القول في
تأويل قوله ( ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ( 14 ) )
قال
أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : " ذلك " جميع ما ذكر في هذه الآية من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة
[ ص: 258 ] والأنعام والحرث . فكنى بقوله : " ذلك " عن جميعهن . وهذا يدل على أن " ذلك " يشتمل على الأشياء الكثيرة المختلفة المعاني ، ويكنى به عن جميع ذلك .
وأما قوله : "
متاع الحياة الدنيا " فإنه خبر من الله عن أن ذلك كله مما يستمتع به في الدنيا أهلها أحياء ، فيتبلغون به فيها ، ويجعلونه وصلة في معايشهم ، وسببا لقضاء شهواتهم ، التي زين لهم حبها في عاجل دنياهم ، دون أن تكون عدة لمعادهم ، وقربة لهم إلى ربهم ، إلا ما أسلك في سبيله ، وأنفق منه فيما أمر به .
وأما قوله : "
والله عنده حسن المآب " فإنه يعني بذلك - جل ثناؤه - : وعند الله حسن المآب يعني : حسن المرجع ، كما : -
6750 - حدثني
موسى قال : حدثنا
عمرو قال : حدثنا
أسباط عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
والله عنده حسن المآب " يقول : حسن المنقلب ، وهي الجنة .
وهو مصدر على مثال " مفعل " من قول القائل : " آب الرجل إلينا " إذا رجع " فهو يئوب إيابا وأوبة وأيبة ومآبا " غير أن موضع الفاء منها مهموز ، والعين مبدلة من " الواو " إلى " الألف " بحركتها إلى الفتح . فلما كان حظها الحركة إلى الفتح ، وكانت حركتها منقولة إلى الحرف الذي قبلها - وهو فاء الفعل - انقلبت فصارت " ألفا " كما قيل : " قال " فصارت عين الفعل " ألفا " لأن حظها الفتح . " والمآب " مثل " المقال " و " المعاد " و " المجال "
[ ص: 259 ] كل ذلك " مفعل " منقولة حركة عينه إلى فائه ، فمصيرة واوه أو ياؤه " ألفا " لفتحة ما قبلها .
قال
أبو جعفر : فإن قال قائل : وكيف قيل : "
والله عنده حسن المآب " وقد علمت ما عنده يومئذ من أليم العذاب وشديد العقاب ؟
قيل : إن ذلك معني به خاص من الناس ، ومعنى ذلك : والله عنده حسن المآب للذين اتقوا ربهم . وقد أنبأنا عن ذلك في هذه الآية التي تليها .
فإن قال : وما " حسن المآب " ؟ قيل : هو ما وصفه به - جل ثناؤه - وهو المرجع إلى جنات تجري من تحتها الأنهار مخلدا فيها ، وإلى أزواج مطهرة ورضوان من الله .