[ ص: 455 ] القول في تأويل قوله ( إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا )
قال
أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : ومكر الله بالقوم الذين حاولوا قتل
عيسى مع كفرهم بالله ، وتكذيبهم
عيسى فيما أتاهم به من عند ربهم إذ قال الله - جل ثناؤه - : " إني متوفيك " ف " إذ " صلة من قوله : " ومكر الله " يعني : ومكر الله بهم حين قال الله
لعيسى " إني متوفيك ورافعك إلي ، فتوفاه ورفعه إليه .
ثم اختلف أهل التأويل في معنى " الوفاة " التي ذكرها الله - عز وجل - في هذه الآية .
فقال بعضهم : " هي وفاة نوم " وكان معنى الكلام على مذهبهم : إني منيمك ورافعك في نومك .
ذكر من قال ذلك :
7133 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع في قوله : "
إني متوفيك " قال : يعني وفاة المنام ، رفعه الله في منامه قال
الحسن :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لليهود : " إن عيسى لم يمت ، وإنه راجع إليكم قبل يوم القيامة .
وقال آخرون : معنى ذلك : إني قابضك من الأرض ، فرافعك إلي ، قالوا : ومعنى " الوفاة " القبض ، لما يقال : " توفيت من فلان مالي عليه " بمعنى : قبضته واستوفيته . قالوا : فمعنى قوله : " إني متوفيك ورافعك " أي : قابضك من
[ ص: 456 ] الأرض حيا إلى جواري ، وآخذك إلى ما عندي بغير موت ، ورافعك من بين المشركين وأهل الكفر بك .
ذكر من قال ذلك :
7134 - حدثنا
علي بن سهل قال : حدثنا
ضمرة بن ربيعة ، عن
ابن شوذب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17096مطر الوراق في قول الله : "
إني متوفيك " قال : متوفيك من الدنيا ، وليس بوفاة موت .
7135 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
الحسن في قوله : "
إني متوفيك " قال : متوفيك من الأرض .
7136 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قوله : "
إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا " قال : فرفعه إياه إليه ، توفيه إياه ، وتطهيره من الذين كفروا .
7137 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عبد الله بن صالح قال : حدثني
معاوية بن صالح : أن
كعب الأحبار قال : ما كان الله - عز وجل - ليميت
عيسى ابن مريم ، إنما بعثه الله داعيا ومبشرا يدعو إليه وحده ، فلما رأى
عيسى قلة من اتبعه وكثرة من كذبه ، شكا ذلك إلى الله - عز وجل - ، فأوحى الله إليه : "
إني متوفيك ورافعك إلي " وليس من رفعته عندي ميتا ، وإني سأبعثك على الأعور الدجال فتقتله ، ثم تعيش بعد ذلك أربعا وعشرين سنة ، ثم أميتك ميتة الحي .
قال
كعب الأحبار : وذلك يصدق حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث
[ ص: 457 ] قال : كيف تهلك أمة أنا في أولها ،
وعيسى في آخرها .
7138 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، عن
محمد بن جعفر بن الزبير : "
يا عيسى إني متوفيك " أي قابضك .
7139 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : "
إني متوفيك ورافعك إلي " قال : " متوفيك " : قابضك قال : " ومتوفيك " و " رافعك " واحد قال : ولم يمت بعد ، حتى يقتل
الدجال ، وسيموت . وقرأ قول الله - عز وجل - : "
ويكلم الناس في المهد وكهلا " قال : رفعه الله إليه قبل أن يكون كهلا قال : وينزل كهلا .
7140 - حدثنا
محمد بن سنان قال : حدثنا
أبو بكر الحنفي ، عن
عباد ، عن
الحسن في قول الله - عز وجل - : "
يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي " الآية كلها ، قال : رفعه الله إليه ، فهو عنده في السماء .
وقال آخرون : معنى ذلك : إني متوفيك وفاة موت .
ذكر من قال ذلك :
7141 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عبد الله بن صالح قال : حدثني
معاوية ، عن علي ، عن
ابن عباس قوله : " إني متوفيك " يقول : إني مميتك .
7142 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، عمن لا يتهم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه اليماني أنه قال : توفى الله
عيسى ابن مريم ثلاث ساعات من النهار حتى رفعه إليه .
[ ص: 458 ]
7143 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق قال :
والنصارى يزعمون أنه توفاه سبع ساعات من النهار ، ثم أحياه الله .
وقال آخرون : معنى ذلك : إذ قال الله يا
عيسى إني رافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ، ومتوفيك بعد إنزالي إياك إلى الدنيا . وقال : هذا من المقدم الذي معناه التأخير ، والمؤخر الذي معناه التقديم .
قال
أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصحة عندنا ، قول من قال : " معنى ذلك : إني قابضك من الأرض ورافعك إلي " لتواتر الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=812022ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الدجال ، ثم يمكث في الأرض مدة ذكرها ، اختلفت الرواية في مبلغها ، ثم يموت فيصلي عليه المسلمون ويدفنونه .
7144 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300محمد بن مسلم الزهري ، عن
حنظلة بن علي الأسلمي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810272ليهبطن الله عيسى ابن مريم حكما عدلا وإماما مقسطا ، يكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال حتى لا يجد من يأخذه ، وليسلكن الروحاء حاجا أو معتمرا ، أو ليثنين بهما جميعا .
[ ص: 459 ]
7145 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، عن
الحسن بن دينار ، عن
قتادة ، عن
عبد الرحمن بن آدم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810273الأنبياء إخوة لعلات ، أمهاتهم شتى ، ودينهم واحد . وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم ، لأنه لم يكن بيني وبينه نبي ، وأنه خليفتي على أمتي . وإنه نازل ، فإذا رأيتموه فاعرفوه : فإنه رجل مربوع الخلق ، إلى الحمرة والبياض ، سبط الشعر ، كأن شعره يقطر ، وإن لم يصبه بلل ، بين ممصرتين ، يدق الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويفيض المال ، ويقاتل الناس على الإسلام حتى يهلك الله في زمانه الملل كلها ، ويهلك الله في زمانه مسيح الضلالة الكذاب الدجال وتقع في الأرض الأمنة حتى ترتع الأسود مع الإبل ، والنمر مع البقر ، والذئاب مع الغنم ، وتلعب الغلمان بالحيات ، لا يضر بعضهم بعضا ، فيثبت في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى ، ويصلي المسلمون عليه ويدفنونه . [ ص: 460 ]
قال
أبو جعفر : ومعلوم أنه لو كان قد أماته الله - عز وجل - ، لم يكن بالذي يميته ميتة أخرى ، فيجمع عليه ميتتين ، لأن الله - عز وجل - إنما أخبر عباده أنه يخلقهم ثم يميتهم ثم يحييهم ، كما قال - جل ثناؤه - : (
الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء ) [ سورة الروم : 40 ] .
[ ص: 461 ]
فتأويل الآية إذا : قال الله
لعيسى : يا
عيسى ، إني قابضك من الأرض ، ورافعك إلي ، ومطهرك من الذين كفروا فجحدوا نبوتك .
وهذا الخبر ، وإن كان مخرجه مخرج خبر ، فإن فيه من الله - عز وجل - احتجاجا على الذين حاجوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في
عيسى من وفد
نجران بأن
عيسى لم يقتل ولم يصلب كما زعموا ، وأنهم
واليهود الذين أقروا بذلك وادعوا على
عيسى - كذبة في دعواهم وزعمهم ، كما : -
7146 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، عن
محمد بن جعفر بن الزبير : ثم أخبرهم - يعني الوفد من
نجران - ورد عليهم فيما أقروا
لليهود بصلبه ، كيف رفعه وطهره منهم ، فقال : " إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي " .
وأما " مطهرك من الذين كفروا " فإنه يعني : منظفك ، فمخلصك ممن كفر بك ، وجحد ما جئتهم به من الحق من اليهود وسائر الملل غيرها ، كما : -
7147 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، عن
محمد بن جعفر بن الزبير : "
ومطهرك من الذين كفروا ، قال : إذ هموا منك بما هموا .
7148 - حدثني
محمد بن سنان قال : حدثنا
أبو بكر الحنفي ، عن
عباد ، [ ص: 462 ] عن
الحسن في قوله : "
ومطهرك من الذين كفروا " قال : طهره من
اليهود والنصارى والمجوس ومن كفار قومه .