القول في تأويل قوله ( إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم )
قال
أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : "
إذ قالت الملائكة " وما كنت لديهم إذ يختصمون ، وما كنت لديهم أيضا إذ قالت الملائكة : يا
مريم إن الله يبشرك .
[ ص: 411 ]
" والتبشير " إخبار المرء بما يسره من خبر .
وقوله : " بكلمة منه " يعني برسالة من الله وخبر من عنده ، وهو من قول القائل : " ألقى فلان إلي كلمة سرني بها " بمعنى : أخبرني خبرا فرحت به ، كما قال - جل ثناؤه - : (
وكلمته ألقاها إلى مريم ) [ سورة النساء : 171 ] ، يعني : بشرى الله
مريم بعيسى ، ألقاها إليها .
فتأويل الكلام : وما كنت ، يا
محمد ، عند القوم إذ قالت الملائكة
لمريم : يا
مريم إن الله يبشرك ببشرى من عنده ، هي ولد لك اسمه
المسيح عيسى ابن مريم .
وقد قال قوم - وهو قول
قتادة - : إن " الكلمة " التي قال الله - عز وجل - : " بكلمة منه " هو قوله : " كن " .
7061 - حدثنا بذلك
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة قوله : " بكلمة منه " قال : قوله : " كن " .
فسماه الله - عز وجل - " كلمته " لأنه كان عن كلمته ، كما يقال لما قدر الله من شيء : " هذا قدر الله وقضاؤه " يعني به : هذا عن قدر الله وقضائه حدث ، وكما قال - جل ثناؤه - : (
وكان أمر الله مفعولا ) [ سورة النساء : 47 - سورة الأحزاب : 37 ] ، يعني به : ما أمر الله به ، وهو المأمور [ به ] الذي كان عن أمر الله - عز وجل - .
[ ص: 412 ]
وقال آخرون : بل هي اسم
لعيسى سماه الله بها ، كما سمى سائر خلقه بما شاء من الأسماء .
وروي عن
ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : " الكلمة " هي
عيسى .
7062 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
إسرائيل ، عن
سماك ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس في قوله : "
إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه " قال :
عيسى هو الكلمة من الله .
قال
أبو جعفر : وأقرب الوجوه إلى الصواب عندي ، القول الأول . وهو أن الملائكة بشرت
مريم بعيسى عن الله - عز وجل - برسالته وكلمته التي أمرها أن تلقيها إليها : أن الله خالق منها ولدا من غير بعل ولا فحل ، ولذلك قال - عز وجل - : " اسمه
المسيح " فذكر ، ولم يقل : " اسمها " فيؤنث ، و " الكلمة " مؤنثة ، لأن " الكلمة " غير مقصود بها قصد الاسم الذي هو بمعنى " فلان " وإنما هي بمعنى البشارة ، فذكرت كنايتها كما تذكر كناية " الذرية " و " الدابة " والألقاب ، على ما قد بيناه قبل فيما مضى .
فتأويل ذلك كما قلنا آنفا ، من أن معنى ذلك : إن الله يبشرك ببشرى ثم بين عن البشرى أنها ولد اسمه
المسيح .
وقد زعم بعض نحويي
البصرة أنه إنما ذكر فقال : " اسمه
المسيح " وقد قال : " بكلمة منه " و " الكلمة " عنده هي
عيسى لأنه في المعنى كذلك ، كما قال - جل ثناؤه - : (
أن تقول نفس يا حسرتا ) ، ثم قال (
بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها ) [ سورة الزمر : 56 - 59 ] ، وكما يقال : "
ذو الثدية " ، لأن يده
[ ص: 413 ] كانت قصيرة قريبة من ثدييه ، فجعلها كأن اسمها " ثدية " ولولا ذلك لم تدخل " الهاء " في التصغير .
وقال بعض نحويي
الكوفة نحو قول من ذكرنا من نحويي
البصرة : في أن " الهاء " من ذكر " الكلمة " وخالفه في المعنى الذي من أجله ذكر قوله " اسمه " و " الكلمة " متقدمة قبله . فزعم أنه إنما قيل : " اسمه " وقد قدمت " الكلمة " ولم يقل : " اسمها " لأن من شأن العرب أن تفعل ذلك فيما كان من النعوت والألقاب والأسماء التي لم توضع لتعريف المسمى به ، ك " فلان " و " فلان " وذلك ، مثل " الذرية " و " الخليفة " و " الدابة " ولذلك جاز عنده أن يقال : " ذرية طيبة " و " ذرية طيبا " ولم يجز أن يقال : " طلحة أقبلت ومغيرة قامت " .
وأنكر بعضهم اعتلال من اعتل في ذلك ب " ذي الثدية " وقالوا : إنما أدخلت " الهاء " في " ذي الثدية " لأنه أريد بذلك القطعة من الثدي ، كما قيل : " كنا في لحمة ونبيذة " يراد به القطعة منه . وهذا القول نحو قولنا الذي قلناه في ذلك .
وأما قوله : " اسمه
المسيح عيسى ابن مريم " ، فإنه - جل ثناؤه - أنبأ عباده عن نسبة
عيسى ، وأنه ابن أمه
مريم ، ونفى بذلك عنه ما أضاف إليه الملحدون في الله - جل ثناؤه - من
النصارى ، من إضافتهم بنوته إلى الله - عز وجل - ، وما قرفت أمه به المفترية عليها من
اليهود ، كما : -
[ ص: 414 ]
7063 - حدثني به
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، عن
محمد بن جعفر بن الزبير : "
إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين " أي : هكذا كان أمره ، لا ما يقولون فيه .
وأما "
المسيح " ، فإنه " فعيل " صرف من " مفعول " إلى " فعيل " وإنما هو " ممسوح " يعني : مسحه الله فطهره من الذنوب ، ولذلك قال
إبراهيم : "
المسيح " الصديق . . .
7064 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
سفيان ، عن
منصور ، عن
إبراهيم مثله .
7065 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
ابن المبارك ، عن
سفيان ، عن
منصور ، عن
إبراهيم مثله .
وقال آخرون : مسح بالبركة .
7066 - حدثنا
ابن البرقي قال : حدثنا
عمرو بن أبي سلمة قال : قال
سعيد : إنما سمي "
المسيح " ، لأنه مسح بالبركة .