وفي رواية مالك في " الموطأ " عن عبد الكريم بإسناده في آخر الحديث : " أي ذلك فعلت أجزأ " وسيأتي البحث في ذلك إن شاء الله تعالى . وقوله : " فأما الصوم " في رواية الكشميهني " الصيام " ، والصيام المطلق [ ص: 17 ] في الآية مقيد بما ثبت في الحديث بالثلاث . قال ابن التين وغيره : جعل الشارع هنا صوم يوم معادلا بصاع ، وفي الفطر من رمضان عدل مد ، وكذا في الظهار والجماع في رمضان ، وفي كفارة اليمين بثلاثة أمداد وثلث ، وفي ذلك أقوى دليل على أن القياس لا يدخل في الحدود والتقديرات . وقسيم قوله : " فأما الصوم " محذوف تقديره . وأما الصدقة فهي إطعام ستة مساكين ، وقد أفرد ذلك بترجمة .
قوله : ( عن حميد بن قيس ) في رواية أشهب ، عن مالك " أن حميد بن قيس حدثه " ، أخرجها nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في " الموطأ " .
قوله : ( مجاهد ، عن عبد الرحمن ) صرح سيف ، عن مجاهد بسماعه من عبد الرحمن وبأن كعبا حدث عبد الرحمن كما في الباب الذي يليه . قال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر في رواية حميد بن قيس هذه : كذا رواه الأكثر عن مالك ، ورواه ابن وهب وابن القاسم وابن عفير ، عن مالك بإسقاط عبد الرحمن بين مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=167وكعب بن عجرة . قلت : nindex.php?page=showalam&ids=16867ولمالك فيه إسنادان آخران في " الموطأ " أحدهما عن عبد الكريم الجزري ، عن مجاهد ، وفي سياقه ما ليس في سياق حميد بن قيس ، وقد اختلف فيه على مالك أيضا على العكس مما اختلف فيه على طريق حميد بن قيس ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : رواه أصحاب " الموطأ " عن مالك ، ، عن عبد الكريم ، ، عن عبد الرحمن ، لم يذكروا nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهدا ، حتى قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا وهم فيه .
وأجاب nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر بأن ابن القاسم nindex.php?page=showalam&ids=16472وابن وهب في " الموطأ " وتابعهما جماعة عن مالك خارج " الموطأ " ، منهم nindex.php?page=showalam&ids=15538بشر بن عمر الزهراني ، nindex.php?page=showalam&ids=16349وعبد الرحمن بن مهدي ، nindex.php?page=showalam&ids=12377وإبراهيم بن طهمان ، nindex.php?page=showalam&ids=15500والوليد بن مسلم ، أثبتوا nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهدا بينهما ، وهذا الجواب لا يرد على nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وطريق ابن القاسم المشار إليها عند nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ، وطريق ابن وهب عند الطبري ، وطريق عبد الرحمن بن مهدي عند أحمد ، وسائرها عند nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في " الغرائب " . والإسناد الثالث لمالك فيه عن nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني ، عن رجل من أهل الكوفة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=167كعب بن عجرة ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : يحتمل أن يكون عبد الرحمن بن أبي ليلى ، أو عبد الله بن معقل ، ونقل nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12265أحمد بن صالح المصري قال : حديث nindex.php?page=showalam&ids=167كعب بن عجرة في الفدية سنة معمول بها لم يروها من الصحابة غيره ، ولا رواها عنه إلا nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى وابن معقل . قال : وهي سنة أخذها أهل المدينة عن أهل الكوفة . قال الزهري : سألت عنها علماءنا كلهم حتى nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب فلم يبينوا كم عدد المساكين . قلت : فيما أطلقه ابن صالح نظر ، فقد جاءت هذه السنة من رواية جماعة من الصحابة غير كعب ، منهم nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص عند الطبري nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني ، nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة عند nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور ، nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر عند الطبري ، nindex.php?page=showalam&ids=16789وفضالة الأنصاري عمن لا يتهم من قومه عند الطبري أيضا . ورواه عن nindex.php?page=showalam&ids=167كعب بن عجرة - غير المذكورين - أبو وائل عند nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ، nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب القرظي عند ابن ماجه ، ويحيى بن جعدة عند أحمد ، nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء عند الطبري .
وجاء عن أبي قلابة nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي أيضا عن كعب وروايتهما عند أحمد ، لكن الصواب أن بينهما واسطة ؛ وهو nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى على الصحيح . وقد أورد nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري حديث كعب هذا في أربعة أبواب متوالية ، وأورده أيضا في المغازي والطب وكفارات الأيمان من طرق أخرى ، مدار الجميع على nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى وابن معقل ، فيقيد إطلاق nindex.php?page=showalam&ids=12265أحمد بن صالح بالصحة ، فإن بقية الطرق التي ذكرتها لا تخلو عن مقال إلا طريق أبي وائل ، وسأذكر ما في هذه الطرق من فائدة زائدة إن شاء الله تعالى .
ولأبي داود من طريق nindex.php?page=showalam&ids=14152الحكم بن عتيبة عن nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى ، عن كعب : " nindex.php?page=hadith&LINKID=886678أصابتني هوام حتى تخوفت على بصري " . وفي رواية أبي وائل ، عن كعب عند الطبري : " nindex.php?page=hadith&LINKID=886679فحك رأسي بأصبعه فانتثر منه القمل " زاد الطبري من طريق الحكم : " إن هذا لأذى . قلت : شديد يا رسول الله " والجمع بين هذا الاختلاف في قول nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى ، عن كعب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر به فرآه ، وفي قول عبد الله بن معقل " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسل إليه فرآه " أن يقال : مر به أولا فرآه على تلك الصورة فاستدعى به إليه فخاطبه وحلق رأسه بحضرته ، فنقل كل واحد منهما ما لم ينقله الآخر ، ويوضحه قوله في رواية ابن عون السابقة حيث قال فيها : " فقال : ادن . فدنوت " فالظاهر أن هذا الاستدناء كان عقب رؤيته إياه إذ مر به وهو يوقد تحت القدر .
[ ص: 19 ] قوله : ( لعلك آذاك هوامك ) قال القرطبي : هذا سؤال عن تحقيق العلة التي يترتب عليها الحكم ، فلما أخبره بالمشقة التي نالته خفف عنه . و " الهوام " - بتشديد الميم - : جمع هامة ، وهي ما يدب من الأخشاش ، والمراد بها ما يلازم جسد الإنسان غالبا إذا طال عهده بالتنظيف ، وقد عين في كثير من الروايات أنها القمل ، واستدل به على أن الفدية مرتبة على قتل القمل ، وتعقب بذكر الحلق ، فالظاهر أن الفدية مرتبة عليه ، وهما وجهان عند الشافعية ، يظهر أثر الخلاف فيما لو حلق ولم يقتل قملا .
قوله : ( احلق رأسك وصم ) قال ابن قدامة : لا نعلم خلافا في إلحاق الإزالة بالحلق سواء كان بموسى أو مقص أو نورة أو غير ذلك ، وأغرب nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم فأخرج النتف عن ذلك فقال يلحق جميع الإزالات بالحلق إلا النتف .
قوله : ( أو أطعم ) ليس في هذه الرواية بيان قدر الإطعام ، وسيأتي البحث فيه بعد باب ، وهو ظاهر في التخيير بين الصوم والإطعام . وكذا قوله : " أو انسك بشاة " ووقع في رواية الكشميهني " شاة " بغير موحدة ، والأول تقديره : " تقرب بشاة " ، ولذلك عداه بالباء ، والثاني تقديره : " اذبح شاة " . والنسك يطلق على العبادة وعلى الذبح المخصوص ، وسياق رواية الباب موافق للآية ، وقد تقدم أن كعبا قال : إنها نزلت بهذا السبب ، وقد قدمت في أول الباب أن رواية عبد الكريم صريحة في التخيير حيث قال : " أي ذلك فعلت أجزأ " .
وكذا رواية أبي داود التي فيها : " إن شئت وإن شئت " ووافقتها رواية عبد الوارث عن ابن أبي نجيح أخرجها مسدد في مسنده ومن طريقه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني ، لكن رواية عبد الله بن معقل - الآتية بعد باب - تقتضي أن التخيير إنما هو بين الإطعام والصيام لمن لم يجد النسك ولفظه : " قال : أتجد شاة؟ قال : لا . قال : فصم أو أطعم " .
ولأبي داود في رواية أخرى " nindex.php?page=hadith&LINKID=886680أمعك دم؟ قال : لا . قال فإن شئت فصم " ونحوه nindex.php?page=showalam&ids=14687للطبراني من طريق عطاء ، عن كعب ، ووافقهم أبو الزبير ، عن مجاهد عند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني وزاد بعد قوله : ما أجد هديا : " قال : فأطعم . قال : ما أجد . قال : صم " ولهذا قال أبو عوانة في صحيحه : فيه دليل على أن من وجد نسكا لا يصوم ، يعني : ولا يطعم ، لكن لا أعرف من قال بذلك من العلماء إلا ما رواه الطبري وغيره عن سعيد بن جبير قال : النسك شاة ، فإن لم يجد قومت الشاة دراهم ، والدراهم طعاما فتصدق به أو صام لكل نصف صاع يوما ، أخرجه من طريق الأعمش عنه قال فذكرته لإبراهيم فقال : سمعت علقمة مثله . فحينئذ يحتاج إلى الجمع بين الروايتين ، وقد جمع بينهما بأوجه : منها ما قال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : إن فيه الإشارة إلى ترجيح الترتيب لا لإيجابه . ومنها : ما قال النووي : ليس المراد أن الصيام أو الإطعام لا يجزئ إلا لفاقد الهدي ، بل المراد أنه استخبره : هل معه هدي أو لا؟ فإن كان واجده أعلمه أنه مخير بينه وبين الصيام والإطعام ، وإن لم يجده أعلمه أنه مخير بينهما . ومحصله أنه لا يلزم من سؤاله عن وجدان الذبح تعيينه ؛ لاحتمال أنه لو أعلمه أنه يجده لأخبره بالتخيير بينه وبين الإطعام والصوم . ومنها ما قال غيرهما : يحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أذن له في حلق رأسه بسبب الأذى أفتاه بأن يكفر بالذبح على سبيل الاجتهاد منه - صلى الله عليه وسلم - أو بوحي غير متلو ، فلما أعلمه أنه لا يجد نزلت الآية بالتخيير بين الذبح والإطعام والصيام فخيره حينئذ بين الصيام والإطعام ؛ لعلمه بأنه لا ذبح معه ، فصام لكونه لم يكن معه ما يطعمه .
ويوضح ذلك رواية مسلم في حديث عبد الله بن معقل المذكور حيث قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=886681أتجد شاة؟ قلت : لا . فنزلت [ ص: 20 ] هذه الآية : ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فقال : صم ثلاثة أيام أو أطعم " . وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني قال : " صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين " قال : " وكان قد علم أنه ليس عندي ما أنسك به " . ونحوه في رواية nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي ، عن كعب ، وسياق الآية يشعر بتقديم الصيام على غيره ، وليس ذلك لكونه أفضل في هذا المقام من غيره ، بل السر فيه أن الصحابة الذين خوطبوا شفاها بذلك كان أكثرهم يقدر على الصيام أكثر مما يقدر على الذبح والإطعام . وعرف من رواية nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير أن كعبا افتدى بالصيام .
ووقع في رواية ابن إسحاق ما يشعر بأنه افتدى بالذبح ؛ لأن لفظه : " nindex.php?page=hadith&LINKID=886682صم أو أطعم أو انسك شاة . قال : فحلقت رأسي ونسكت " . وروى nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من طريق ضعيفة عن عطاء بن كعب في آخر هذا الحديث : " فقلت : يا رسول الله ، خر لي . قال : أطعم ستة مساكين " وسيأتي البحث فيه في الباب الأخير ، وفيه بقية مباحث هذا الحديث ، إن شاء الله تعالى .