1. الرئيسية
  2. تفسير الطبري
  3. تفسير سورة آل عمران
  4. القول في تأويل قوله تعالى " إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم "
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم )

قال أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : " إذ قالت الملائكة " وما كنت لديهم إذ يختصمون ، وما كنت لديهم أيضا إذ قالت الملائكة : يا مريم إن الله يبشرك . [ ص: 411 ]

" والتبشير " إخبار المرء بما يسره من خبر .

وقوله : " بكلمة منه " يعني برسالة من الله وخبر من عنده ، وهو من قول القائل : " ألقى فلان إلي كلمة سرني بها " بمعنى : أخبرني خبرا فرحت به ، كما قال - جل ثناؤه - : ( وكلمته ألقاها إلى مريم ) [ سورة النساء : 171 ] ، يعني : بشرى الله مريم بعيسى ، ألقاها إليها .

فتأويل الكلام : وما كنت ، يا محمد ، عند القوم إذ قالت الملائكة لمريم : يا مريم إن الله يبشرك ببشرى من عنده ، هي ولد لك اسمه المسيح عيسى ابن مريم .

وقد قال قوم - وهو قول قتادة - : إن " الكلمة " التي قال الله - عز وجل - : " بكلمة منه " هو قوله : " كن " .

7061 - حدثنا بذلك الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قوله : " بكلمة منه " قال : قوله : " كن " .

فسماه الله - عز وجل - " كلمته " لأنه كان عن كلمته ، كما يقال لما قدر الله من شيء : " هذا قدر الله وقضاؤه " يعني به : هذا عن قدر الله وقضائه حدث ، وكما قال - جل ثناؤه - : ( وكان أمر الله مفعولا ) [ سورة النساء : 47 - سورة الأحزاب : 37 ] ، يعني به : ما أمر الله به ، وهو المأمور [ به ] الذي كان عن أمر الله - عز وجل - . [ ص: 412 ]

وقال آخرون : بل هي اسم لعيسى سماه الله بها ، كما سمى سائر خلقه بما شاء من الأسماء .

وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : " الكلمة " هي عيسى .

7062 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : " إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه " قال : عيسى هو الكلمة من الله .

قال أبو جعفر : وأقرب الوجوه إلى الصواب عندي ، القول الأول . وهو أن الملائكة بشرت مريم بعيسى عن الله - عز وجل - برسالته وكلمته التي أمرها أن تلقيها إليها : أن الله خالق منها ولدا من غير بعل ولا فحل ، ولذلك قال - عز وجل - : " اسمه المسيح " فذكر ، ولم يقل : " اسمها " فيؤنث ، و " الكلمة " مؤنثة ، لأن " الكلمة " غير مقصود بها قصد الاسم الذي هو بمعنى " فلان " وإنما هي بمعنى البشارة ، فذكرت كنايتها كما تذكر كناية " الذرية " و " الدابة " والألقاب ، على ما قد بيناه قبل فيما مضى .

فتأويل ذلك كما قلنا آنفا ، من أن معنى ذلك : إن الله يبشرك ببشرى ثم بين عن البشرى أنها ولد اسمه المسيح .

وقد زعم بعض نحويي البصرة أنه إنما ذكر فقال : " اسمه المسيح " وقد قال : " بكلمة منه " و " الكلمة " عنده هي عيسى لأنه في المعنى كذلك ، كما قال - جل ثناؤه - : ( أن تقول نفس يا حسرتا ) ، ثم قال ( بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها ) [ سورة الزمر : 56 - 59 ] ، وكما يقال : " ذو الثدية " ، لأن يده [ ص: 413 ] كانت قصيرة قريبة من ثدييه ، فجعلها كأن اسمها " ثدية " ولولا ذلك لم تدخل " الهاء " في التصغير .

وقال بعض نحويي الكوفة نحو قول من ذكرنا من نحويي البصرة : في أن " الهاء " من ذكر " الكلمة " وخالفه في المعنى الذي من أجله ذكر قوله " اسمه " و " الكلمة " متقدمة قبله . فزعم أنه إنما قيل : " اسمه " وقد قدمت " الكلمة " ولم يقل : " اسمها " لأن من شأن العرب أن تفعل ذلك فيما كان من النعوت والألقاب والأسماء التي لم توضع لتعريف المسمى به ، ك " فلان " و " فلان " وذلك ، مثل " الذرية " و " الخليفة " و " الدابة " ولذلك جاز عنده أن يقال : " ذرية طيبة " و " ذرية طيبا " ولم يجز أن يقال : " طلحة أقبلت ومغيرة قامت " .

وأنكر بعضهم اعتلال من اعتل في ذلك ب " ذي الثدية " وقالوا : إنما أدخلت " الهاء " في " ذي الثدية " لأنه أريد بذلك القطعة من الثدي ، كما قيل : " كنا في لحمة ونبيذة " يراد به القطعة منه . وهذا القول نحو قولنا الذي قلناه في ذلك .

وأما قوله : " اسمه المسيح عيسى ابن مريم " ، فإنه - جل ثناؤه - أنبأ عباده عن نسبة عيسى ، وأنه ابن أمه مريم ، ونفى بذلك عنه ما أضاف إليه الملحدون في الله - جل ثناؤه - من النصارى ، من إضافتهم بنوته إلى الله - عز وجل - ، وما قرفت أمه به المفترية عليها من اليهود ، كما : - [ ص: 414 ]

7063 - حدثني به ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : " إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين " أي : هكذا كان أمره ، لا ما يقولون فيه .

وأما " المسيح " ، فإنه " فعيل " صرف من " مفعول " إلى " فعيل " وإنما هو " ممسوح " يعني : مسحه الله فطهره من الذنوب ، ولذلك قال إبراهيم : " المسيح " الصديق . . .

7064 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم مثله .

7065 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم مثله .

وقال آخرون : مسح بالبركة .

7066 - حدثنا ابن البرقي قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال : قال سعيد : إنما سمي " المسيح " ، لأنه مسح بالبركة .

التالي السابق


الخدمات العلمية