاع ، ثم قال : يا معشر اليهود ، احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة ، وأسلموا ، فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل ، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم ! فقالوا : يا محمد ، إنك ترى أنا كقومك ! لا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت فيهم فرصة ! إنا والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس .
6669 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة عن
محمد بن إسحاق عن
محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت عن
سعيد بن جبير أو
عكرمة عن
ابن عباس قال : ما نزلت هؤلاء الآيات إلا فيهم : "
قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد " إلى " لأولي الأبصار " .
6670 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال حدثني
حجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
عكرمة في قوله : "
قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد " قال
فنحاص اليهودي في يوم
بدر : لا يغرن
محمدا أن غلب
قريشا وقتلهم ! إن
قريشا لا تحسن القتال ! فنزلت هذه الآية : "
قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد " .
[ ص: 229 ]
قال
أبو جعفر : فكل هذه الأخبار تنبئ عن أن المخاطبين بقوله : "
ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد " هم
اليهود المقول لهم : " قد كان لكم آية في فئتين " الآية - وتدل على أن قراءة ذلك بالتاء ، أولى من قراءته بالياء .
ومعنى قوله : " وتحشرون " وتجمعون ، فتجلبون إلى جهنم .
وأما قوله : " وبئس المهاد " وبئس الفراش جهنم التي تحشرون إليها . وكان
مجاهد يقول كالذي : -
6671 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم عن
عيسى عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد في قوله : " وبئس المهاد " قال : بئسما مهدوا لأنفسهم .
6672 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد مثله .