القول في
تأويل قوله ( وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .
فقال بعضهم : " تأويل ذلك : أنه يخرج الشيء الحي من النطفة الميتة ، ويخرج النطفة الميتة من الشيء الحي " .
ذكر من قال ذلك :
6804 - حدثني
أبو السائب قال : حدثنا
أبو معاوية ، عن
الأعمش ، عن
إبراهيم ، عن
عبد الله في قوله : "
تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي " قال : هي النطفة تخرج من الرجل وهي ميتة وهو حي ، ويخرج الرجل منها حيا وهي ميتة .
6805 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم ، عن
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله - عز وجل - : "
تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي " قال : الناس الأحياء من النطف والنطف ميتة ، ويخرجها من الناس الأحياء ، والأنعام .
6806 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد مثله .
[ ص: 305 ]
6807 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
سلمة بن نبيط ، عن
الضحاك في قوله : "
تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي " فذكر نحوه .
6808 - حدثني
موسى قال : حدثنا
عمرو قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي " فالنطفة ميتة تكون ، تخرج من إنسان حي ، ويخرج إنسان حي من نطفة ميتة .
6809 - حدثني
محمد بن عمر بن علي بن عطاء المقدمي قال : حدثنا
أشعث السجستاني قال : حدثنا
شعبة ، عن
إسماعيل بن أبي خالد في قوله . "
تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي " قال : تخرج النطفة من الرجل ، والرجل من النطفة .
6810 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة في قوله : "
تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي " قال : تخرج الحي من هذه النطفة الميتة ، وتخرج هذه النطفة الميتة من الحي .
6811 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد في قوله : "
تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي " الآية ، قال : الناس الأحياء من النطف ، والنطف الميتة من الناس الأحياء ، ومن الأنعام والنبت كذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : وسمعت
يزيد بن عويمر يخبر ، عن
سعيد بن جبير قال : إخراجه النطفة من الإنسان ، وإخراجه الإنسان من النطفة .
[ ص: 306 ]
6812 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : "
تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي " قال : النطفة ميتة ، فتخرج منها أحياء "
وتخرج الميت من الحي " تخرج النطفة من هؤلاء الأحياء ، والحب ميت تخرج منه حيا " وتخرج الميت من الحي " تخرج من هذا الحي حبا ميتا .
وقال آخرون : معنى ذلك : " أنه يخرج النخلة من النواة ، والنواة من النخلة ، والسنبل من الحب ، والحب من السنبل ، والبيض من الدجاج ، والدجاج من البيض " .
ذكر من قال ذلك .
6813 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
أبو تميلة قال : حدثنا
عبد الله ، عن
عكرمة قوله : "
تخرج الحي من الميت " قال : هي البيضة تخرج من الحي وهي ميتة ، ثم يخرج منها الحي .
6814 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
حفص بن عمر ، عن
الحكم بن أبان ، عن
عكرمة في قوله . "
تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي " قال : النخلة من النواة والنواة من النخلة ، والحبة من السنبلة ، والسنبلة من الحبة .
وقال آخرون : " معنى ذلك : أنه يخرج المؤمن من الكافر ، والكافر من المؤمن " .
ذكر من قال ذلك :
6815 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة ، عن
الحسن في قوله : "
تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي " يعني المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن ، والمؤمن عبد حي الفؤاد ، والكافر عبد ميت الفؤاد .
[ ص: 307 ]
6816 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر قال : قال
الحسن في قوله : "
تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي " قال : يخرج المؤمن من الكافر ، ويخرج الكافر من المؤمن .
6819 - حدثنا
عمران بن موسى قال : حدثنا
عبد الوارث ، عن
سعيد بن عمرو ، عن
الحسن قرأ : "
تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي " قال : تخرج المؤمن من الكافر ، وتخرج الكافر من المؤمن .
6820 - حدثني
حميد بن مسعدة قال : حدثنا
بشر بن المفضل قال : حدثنا
سليمان التيمي ، عن
أبي عثمان ، عن
سلمان ، أو عن
ابن مسعود وأكبر ظني أنه عن
سلمان قال : إن الله - عز وجل - خمر طينة
آدم أربعين ليلة - أو قال : أربعين يوما - ثم قال بيده فيه ، فخرج كل طيب في يمينه ، وخرج كل خبيث في يده الأخرى ، ثم خلط بينهما ، ثم خلق منها آدم ، فمن ثم يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ، يخرج المؤمن من الكافر ، ويخرج الكافر من المؤمن .
[ ص: 308 ]
6821 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
الزهري :
nindex.php?page=hadith&LINKID=812018أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على بعض نسائه ، فإذا بامرأة حسنة النعمة ، فقال : من هذه ؟ قالت إحدى خالاتك ! قال : إن خالاتي بهذه البلدة لغرائب ! وأي خالاتي هذه ؟ قالت : خالدة ابنة الأسود بن عبد يغوث . قال : سبحان الذي يخرج الحي من الميت ! وكانت امرأة صالحة ، وكان أبوها كافرا .
6822 - حدثني
محمد بن سنان قال : حدثنا
أبو بكر الحنفي قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16292عباد بن منصور ، عن
الحسن في قوله : "
تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي " قال : هل علمتم أن الكافر يلد مؤمنا ، وأن المؤمن يلد كافرا ؟ فقال : هو كذلك .
[ ص: 309 ]
قال
أبو جعفر : وأولى التأويلات التي ذكرناها في هذه الآية بالصواب ، تأويل من قال : " يخرج الإنسان الحي والأنعام والبهائم الأحياء من النطف الميتة وذلك إخراج الحي من الميت ويخرج النطفة الميتة من الإنسان الحي والأنعام والبهائم الأحياء وذلك إخراج الميت من الحي " .
وذلك أن كل حي فارقه شيء من جسده ، فذلك الذي فارقه منه ميت . فالنطفة ميتة لمفارقتها جسد من خرجت منه ، ثم ينشئ الله منها إنسانا حيا وبهائم وأنعاما أحياء . وكذلك حكم كل شيء حي زايله شيء منه ، فالذي زايله منه ميت . وذلك هو نظير قوله : (
كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون ) [ سورة البقرة : 28 ] .
وأما تأويل من تأوله بمعنى الحبة من السنبلة ، والسنبلة من الحبة ، والبيضة من الدجاجة ، والدجاجة من البيضة ، والمؤمن من الكافر ، والكافر من المؤمن فإن ذلك ، وإن كان له وجه مفهوم ، فليس ذلك الأغلب الظاهر في استعمال الناس في الكلام . وتوجيه معاني كتاب الله - عز وجل - إلى الظاهر المستعمل في الناس ، أولى من توجيهها إلى الخفي القليل في الاستعمال .
واختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأته جماعة منهم : (
تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ) بالتشديد ، وتثقيل " الياء " من " الميت " بمعنى أنه يخرج الشيء الحي من الشيء الذي قد مات ، ومما لم يمت .
[ ص: 310 ]
وقرأت جماعة أخرى منهم : (
تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ) بتخفيف " الياء " من " الميت " بمعنى أنه يخرج الشيء الحي من الشيء الذي قد مات ، دون الشيء الذي لم يمت ، ويخرج الشيء الميت ، دون الشيء الذي لم يمت ، من الشيء الحي .
وذلك أن " الميت " مثقل " الياء " عند العرب : ما لم يمت وسيموت ، وما قد مات .
وأما " الميت " مخففا ، فهو الذي قد مات ، فإذا أرادوا النعت قالوا : " إنك مائت غدا ، وإنهم مائتون " . وكذلك كل ما لم يكن بعد ، فإنه يخرج - على هذا المثال - الاسم منه . يقال : " هو الجائد بنفسه والطائبة نفسه بذلك " وإذا أريد معنى الاسم قيل : " هو الجواد بنفسه والطيبة نفسه " .
قال
أبو جعفر : فإذا كان ذلك كذلك ، فأولى القراءتين في هذه الآية بالصواب ، قراءة من شدد " الياء " من " الميت " . لأن الله - جل ثناؤه - يخرج الحي من النطفة التي قد فارقت الرجل فصارت ميتة ، وسيخرجه منها بعد أن تفارقه وهي في صلب الرجل " ويخرج الميت من الحي " النطفة التي تصير بخروجها من الرجل الحي ميتا ، وهي قبل خروجها منه حية . فالتشديد أبلغ في المدح وأكمل في الثناء .