[ ص: 547 ] القول في
تأويل قوله ( ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون ( 80 ) )
قال
أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة قوله : " ولا يأمركم " .
فقرأته عامة قرأة الحجاز والمدينة : (
ولا يأمركم ) ، على وجه الابتداء من الله بالخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يأمركم ، أيها الناس ، أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا . واستشهد قارئو ذلك كذلك بقراءة ذكروها عن
ابن مسعود أنه كان يقرؤها ، وهي : ( " ولن يأمركم " ) ، فاستدلوا بدخول " لن " على انقطاع الكلام عما قبله ، وابتداء خبر مستأنف . قالوا : فلما صير مكان " لن " في قراءتنا " لا " وجبت قراءته بالرفع .
وقرأه بعض الكوفيين والبصريين : (
ولا يأمركم ) ، بنصب " الراء " ، عطفا على قوله : "
ثم يقول للناس " . وكان تأويله عندهم : ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب ، ثم يقول للناس ، ولا أن يأمركم بمعنى : ولا كان له أن يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا .
قال
أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب في ذلك : " ولا يأمركم " بالنصب على الاتصال بالذي قبله ، بتأويل : ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ، ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولا أن يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا . لأن الآية نزلت في سبب القوم الذين قالوا لرسول
[ ص: 548 ] الله - صلى الله عليه وسلم - : " أتريد أن نعبدك " ؟ فأخبرهم الله - جل ثناؤه - أنه ليس لنبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو الناس إلى عبادة نفسه ، ولا إلى اتخاذ الملائكة والنبيين أربابا . ولكن الذي له : أن يدعوهم إلى أن يكونوا ربانيين .
فأما الذي ادعى من قرأ ذلك رفعا ، أنه في قراءة
عبد الله : " ولن يأمركم " استشهادا لصحة قراءته بالرفع ، فذلك خبر غير صحيح سنده ، وإنما هو خبر رواه
حجاج ، عن
هارون الأعور أن ذلك في قراءة
عبد الله كذلك . ولو كان ذلك خبرا صحيحا سنده ، لم يكن فيه لمحتج حجة . لأن ما كان على صحته من القراءة من الكتاب الذي جاء به المسلمون وراثة عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم - ، لا يجوز تركه لتأويل على قراءة أضيفت إلى بعض الصحابة ، بنقل من يجوز في نقله الخطأ والسهو .
[ ص: 549 ]
قال
أبو جعفر : فتأويل الآية إذا : وما كان للنبي أن يأمركم ، أيها الناس ، " أن يتخذوا الملائكة والنبيين أربابا " يعني بذلك آلهة يعبدون من دون الله ، كما ليس له أن يقول لهم : كونوا عبادا لي من دون الله .
ثم قال - جل ثناؤه - نافيا عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يأمر عباده بذلك : "
أيأمركم بالكفر " أيها الناس ، نبيكم ، بجحود وحدانية الله "
بعد إذ أنتم مسلمون " يعني : بعد إذ أنتم له منقادون بالطاعة ، متذللون له بالعبودة أي أن ذلك غير كائن منه أبدا . وقد : -
7322 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : " ولا يأمركم " النبي - صلى الله عليه وسلم - "
أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا " .