القول في
تأويل قوله ( قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .
فقال بعضهم : قوله : "
قل إن الهدى هدى الله " اعتراض به في وسط الكلام ، خبرا من الله عن أن البيان بيانه والهدى هداه . قالوا : وسائر الكلام بعد ذلك متصل بالكلام الأول ، خبرا عن قيل
اليهود بعضها لبعض . فمعنى الكلام عندهم : ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ، ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، أو أن يحاجوكم عند ربكم أي : ولا تؤمنوا أن يحاجكم أحد عند ربكم . ثم قال الله - عز وجل - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : قل ، يا
محمد : "
إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء " و " إن الهدى هدى الله " .
ذكر من قال ذلك :
7249 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم ، عن
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله : "
أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، حسدا من يهود أن تكون النبوة في غيرهم ، وإرادة أن يتبعوا على دينهم .
[ ص: 513 ]
7250 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد مثله .
وقال آخرون : تأويل ذلك : قل يا
محمد : "
إن الهدى هدى الله " إن البيان بيان الله " أن يؤتى أحد " قالوا : ومعناه : لا يؤتى أحد من الأمم مثل ما أوتيتم ، كما قال : (
يبين الله لكم أن تضلوا ) [ سورة النساء : 176 ] ، بمعنى : لا تضلون ، وكقوله : (
كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به ) [ سورة الشعراء : 200 - 201 ] ، يعني : أن لا يؤمنوا " مثل ما أوتيتم " يقول : مثل ما أوتيت ، أنت يا
محمد ، وأمتك من الإسلام والهدى " أو يحاجوكم عند ربكم " قالوا : ومعنى " أو " : " إلا " أي : إلا أن " يحاجوكم " يعني : إلا أن يجادلوكم عند ربكم عند ما فعل بهم ربكم .
ذكر من قال ذلك :
7251 - حدثنا
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن المفضل قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : قال الله - عز وجل -
لمحمد - صلى الله عليه وسلم - : "
قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم " يقول ، مثل ما أوتيتم يا أمة
محمد "
أو يحاجوكم عند ربكم " تقول
اليهود : فعل الله بنا كذا وكذا من الكرامة ، حتى أنزل علينا المن والسلوى فإن الذي أعطيتكم أفضل فقولوا : "
إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء " الآية .
فعلى هذا التأويل ، جميع هذا الكلام ، [ أمر ] من الله نبيه
محمدا - صلى الله عليه وسلم - أن يقوله لليهود ، وهو متلاصق بعضه ببعض لا اعتراض فيه . و " الهدى "
[ ص: 514 ] الثاني رد على " الهدى " الأول ، و " أن " في موضع رفع على أنه خبر عن " الهدى " .
وقال آخرون : بل هذا أمر من الله نبيه أن يقوله
لليهود . وقالوا : تأويله : " قل " يا
محمد "
إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد " من الناس " مثل ما أوتيتم " يقول : مثل الذي أوتيتموه أنتم يا معشر
اليهود من كتاب الله ، ومثل نبيكم ، فلا تحسدوا المؤمنين على ما أعطيتهم ، مثل الذي أعطيتكم من فضلي ، فإن الفضل بيدي أوتيه من أشاء .
ذكر من قال ذلك :
7252 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : "
قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم " يقول : لما أنزل الله كتابا مثل كتابكم ، وبعث نبيا مثل نبيكم ، حسدتموهم على ذلك "
قل إن الفضل بيد الله " الآية .
7253 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع مثله .
وقال آخرون : بل تأويل ذلك : " قل " يا
محمد : "
إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم " أنتم يا معشر
اليهود من كتاب الله . قالوا : وهذا آخر القول الذي أمر الله به نبينا
محمدا - صلى الله عليه وسلم - أن يقوله
لليهود من هذه الآية . قالوا : وقوله : " أو يحاجوكم " مردود على قوله : "
ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم " .
وتأويل الكلام - على قول أهل هذه المقالة - : ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ، فتتركوا الحق : أن يحاجوكم به عند ربكم من اتبعتم دينه فاخترتموه : أنه محق ، وأنكم تجدون نعته في كتابكم . فيكون حينئذ قوله : " أو يحاجوكم " مردودا
[ ص: 515 ] على جواب نهي متروك ، على قول هؤلاء .
ذكر من قال ذلك :
7254 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قوله : "
إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم " يقول : هذا الأمر الذي أنتم عليه : أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم " أو يحاجوكم عند ربكم " قال : قال بعضهم لبعض : لا تخبروهم بما بين الله لكم في كتابه ، " ليحاجوكم " قال : ليخاصموكم به عند ربكم "
قل إن الهدى هدى الله " .
[ قال
أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يكون قوله : "
قل إن الهدى هدى الله " ] معترضا به ، وسائر الكلام متسق على سياق واحد . فيكون تأويله حينئذ : ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ، ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم بمعنى : لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم "
أو يحاجوكم عند ربكم " بمعنى : أو أن يحاجوكم عند ربكم . . . . . . . . أحد بإيمانكم ،
[ ص: 516 ] لأنكم أكرم على الله بما فضلكم به عليهم . فيكون الكلام كله خبرا عن قول الطائفة التي قال الله - عز وجل - : "
وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار " سوى قوله : "
قل إن الهدى هدى الله " . ثم يكون الكلام مبتدأ بتكذيبهم في قولهم : " قل " يا
محمد ، للقائلين ما قالوا من الطائفة التي وصفت لك قولها لتباعها من اليهود "
إن الهدى هدى الله " إن التوفيق توفيق الله والبيان بيانه ، " وإن الفضل بيده يؤتيه من يشاء " لا ما تمنيتموه أنتم يا معشر اليهود .
وإنما اخترنا ذلك من سائر الأقوال التي ذكرناها ، لأنه أصحها معنى ، وأحسنها استقامة ، على معنى كلام العرب ، وأشدها اتساقا على نظم الكلام وسياقه . وما عدا ذلك من القول ، فانتزاع يبعد من الصحة ، على استكراه شديد للكلام .