[ ص: 381 ] القول في تأويل قوله ( قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر )
قال
أبو جعفر : يعني أن
زكريا قال إذ نادته الملائكة : "
أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين " " أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر " ؟ يعني : من بلغ من السن ما بلغت لم يولد له " وامرأتي عاقر " .
" والعاقر " من النساء التي لا تلد . يقال منه : " امرأة عاقر ، ورجل عاقر " كما قال
عامر بن الطفيل :
لبئس الفتى ! إن كنت أعور عاقرا جبانا ، فما عذري لدى كل محضر ! !
وأما " الكبر " فمصدر : " كبر فهو يكبر كبرا " .
وقيل : " بلغني الكبر " وقد قال في موضع آخر : (
قد بلغت من الكبر )
[ ص: 382 ] [ سورة مريم : 8 ] ، لأن ما بلغك فقد بلغته . وإنما معناه : قد كبرت ، وهو كقول القائل : " قد بلغني الجهد " بمعنى : أني في جهد .
فإن قال قائل : وكيف قال
زكريا وهو نبي الله : " رب أني يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر " وقد بشرته الملائكة بما بشرته به عن أمر الله إياها به ؟ أشك في صدقهم ؟ فذلك ما لا يجوز أن يوصف به أهل الإيمان بالله ! فكيف الأنبياء والمرسلون ؟ أم كان ذلك منه استنكارا لقدرة ربه ؟ فذلك أعظم في البلية !
قيل : كان ذلك منه - صلى الله عليه وسلم - على غير ما ظننت ، بل كان قيله ما قال من ذلك ، كما : -
7001 - حدثني
موسى قال : حدثنا
عمرو قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : لما سمع النداء - يعني
زكريا ، لما سمع نداء الملائكة بالبشارة
بيحيى - جاءه الشيطان فقال له : يا
زكريا ، إن الصوت الذي سمعت ليس هو من الله ، إنما هو من الشيطان يسخر بك ! ولو كان من الله أوحاه إليك كما يوحي إليك في غيره من الأمر ! فشك مكانه ، وقال : " أني يكون لي غلام " ذكر ؟ يقول : من أين ؟ " وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر " .
7002 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
أبي بكر ، عن
عكرمة قال : فأتاه الشيطان فأراد أن يكدر عليه نعمة ربه فقال : هل تدري من ناداك ؟ قال : نعم ! نادتني ملائكة ربي ! قال : بل ذلك الشيطان !
[ ص: 383 ] لو كان هذا من ربك لأخفاه إليك كما أخفيت نداءك ! فقال : "
رب اجعل لي آية " .
فكان قوله ما قال من ذلك ، ومراجعته ربه فيما راجع فيه بقوله : " أنى يكون لي غلام " للوسوسة التي خالطت قلبه من الشيطان حتى خيلت إليه أن النداء الذي سمعه كان نداء من غير الملائكة ، فقال : " رب أني يكون لي غلام " مستثبتا في أمره ، ليتقرر عنده بآية يريها الله في ذلك - أنه بشارة من الله على ألسن ملائكته ، ولذلك قال : " رب اجعل لي آية " .
وقد يجوز أن يكون قيله ذلك ، مسألة منه ربه : من أي وجه يكون الولد الذي بشر به ؟ أمن زوجته ؟ فهي عاقر - أم من غيرها من النساء ؟ فيكون ذلك على غير الوجه الذي قاله
عكرمة nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ومن قال مثل قولهما .