[ ص: 5 ] قوله : ( باب المحصر وجزاء الصيد ) ثبتت البسملة للجميع ، وذكر أبو ذر " أبوابا " بلفظ الجمع ، وللباقين " باب " بالإفراد .
قوله : ( وقول الله تعالى : فإن أحصرتم ) أي : وتفسير المراد من قوله : فإن أحصرتم وأما قوله : ولا تحلقوا رءوسكم فسيأتي في الباب الذي يليه . وفي اقتصاره على تفسير عطاء إشارة إلى أنه اختار القول بتعميم الإحصار ، وهي مسألة اختلاف بين الصحابة وغيرهم ، فقال كثير منهم : الإحصار من كل حابس حبس الحاج من عدو ومرض وغير ذلك ، حتى أفتى ابن مسعود رجلا لدغ بأنه محصر ، أخرجه ابن جرير بإسناد صحيح عنه . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي والكوفيون : الحصر الكسر والمرض والخوف ، واحتجوا بحديث حجاج بن عمرو الذي سنذكره في آخر الباب . وأثر عطاء المشار إليه ، وصله عبد بن حميد ، ، عن أبي نعيم ، عن الثوري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عنه قال في قوله تعالى : فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي قال : الإحصار من كل شيء يحبسه . وكذا رويناه في تفسير الثوري رواية أبي حذيفة عنه .
وروى ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس نحوه ، ولفظه : "إن أحصرتم ، قال : من أحرم بحج أو عمرة ثم حبس عن البيت بمرض يجهده أو عدو يحبسه فعليه ذبح ما استيسر من الهدي ، فإن كانت حجة الإسلام فعليه قضاؤها ، وإن كانت حجة بعد الفريضة فلا قضاء عليه " . وقال آخرون : لا حصر إلا بالعدو ، وصح ذلك عن ابن عباس ، أخرجه عبد الرزاق ، عن معمر ، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عن ابن عيينة ، كلاهما عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : " لا حصر إلا من حبسه عدو فيحل بعمرة ، وليس عليه حج ولا عمرة " ، وروى مالك في " الموطأ " nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي عنه ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن أبيه قال : " من حبس دون البيت بالمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت " . وروى مالك ، عن أيوب عن رجل من أهل البصرة قال : " خرجت إلى مكة حتى إذا كنت بالطريق كسرت فخذي ، فأرسلت إلى مكة - وبها nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس [ ص: 6 ] nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر والناس - فلم يرخص لي أحد في أن أحل ، فأقمت على ذلك الماء تسعة أشهر ثم حللت بعمرة " ، وأخرجه ابن جرير من طرق وسمى الرجل يزيد بن عبد الله بن الشخير ، وبه قال مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأحمد . قال : nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : جعل الله على الناس إتمام الحج والعمرة ، وجعل التحلل للمحصر رخصة ، وكانت الآية في شأن منع العدو فلم نعد بالرخصة موضعها .
وفي المسألة قول ثالث حكاه ابن جرير وغيره ، وهو أنه لا حصر بعد النبي ، وروى مالك في " الموطأ " عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن أبيه : " المحرم لا يحل حتى يطوف " . أخرجه في " باب ما يفعل من أحصر بغير عدو " ، وأخرج ابن جرير عن عائشة بإسناد صحيح قالت : " لا أعلم المحرم يحل بشيء دون البيت " . وعن ابن عباس بإسناد ضعيف قال : " لا إحصار اليوم " . وروي ذلك عن عبد الله بن الزبير ، والسبب في اختلافهم في ذلك اختلافهم في تفسير الإحصار ، فالمشهور عن أكثر أهل اللغة - منهم الأخفش nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي والفراء وأبو عبيدة وأبو عبيد nindex.php?page=showalam&ids=12758وابن السكيت وثعلب وابن قتيبة وغيرهم - أن الإحصار إنما يكون بالمرض ، وأما بالعدو فهو الحصر ، وبهذا قطع النحاس ، وأثبت بعضهم أن أحصر وحصر بمعنى واحد ، يقال في جميع ما يمنع الإنسان من التصرف ، قال تعالى : للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض وإنما كانوا لا يستطيعون من منع العدو إياهم ، وأما nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ومن تابعه فحجتهم في أن لا إحصار إلا بالعدو اتفاق أهل النقل على أن الآيات نزلت في قصة الحديبية حين صد النبي - صلى الله عليه وسلم - عن البيت ، فسمى الله صد العدو إحصارا ، وحجة الآخرين التمسك بعموم قوله تعالى : فإن أحصرتم .
قوله : ( قال : أبو عبد الله : حصورا لا يأتي النساء ) هكذا ثبت هذا التفسير هنا في رواية المستملي خاصة ، ونقله الطبري ، عن سعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ومجاهد ، وقد حكاه أبو عبيدة في " المجاز " وقال : إن له معاني أخرى فذكرها ، وهو بمعنى " محصور " ؛ لأنه منع مما يكون من الرجال ، وقد ورد فعول بمعنى مفعول كثيرا ، وكأن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أراد بذكر هذه الآية الإشارة إلى أن المادة واحدة ، والجامع بين معانيها المنع ، والله أعلم .
[ ص: 7 ] قوله : ( باب إذا أحصر المعتمر ) قيل : غرض المصنف بهذه الترجمة الرد على من قال : التحلل بالإحصار خاص بالحاج بخلاف المعتمر ؛ فلا يتحلل بذلك ، بل يستمر على إحرامه حتى يطوف بالبيت ؛ لأن السنة كلها وقت للعمرة ، فلا يخشى فواتها بخلاف الحج ، وهو محكي عن مالك ، واحتج له إسماعيل القاضي بما أخرجه بإسناد صحيح عن أبي قلابة قال : خرجت معتمرا ، فوقعت عن راحلتي فانكسرت ، فأرسلت إلى ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر فقالا : ليس لها وقت كالحج ، يكون على إحرامه حتى يصل إلى البيت .
قوله : ( إن عبد الله بن عمر حين خرج إلى مكة معتمرا في الفتنة ) هذا السياق يشعر بأنه عن نافع عن ابن عمر بغير واسطة ، لكن رواية جويرية التي بعده تقتضي أن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافعا حمل ذلك عن سالم وعبيد الله ابني عبد الله بن عمر عن أبيهما حيث قال فيها : عن جويرية ، عن نافع ، ، أن عبيد الله بن عبد الله nindex.php?page=showalam&ids=15959وسالم بن عبد الله أخبراه أنهما كلما عبد الله بن عمر ، فذكر القصة والحديث ، هكذا قال : nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، عن عبد الله بن محمد بن أسماء ، ووافقه الحسن بن سفيان وأبو يعلى ، كلاهما عن عبد الله ، أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي عنهما ، وتابعهم معاذ بن المثنى ، عن عبد الله بن محمد بن أسماء ، أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي ، لكن في رواية موسى بن إسماعيل عن جويرية عن نافع أن بعض بني عبد الله بن عمر قال له ، فذكر الحديث . وظاهره أنه لنافع عن ابن عمر بغير واسطة ، وقد عقب nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري رواية عبد الله برواية موسى لينبه على الاختلاف في ذلك ، واقتصر في رواية موسى هنا على الإسناد ، وساقه في المغازي بتمامه . وقد رواه nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى القطان ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع كذلك ولفظه : " أن عبد الله بن عبد الله nindex.php?page=showalam&ids=15959وسالم بن عبد الله كلما عبد الله ، فذكر الحديث " . [ ص: 8 ] أخرجه مسلم ، وقد أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في المغازي عن مسدد ، عن يحيى مختصرا قال : فيه عن نافع عن ابن عمر أنه أهل فذكر بعض الحديث . وفي قوله : عن نافع عن ابن عمر دلالة على أنه لا واسطة بين نافع nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر فيه ، كما هو ظاهر سياق مسلم ، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري كما سيأتي بعد باب من طريق عمر بن محمد ، عن نافع مثل سياق يحيى ، عن عبيد الله سواء ، وأخرجه في المغازي من طريق فليح ، وفيما مضى من الحج من طريق أيوب nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث كلهم عن نافع ، وأعرض مسلم عن تخريج طريق جويرية ، ووافق على طريق تخريج الليث وأيوب ، عن عبيد الله بن عمر ، وكذا أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من طريق أيوب بن موسى وإسماعيل بن أمية كلهم عن نافع عن ابن عمر بغير واسطة .
والذي يترجح في نقدي أن ابني عبد الله أخبرا nindex.php?page=showalam&ids=17191نافعا بما كلما به أباهما وأشارا عليه به من التأخير ذلك العام ، وأما بقية القصة فشاهدها نافع وسمعها من ابن عمر لملازمته إياه ، فالمقصود من الحديث موصول ، وعلى تقدير أن يكون نافع لم يسمع شيئا من ذلك من ابن عمر فقد عرف الواسطة بينهما وهي ولدا عبد الله بن عمر : سالم ، وعبد الله . وهما ثقتان لا مطعن فيهما ، ولم أر من نبه على ذلك من شراح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري . ووقع في رواية جويرية المذكورة عبيد الله بن عبد الله بالتصغير ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى القطان المذكورة عبد الله بالتكبير ، وكذا في رواية عمر بن محمد ، عن نافع ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : عبد الله - يعني مكبرا - أصح . قلت : وليس بمستبعد أن يكون كل منهما كلم أباه في ذلك ، ولعل nindex.php?page=showalam&ids=17191نافعا حضر كلام عبد الله المكبر مع أخيه سالم ولم يحضر كلام عبيد الله المصغر مع أخيه سالم أيضا ، بل أخبراه بذلك ، فقص عن كل ما انتهى إليه علمه .
قوله : ( معتمرا ) في " الموطأ " من هذا الوجه " خرج إلى مكة يريد الحج . فقال : إن صددت " فذكره ، ولا اختلاف ، فإنه خرج أولا يريد الحج فلما ذكروا له أمر الفتنة أحرم بالعمرة ثم قال : ما شأنهما إلا واحدا . فأضاف إليها الحج فصار قارنا .
قوله : ( في الفتنة ) بينه في رواية جويرية فقال : " ليالي نزل الجيش بابن الزبير " . وقد مضى في " باب طواف القارن " من طريق الليث ، عن نافع بلفظ : " حين نزل الحجاج بابن الزبير " . ولمسلم رواية في nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى القطان المذكورة " حين نزل الحجاج لقتال ابن الزبير " ، وقد تقدم في " باب من اشترى هديه من الطريق " من رواية nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة ، عن نافع " أراد ابن عمر الحج عام حج الحرورية " . وتقدم طريق الجمع بينه وبين رواية الباب .
قوله : ( إن صددت عن البيت ) هذا الكلام قاله جوابا لقول من قال له : إنا نخاف أن يحال بينك وبين البيت ، كما أوضحته الرواية التي بعد هذه .
قوله : ( كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ) في رواية nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة : " فقال : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ، إذن أصنع كما صنع " . زاد في رواية الليث ، عن نافع في " باب طواف القارن " : " كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم " ونحوه في رواية أيوب ، عن نافع في " باب طواف القارن " .
[ ص: 9 ] قوله : ( من أجل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أهل بعمرة عام الحديبية ) . قال النووي : معناه أنه أراد إن صددت عن البيت وأحصرت تحللت من العمرة كما تحلل النبي - صلى الله عليه وسلم - من العمرة . وقال : عياض : يحتمل أن المراد أهل بعمرة كما أهل النبي - صلى الله عليه وسلم - بعمرة ، ويحتمل أنه أراد الأمرين ، أي : من الإهلال والإحلال ، وهو الأظهر . وتعقبه النووي ، وليس هو بمردود .
قوله : ( بعمرة ) زاد في رواية جويرية : " من ذي الحليفة " وفي رواية أيوب الماضية : " فأهل بالعمرة من الدار " والمراد بالدار المنزل الذي نزله بذي الحليفة ، ويحتمل أن يحمل على الدار التي بالمدينة ، ويجمع بأنه أهل بالعمرة من داخل بيته ، ثم أعلن بها وأظهرها بعد أن استقر بذي الحليفة .
قوله : ( عام الحديبية ) سيأتي بيان ذلك وشرحه في " كتاب المغازي " إن شاء الله تعالى ، وأورده المصنف بعد بابين عن nindex.php?page=showalam&ids=12427إسماعيل - وهو ابن أبي أويس - عن مالك فزاد فيه : " ثم إن عبد الله بن عمر نظر في أمره فقال : ما أمرهما إلا واحد " أي : الحج والعمرة فيما يتعلق بالإحصار والإحلال ، فالتفت إلى أصحابه فذكر القصة . وبين في رواية جويرية أن ذلك وقع بعد أن سار ساعة ، وهو يؤيد الاحتمال الأول الماضي في أن المراد بالدار المنزل الذي نزلهبذي الحليفة . ووقع في رواية الليث : " أشهدكم أني قد أوجبت عمرة . ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء قال : ما شأن الحج والعمرة إلا واحد " . ولو كان إيجابه العمرة من داره التي بالمدينة لكان ما بينها وبين ظاهر البيداء أكثر من ساعة .