[ ص: 476 ] القول في تأويل قوله (
إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم ( 62 )
فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين ( 63 ) )
قال
أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : إن هذا الذي أنبأتك به ، يا
محمد ، من أمر
عيسى فقصصته عليك من أنبائه ، وأنه عبدي ورسولي وكلمتي ألقيتها إلى
مريم وروح مني ، لهو القصص والنبأ الحق ، فاعلم ذلك . واعلم أنه ليس للخلق معبود يستوجب عليهم العبادة بملكه إياهم إلا معبودك الذي تعبده ، وهو الله العزيز الحكيم .
ويعني بقوله : " العزيز " العزيز في انتقامه ممن عصاه وخالف أمره ، وادعى معه إلها غيره ، أو عبد ربا سواه " الحكيم " في تدبيره ، لا يدخل ما دبره وهن ، ولا يلحقه خلل .
" فإن تولوا " يعني : فإن أدبر هؤلاء الذين حاجوك في
عيسى ، عما جاءك من الحق من عند ربك في
عيسى وغيره من سائر ما آتاك الله من الهدى والبيان ،
[ ص: 477 ] فأعرضوا عنه ولم يقبلوه
"
فإن الله عليم بالمفسدين " يقول : فإن الله ذو علم بالذين يعصون ربهم ، ويعملون في أرضه وبلاده بما نهاهم عنه ، وذلك هو إفسادهم . يقول تعالى ذكره : فهو عالم بهم وبأعمالهم ، يحصيها عليهم ويحفظها ، حتى يجازيهم عليها جزاءهم .
وبنحو ما قلنا قي ذلك قال أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك :
7176 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، عن
محمد بن جعفر بن الزبير : "
إن هذا لهو القصص الحق " أي : إن هذا الذي جئت به من الخبر عن
عيسى ، "
لهو القصص الحق " من أمره .
7177 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : "
إن هذا لهو القصص " إن هذا الذي قلنا في
عيسى "
لهو القصص الحق " .
7178 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : "
إن هذا لهو القصص الحق " قال : إن هذا القصص الحق في
عيسى ، ما ينبغي
لعيسى أن يتعدى هذا ولا يجاوزه : أن يتعدى أن يكون كلمة الله ألقاها إلى
مريم ، وروحا منه ، وعبد الله ورسوله .
7179 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس : "
إن هذا لهو القصص الحق " إن هذا الذي قلنا في
[ ص: 478 ] عيسى ، هو الحق " وما من إله إلا الله " الآية .
فلما فصل - جل ثناؤه - بين نبيه
محمد - صلى الله عليه وسلم - وبين الوفد من
نصارى نجران ، بالقضاء الفاصل والحكم العادل ، أمره إن هم تولوا عما دعاهم إليه من الإقرار بوحدانية الله ، وأنه لا ولد له ولا صاحبة ، وأن
عيسى عبده ورسوله ، وأبوا إلا الجدل والخصومة أن يدعوهم إلى الملاعنة . ففعل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فلما فعل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، انخزلوا فامتنعوا من الملاعنة ، ودعوا إلى المصالحة ، كالذي : -
7180 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
جرير ، عن
مغيرة ، عن
عامر قال : فأمر - يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - - بملاعنتهم - يعني : بملاعنة
أهل نجران - بقوله : "
فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم " الآية . فتواعدوا أن يلاعنوه وواعدوه الغد . فانطلقوا إلى
السيد والعاقب ، وكانا أعقلهم ، فتابعاهم . فانطلقوا إلى رجل منهم عاقل ، فذكروا له ما فارقوا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ما صنعتم ! ! وندمهم ، وقال لهم : إن كان نبيا ثم دعا عليكم لا يغضبه الله فيكم أبدا ، ولئن كان ملكا فظهر عليكم لا يستبقيكم أبدا . قالوا : فكيف لنا وقد واعدنا ! فقال لهم : إذا غدوتم إليه فعرض عليكم الذي فارقتموه عليه ، فقولوا : " نعوذ بالله " ! فإن دعاكم أيضا فقولوا له : " نعوذ بالله " ! ولعله أن يعفيكم من ذلك . فلما غدوا غدا النبي - صلى الله عليه وسلم - محتضنا
حسنا آخذا بيد
الحسين ، وفاطمة تمشي خلفه . فدعاهم إلى الذي فارقوه عليه بالأمس ،
[ ص: 479 ] فقالوا : " نعوذ بالله " ! ثم دعاهم فقالوا : " نعوذ بالله " ! مرارا قال : فإن أبيتم فأسلموا ولكم ما للمسلمين وعليكم ما على المسلمين كما قال الله - عز وجل - ، فإن أبيتم فأعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون كما قال الله - عز وجل - . قالوا : ما نملك إلا أنفسنا ! قال : فإن أبيتم فإني أنبذ إليكم على سواء كما قال الله - عز وجل - . قالوا : ما لنا طاقة بحرب العرب ، ولكن نؤدي الجزية . قال : فجعل عليهم في كل سنة ألفي حلة ، ألفا في رجب ، وألفا في صفر . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لقد أتاني البشير بهلكة
أهل نجران ، حتى الطير على الشجر أو : العصافير على الشجر لو تموا على الملاعنة .
حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
جرير قال : فقلت
للمغيرة : إن الناس يروون في حديث
أهل نجران أن
عليا كان معهم ! فقال : أما
الشعبي فلم يذكره ، فلا أدري لسوء رأي
بني أمية في
علي ، أو لم يكن في الحديث !
7181 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، عن
محمد بن جعفر بن الزبير : "
إن هذا لهو القصص الحق " إلى قوله : "
فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون " فدعاهم إلى النصف ، وقطع عنهم الحجة . فلما أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخبر من الله عنه ، والفصل من القضاء بينه وبينهم ، وأمره بما أمره به من ملاعنتهم ، إن ردوا عليه دعاهم إلى ذلك ، فقالوا : يا
أبا القاسم ، دعنا ننظر في أمرنا ، ثم نأتيك بما نريد أن نفعل فيما دعوتنا إليه . فانصرفوا عنه ، ثم خلوا بالعاقب ، وكان ذا رأيهم ، فقالوا : يا عبد
المسيح ، ما ترى ؟ قال :
[ ص: 480 ] والله يا معشر
النصارى ، لقد عرفتم أن
محمدا لنبي مرسل ، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم ، ولقد علمتم ما لاعن قوم نبيا قط فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم ، وإنه للاستئصال منكم إن فعلتم ، فإن كنتم قد أبيتم إلا إلف دينكم ، والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم ، فوادعوا الرجل ، ثم انصرفوا إلى بلادكم حتى يريكم زمن رأيه . فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا
أبا القاسم ، قد رأينا أن لا نلاعنك ، وأن نتركك على دينك ، ونرجع على ديننا ، ولكن ابعث معنا رجلا من أصحابك ترضاه لنا ، يحكم بيننا في أشياء قد اختلفنا فيها من أموالنا ، فإنكم عندنا رضى .
7182 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
عيسى بن فرقد ، عن
أبي الجارود ، عن
زيد بن علي في قوله : "
تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم " الآية ، قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم -
وعلي وفاطمة والحسن والحسين .
[ ص: 481 ]
7183 - حدثنا
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن المفضل قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم " الآية ، فأخذ - يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - - بيد
الحسن والحسين وفاطمة ، وقال
لعلي : اتبعنا . فخرج معهم ، فلم يخرج يومئذ
النصارى ، وقالوا : إنا نخاف أن يكون هذا هو النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وليس دعوة النبي كغيرها ! ! فتخلفوا عنه يومئذ ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لو خرجوا لاحترقوا ! فصالحوه على صلح : على أن له عليهم ثمانين ألفا ، فما عجزت الدراهم ففي العروض : الحلة بأربعين وعلى أن له عليهم ثلاثا وثلاثين درعا ، وثلاثا وثلاثين بعيرا ، وأربعة وثلاثين فرسا غازية كل سنة ، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضامن لها حتى نؤديها إليهم .
7184 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قال : ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - دعا وفدا من وفد
نجران من
النصارى ، وهم الذين حاجوه ، في
عيسى ، فنكصوا عن ذلك وخافوا وذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : والذي نفس
محمد بيده ، إن كان العذاب لقد تدلى على
أهل نجران ، ولو فعلوا لاستؤصلوا عن جديد الأرض .
7185 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة في قوله : "
فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم " قال : بلغنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - خرج ليداعي
أهل نجران ، فلما رأوه خرج ، هابوا وفرقوا ، فرجعوا قال
معمر ، قال
قتادة : لما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم -
أهل نجران ، أخذ بيد
حسن وحسين وقال
لفاطمة : اتبعينا . فلما رأى ذلك أعداء الله ، رجعوا .
[ ص: 482 ]
7186 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
عبد الكريم الجزري ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس قال : لو خرج الذين يباهلون النبي - صلى الله عليه وسلم - لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا .
7187 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
زكريا ، عن
عدي قال : حدثنا
عبيد الله بن عمرو ، عن
عبد الكريم ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس مثله .
7188 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
والذي نفسي بيده ، لو لاعنوني ما حال الحول وبحضرتهم منهم أحد إلا أهلك الله الكاذبين .
7189 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال :
حدثنا ابن زيد قال : قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لو لاعنت القوم ، بمن كنت تأتي حين قلت " أبناءنا وأبناءكم " ؟ قال : حسن وحسين .
7190 - حدثني
محمد بن سنان قال : حدثنا
أبو بكر الحنفي قال : حدثنا
المنذر بن ثعلبة قال :
حدثنا علباء بن أحمر اليشكري قال : لما نزلت هذه الآية : " فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم " الآية ، أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى علي وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين ، ودعا اليهود ليلاعنهم ، فقال شاب من اليهود ، ويحكم ! أليس عهدكم بالأمس إخوانكم الذين مسخوا قردة وخنازير ؟ ! لا تلاعنوا ! فانتهوا .