القول في
تأويل قوله ( وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم )
قال
أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : وما اختلف الذين أوتوا الإنجيل - وهو " الكتاب " الذي ذكره الله في هذه الآية - في أمر
عيسى ، وافترائهم على الله فيما قالوه فيه من الأقوال التي كثر بها اختلافهم بينهم ، وتشتتت بها كلمتهم ، وباين بها بعضهم بعضا; حتى استحل بها بعضهم دماء بعض "
إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم " يعني : إلا من بعد ما علموا الحق فيما اختلفوا فيه من أمره ، وأيقنوا أنهم فيما يقولون فيه من عظيم الفرية مبطلون . فأخبر الله عباده أنهم أتوا ما أتوا من الباطل ، وقالوا من القول الذي هو كفر بالله ، على علم منهم بخطأ
[ ص: 277 ] ما قالوه ، وأنهم لم يقولوا ذلك جهلا منهم بخطئه ، ولكنهم قالوه واختلفوا فيه الاختلاف الذي هم عليه ، تعديا من بعضهم على بعض ، وطلب الرياسات والملك والسلطان ، كما : -
6767 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن
الربيع في قوله : "
وما اختلف الذين أتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم " قال : قال
أبو العالية ، إلا من بعد ما جاءهم الكتاب والعلم " بغيا بينهم " يقول : بغيا على الدنيا ، وطلب ملكها وسلطانها ، فقتل بعضهم بعضا على الدنيا من بعد ما كانوا علماء الناس .
6768 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه ، عن
الربيع عن
ابن عمر : أنه كان يكثر تلاوة هذه الآية : "
إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم " يقول : بغيا على الدنيا ، وطلب ملكها وسلطانها . من قبلها والله أتينا ! ما كان علينا من يكون علينا ، بعد أن يأخذ فينا كتاب الله وسنة نبيه ، ولكنا أتينا من قبلها .
6769 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن
الربيع قال : إن
موسى لما حضره الموت دعا سبعين حبرا من أحبار بني إسرائيل ، فاستودعهم التوراة ، وجعلهم أمناء عليه ، كل حبر جزءا منه ، واستخلف
موسى يوشع بن نون . فلما مضى القرن الأول ومضى الثاني ومضى الثالث ، وقعت الفرقة بينهم - وهم الذين أوتوا العلم من أبناء أولئك السبعين - حتى
[ ص: 278 ] أهرقوا بينهم الدماء ، ووقع الشر والاختلاف . وكان ذلك كله من قبل الذين أوتوا العلم ، بغيا بينهم على الدنيا ، طلبا لسلطانها وملكها وخزائنها وزخرفها ، فسلط الله عليهم جبابرتهم ، فقال الله : " إن الدين عند الله الإسلام " إلى قوله : " والله بصير بالعباد " .
فقول
الربيع بن أنس هذا يدل على أنه كان عنده أنه معني بقوله : " وما اختلف الذين أوتوا الكتاب "
اليهود من
بني إسرائيل ، دون
النصارى منهم ، وغيرهم .
وكان غيره يوجه ذلك إلى أن المعني به
النصارى الذين أوتوا الإنجيل .
ذكر من قال ذلك :
6770 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة عن
ابن إسحاق عن
محمد بن جعفر بن الزبير : "
وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم " الذي جاءك ، أي أن الله الواحد الذي ليس له شريك " بغيا بينهم " يعني بذلك
النصارى .