قوله : ( باب من قلد القلائد بيده ) أي الهدايا ، وله حالان : إما أن يسوق الهدي ويقصد النسك فإنما يقلدها ويشعرها عند إحرامه وإما أن يسوقه ويقيم فيقلدها من مكانه وهو مقتضى حديث الباب وسيأتي بيان ما يقلد به بعد باب والغرض بهذه الترجمة أنه كان عالما بابتداء التقليد ليترتب عليه ما بعده ، قال ابن التين : يحتمل أن يكون قول عائشة " ثم قلدها بيده " بيانا لحفظها للأمر ومعرفتها به ويحتمل أن تكون أرادت أنه صلى الله عليه وسلم تناول ذلك بنفسه وعلم وقت التقليد ومع ذلك فلم يمتنع من شيء يمتنع منه المحرم لئلا يظن أحد أنه استباح ذلك قبل أن يعلم بتقليد الهدي .
قوله : ( عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم ) كذا للأكثر وسقط " عمرو " من رواية أبي ذر ، nindex.php?page=showalam&ids=16693وعمرة هي خالة عبد الله الراوي عنها ، والإسناد كله مدنيون إلا شيخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
قوله : ( أن زياد بن أبي سفيان ) كذا وقع في : " الموطأ " وكأن شيخ مالك حدث به كذلك في زمن بني أمية وأما بعدهم فما كان يقال له إلا زياد ابن أبيه وقبل استلحاق معاوية له كان يقال له زياد بن عبيد وكانت أمه سمية مولاة الحارث بن كلدة الثقفي تحت عبيد المذكور فولدت زيادا على فراشه فكان ينسب إليه فلما كان في خلافة معاوية شهد جماعة على إقرار أبي سفيان بأن زيادا ولده فاستلحقه معاوية لذلك وزوج ابنه ابنته وأمر زيادا على العراقين - البصرة والكوفة - جمعهما له ومات في خلافة معاوية سنة ثلاث وخمسين .
[ ص: 638 ] ( تنبيه ) : وقع عند مسلم ، عن يحيى بن يحيى ، عن مالك في هذا الحديث " أن ابن زياد " بدل قوله " أن زياد بن أبي سفيان " وهو وهم نبه عليه الغساني ومن تبعه ، قال النووي وجميع من تكلم على صحيح مسلم : والصواب ما وقع في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وهو الموجود عند جميع رواة الموطأ .
قوله : ( قالت عمرة ) هو بالسند المذكور . وقد روى الحديث المرفوع عن عائشة القاسم ، وعروة كما مضى قريبا مختصرا ، ورواه عنها أيضا مسروق وسيأتي في آخر الباب الذي بعده مختصرا ، وأورده في الضحايا مطولا وترجم هناك على حكم من أهدى وأقام هل يصير محرما أو لا ؟ ولم يترجم به هنا ، ولفظه هناك " عن مسروق أنه قال : يا أم المؤمنين إن رجلا يبعث بالهدي إلى الكعبة ويجلس في المصر فيوصي أن تقلد بدنته فلا يزال من ذلك اليوم محرما حتى يحل الناس " فذكر الحديث نحوه . ولفظ nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي في حديث مسروق " قال قلت nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة : إن رجالا هاهنا يبعثون بالهدي إلى البيت ويأمرون الذي يبعثون معه بمعلم لهم يقلدها في ذلك اليوم فلا يزالون محرمين حتى يحل الناس " الحديث . وقال nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور " حدثنا هشيم حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا محدث عن عائشة وقيل لها إن زيادا إذا بعث بالهدي أمسك عما يمسك عنه المحرم حتى ينحر هديه ، فقالت عائشة : أوله كعبة يطوف بها " . قال " وحدثنا يعقوب حدثنا هشام عن أبيه nindex.php?page=hadith&LINKID=886476بلغ عائشة أن زيادا بعث بالهدي وتجرد فقالت إن كنت لأفتل قلائد هدي النبي صلى الله عليه وسلم ثم يبعث بها وهو مقيم عندنا ما يجتنب شيئا . وروى مالك في الموطأ " عن يحيى بن سعيد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16900محمد بن إبراهيم التيمي ، عن nindex.php?page=showalam&ids=2983ربيعة بن عبد الله بن الهدير أنه رأى رجلا متجردا بالعراق فسأل عنه فقالوا إنه أمر بهديه أن يقلد ، قال ربيعة : فلقيت عبد الله بن الزبير فذكرت له ذلك فقال : بدعة ورب الكعبة " ورواه ابن أبي شيبة " عن الثقفي ، عن يحيى بن سعيد أخبرني محمد بن إبراهيم أن ربيعة أخبره أنه رأى ابن عباس وهو أمير على البصرة في زمان علي متجردا على منبر البصرة " فذكره ، فعرف بهذا اسم المبهم في رواية مالك . قال ابن التين : خالف ابن عباس في هذا جميع الفقهاء ، واحتجت عائشة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وما روته في ذلك يجب أن يصار إليه ولعل ابن عباس رجع عنه . انتهى . وفيه قصور شديد فإن ابن عباس لم ينفرد بذلك بل ثبت ذلك عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمر رواه ابن أبي شيبة عن ابن علية عن أيوب ، وابن المنذر من طريق nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج كلاهما عن نافع " أن ابن عمر كان إذا بعث بالهدي يمسك عما يمسك عنه المحرم إلا أنه لا يلبي " ومنهم nindex.php?page=showalam&ids=7246قيس بن سعد بن عبادة أخرج nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور من طريق nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب عنه نحو ذلك وروى ابن أبي شيبة من طريق محمد بن علي بن الحسين عن عمر و علي أنهما قالا في الرجل يرسل ببدنته " أنه يمسك عما يمسك عنه المحرم " وهذا منقطع . وقال ابن المنذر " قال عمر و علي ، nindex.php?page=showalam&ids=7246وقيس بن سعد ، nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، والنخعي ، nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ، nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين وآخرون : من أرسل الهدي وأقام حرم عليه ما يحرم على المحرم . وقال ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة وأنس ، وابن الزبير وآخرون : لا يصير بذلك محرما وإلى ذلك صار فقهاء الأمصار ، ومن حجة الأولين ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي وغيره من طريق عبد الملك بن جابر عن أبيه قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=886477كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقد قميصه من جيبه حتى أخرجه [ ص: 639 ] من رجليه وقال : إني أمرت ببدني التي بعثت بها أن تقلد اليوم وتشعر على مكان كذا فلبست قميصي ونسيت فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي : الحديث وهذا لا حجة فيه لضعف إسناده إلا أن نسبة ابن عباس إلى التفرد بذلك خطأ . وقد ذهب nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب إلى أنه لا يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم إلا الجماع ليلة جمع رواه ابن أبي شيبة عنه بإسناد صحيح . نعم جاء عن الزهري ما يدل على أن الأمر استقر على خلاف ما قال ابن عباس ففي نسخة أبي اليمان ، عن شعيب عنه وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي من طريقه قال " أول من كشف العمى عن الناس وبين لهم السنة في ذلك عائشة " فذكر الحديث عن عروة nindex.php?page=showalam&ids=16693وعمرة عنها قال " فلما بلغ الناس قول عائشة أخذوا به وتركوا فتوى ابن عباس " وذهب جماعة من فقهاء الفتوى إلى أن من أراد النسك صار بمجرد تقليده الهدي محرما حكاه ابن المنذر ، عن الثوري ، وأحمد ، وإسحاق ، قال : وقال أصحاب الرأي : من ساق الهدي وأم البيت ثم قلد وجب عليه الإحرام ، قال : وقال الجمهور : لا يصير بتقليد الهدي محرما ولا يجب عليه شيء . ونقل nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي عن أصحاب الرأي مثل قول ابن عباس ، وهو خطأ عليهم nindex.php?page=showalam&ids=14695فالطحاوي أعلم بهم منه . ولعل nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي ظن التسوية بين المسألتين .
قوله : ( بيدي ) فيه رفع مجاز أن تكون أرادت أنها فتلت بأمرها .
قوله : ( مع أبي ) بفتح الهمزة وكسر الموحدة الخفيفة تريد بذلك أباها nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر الصديق . واستفيد من ذلك وقت البعث وأنه كان في سنة تسع عام حج أبو بكر بالناس . قال ابن التين : أرادت عائشة بذلك علمها بجميع القصة ، ويحتمل أن تريد أنه آخر فعل النبي صلى الله عليه وسلم لأنه حج في العام الذي يليه حجة الوداع لئلا يظن ظان أن ذلك كان في أول الإسلام ثم نسخ فأرادت إزالة هذا اللبس وأكملت ذلك بقولها " فلم يحرم عليه شيء كان له حلا حتى نحر الهدي " أي وانقضى أمره ولم يحرم ، وترك إحرامه بعد ذلك أحرى وأولى لأنه إذا انتفى في وقت الشبهة فلأن ينتفي عند انتفاء الشبهة أولى . وحاصل اعتراض عائشة على ابن عباس أنه ذهب إلى ما أفتى به قياسا للتولية في أمر الهدي على المباشرة له فبينت عائشة أن هذا القياس لا اعتبار له في مقابلة هذه السنة الظاهرة .